رئيس “ميتوان” أكبر منصة توصيل طعام في العالم نشر 28 حرفا على موقع مغمور فأصبح في مرمى غضب حكومة بكين
الحكومة الصينية شنت حملة واسعة ضد شركات التكنولوجيا وعلى رأسها “علي بابا” لتحجيم نفوذها وإخضاعها للسيطرة
الملياردير “وانغ” يمتلك حوالي 11% من الشركة الكبرى وهي تعادل 18.4 مليار دولار.. ومخاوف من تكرار مصير “جاك ما”
كل ما كلّفه الأمر هو نشر 28 حرفاً صينياً فقط على منصة وسائل تواصل اجتماعي مغمورة، لتثير جدلا هز أركان صناعة التكنولوجيا في الصين.
خسر “وانغ شينغ” الرئيس التنفيذي لشركة “ميتوان” (Meituan) نحو 2.5 مليار دولار من ثروته على مدار يومين بعد نشره لأبيات من قصيدة عمرها ألف عام حول المحاولات المضللة لأول إمبراطور صيني لسحق المعارضة.
لاحقاً، ألغى “وانغ”، وهو مهندس يتحدث الكلام البسيط عادة ويستمتع بالأدب الكلاسيكي، منشوره، وأوضح أنه كان يعني حقاً قِصر نظر صناعته، محاولاً توضيح عدم وجود انتقاد ضمني للحكومة، لكن الضرر قد وقع، حيث خسرت شركة “ميتوان” 26 مليار دولار على مدار يومين، وهي الخاسر الأكبر في هزيمة تقنية أوسع، قبل أن تتعافى بنسبة 4.3% يوم الأربعاء الماضي.
ويُبرِز رد الفعل المتطرف على منشور “وانغ” مدى هشاشة الأسواق بعد أشهر من شن بكين حملة ضد ركيزتي إمبراطورية الإنترنت التي يملكها “جاك ما”، وهما شركة “علي بابا” (Alibaba Group Holding Ltd) وشركة “آنت غروب” (Ant Group Co).
ورغم أن تصريحات “وانغ” كانت أكثر إيجازاً، إلا أنها ذكّرت بعض المستثمرين بتعليقات “ما” التي جاءت في توقيت غير مناسب في منتدى عام، والتي نسفت الطرح العام الأولي لأسهم شركة “آنت” بقيمة 35 مليار دولار قبل أن تُشعل حملة واسعة النطاق لكبح جماح زعماء الشركات الأقوياء والمنتقدين في البلاد.
مصير ميتوان
تركز معظم الجدل الناجم عن التكهنات عبر الإنترنت حول مصير “ميتوان”، و”وانغ”؛ حيث اختار المنظمون للتو عملاق اقتصاد العمل الحر ليكون موضوع تحقيقهم الرئيسي الثاني بعد تغريم “علي بابا” مبلغ 2.8 مليار دولار بسبب سلوك احتكاري مزعوم.
تثير القصيدة الذكريات، لكنها لم تقدم دليلاً قاطعاً على نوايا “وانغ” أو تفكيره. وجاء في جزء منها: “قبل أن يبرد الرماد، اندلع تمرد شرقي الجبال”. ومع ذلك، فإن توقيتها هو الذي قد يثير غضب المسؤولين الذين يدرسون بالفعل قضايا عديدة بدءاً من تعويضات ومزايا العمال وصولاً إلى التكتيكات التنافسية.
من جانبه، قال “بروك سيلفرز”، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة الأسهم الخاصة “كايوان كابيتال” (Kaiyuan Capital) في هونغ كونغ: “لم يكسب رضا المنظمين من خلال منشوره، والمشكلة هي أن بعض الجوانب المهمة لبيئة الأعمال انقلبت ضده الآن، وقد يكون لذلك تأثير طويل حتى بعد نسيان موضوع القصيدة”.
وبغض النظر عن دوافع “وانغ”، فإن المنظمين يضعون “ميتوان” تحت مجهرهم، حيث يُعدّ واحداً من حفنة من رواد الأعمال الذين يُعتبرون خلفاء رواد الصناعة مثل “ما”، وأعنف منافسيهم أيضاً، إذ جمع رجل الأعمال البالغ من العمر 42 عاماً رقماً قياسياً قدره 10 مليارات دولار في الشهر الماضي فقط لتطوير تقنيات واعدة من أجل قيادة توسع هائل في محلات البقالة عبر الإنترنت.
سيطرة بكين
ومازال “وانغ” يمتلك حوالي 11% من “ميتوان”، وهي حصة تبلغ قيمتها حوالي 18.4 مليار دولار حتى يوم الثلاثاء الماضي، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، ما يعني أن ثروته تقلصت بنحو 15 مليار دولار من ذروتها في فبراير حتى نهاية 11 مايو.
إضافة إلى ذلك أصدرت هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار في الصين على مدار الأشهر الستة الماضية عدداً كبيراً من القوانين التي تمنحها إشرافاً أكبر على مجال الإنترنت، مع توخي الحذر من تأثير شركات مثل “علي بابا” و “ميتوان” على العديد من جوانب الحياة الصينية.
ويقال إن بكين تستكشف طرقاً لزيادة تقييد سيطرتها على البيانات الشخصية والوسائط القيّمة، ومن بين عمالقة الإنترنت، ربما تكون “ميتوان”، وهي أكبر خدمة توصيل طعام في العالم، الشركة التي خضعت لأشد تدقيق عام خلال الجائحة.
وحتى قبل منشور “وانغ”، كانت وسائل الإعلام الحكومية قد نشرت بانتظام تقارير تصف محنة سائقي التوصيل في “ميتوان”، مما ساعد على تأجيج الغضب عبر الإنترنت، حيث أثارت وفاة العديد من موظفي التوصيل المندفعين للوفاء بالمواعيد النهائية اتهامات بالاستغلال وجدلاً حول معاملة الموظفين المتعاقدين في اقتصاد العمل الحر – مثلما حدث في الولايات المتحدة قبل سنوات.
انتقادات متصاعدة
وفي واحدة من أحدث الجهود، بث تلفزيون بكين فيلماً وثائقياً ظهر فيه أحد مسؤولي الضمان الاجتماعي كسائق توصيل، وبحسب ما ورد، فقد كسب 41 يواناً (6 دولارات) مقابل 12 ساعة من العمل، كما أخبر لاحقاً صحيفة “بكين نيوز” التابعة للحزب الشيوعي أن تجربته سلطت الضوء على المطالب غير المعقولة المفروضة على ملايين عمال التوصيل في جميع أنحاء البلاد الذين ساعدوا في إطعام الصين أثناء الجائحة. في حين ركّزت وسائل الإعلام الأخرى على انشغال الصناعة بتزايد عمليات توصيل البقالة بدلاً من تحفيز الابتكار.
واستجابة لذلك، تعهدت “ميتوان” بتحسين الرفاهية والفوائد بالإضافة إلى تعديل الخوارزميات للسماح بمزيد من الوقت للتسليم. ولكن يوم الثلاثاء الماضي، خفضت “بيرنشتاين” (Bernstein) السعر المستهدف للشركة بنسبة 21%، بحجة أن ارتفاع تكلفة الأجور وتغطية جيشها من العمال سيؤدي إلى تفاقم بيئة تنظيمية أكثر صرامة ويقوض النتيجة النهائية.
لم تتوقف الانتقادات عند الأعمال الأساسية لشركة “ميتوان”، حيث كان ذراعها التجاري المجتمعي من بين حفنة من المشغلين الذين عوقبوا في مارس بسبب الإعانات المفرطة، إلى جانب وحدات من شركة “بيندودو” (Pinduoduo Inc) و”ديدي تشوكسينغ” (Didi Chuxing) العملاقة في مجال خدمات طلب السيارات عبر الإنترنت.
في شهر يناير، أغلقت خدمة التأمين الصحي القائمة على التعهيد الجماعي بعد أن شدد المنظمون التدقيق على التأمين عبر الإنترنت، حتى أن مجلس المستهلكين في شنغهاي انتقد هذا الأسبوع “ميتوان” بسبب تعطل نظام استرداد الأموال والمحتوى المضلل على تطبيق الهاتف المحمول الخاص بها.
زلة مُكلفة
ما سيحدث بعد ذلك يظل موضوع نقاش محتدم؛ أما بالنسبة لـِ”ما”، وبعد فترة من السبات القسري، فإنه يعاود الظهور مرة أخرى في الأماكن العامة، في حين كان العديد من رفاقه حريصين في الأشهر الماضية على الحفاظ على ظهور متدني بسبب البيئة المتقلبة على وجه التحديد.
ويجعل هذا زلة “وانغ” الظاهرة أكثر إثارة للحيرة. فما هو واضح أن رائد الأعمال اختار واحدة من أولى إبداعاته وإخفاقاته اللاحقة لتكون منصته، وهي “فانفو” (Fanfou) الشبيهة بـ”تويتر”؛ التي تم تعليق خدماتها في عام 2009 لإخفاقها في مواكبة متطلبات الرقابة الحكومية، ولهذا قال “وانغ” في عام 2019 إنه قرر “القيام بشيء أقل إثارة للجدل”.
مع ذلك، ما زالت المنصة مفتوحة للمستخدمين الأصليين مثل “وانغ”، الذي دوّن تأملاته لسنوات حول كل شيء بدءاً من الأدب الغربي مروراً بالتوافه العشوائية، ووصولاً بالطبع إلى الشعر الصيني.
قال “غاري دوغان”، الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الأصول “غلوبل سي آي أو أوفيس” (Global CIO Office) في سنغافورة: “سواء كانوا يقصدون ذلك أم لا، فإن أي انتقاد ضمني لتنظيم صناعاتهم لن يكون مفيداً لهم أو لمساهميهم؛ حيث يأمل أي مستثمر في أسماء الأسهم الفردية في الصين في الوقت الحالي أن يقللوا من فلسفتهم على وسائل التواصل الاجتماعي حول المستقبل وأن يركزوا فقط على إدارة أعمالهم”.