التحليل المبكر لخيارات ترمب في الشرق الأوسط

سيبقي كل الأوراق بيديه حتى دخوله البيت الأبيض وعندها يقرر

وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية

ستسعى الأطراف الإقليمية على الأرض إلى تحقيق مكاسب عدة، لتستعملها بعد شهر واحد في المكتب البيضاوي.

مع أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب لم يدخل البيت الأبيض بعد، ولن يدخله قبل يناير (تشرين الثاني)، ومع أن اختياره لأعضاء إدارته بالكاد بدأ، علماً أن الرئيس المنتخب لا يتخذ القرارات التنفيذية قبل تثبيت رئاسته دستورياً في الشهر الأول، فالأسئلة أغرقت واشنطن تحت وابلها حول كل السياسات الجديدة وعلى رأسها السياسة الخارجية القادمة.

الجميع يتساءل عن الأولويات من أوكرانيا إلى تايوان فالحرب الإيرانية – الإسرائيلية، والحروب المتفرعة في غزة ولبنان والهلال الخصيب فاليمن. والجميع في أوروبا يتساءل عن مستقبل “الناتو” والاقتصاد العالمي إلى ما هناك من أزمات ومواجهات والفترة الانتقالية، والإدارة الانتقالية لا تزال في طفولتها، ومع ذلك لنحاول أن نستشرف الخطوط العريضة للسياسة الترمبية بالشرق الأوسط في بداية 2025.

في ما يتعلق بالحروب الإيرانية – الإسرائيلية يعلن الرئيس المنتخب نيته إنهاء تلك الحروب نهائياً، ولكن السؤال يبقى كيف؟ حيال غزة لا خيار إلا أن يترك ترمب لنتنياهو أن ينهي المرحلة العسكرية حتى بداية العام، لأنه لن يتسلم البيت الأبيض إلا في نهاية الشهر الاول. ولن يبقى أمام إدارته إلا أن تهندس توافقاً عربياً أميركياً على من سيدير القطاع، أي هل ستكون السلطة الفلسطينية القائمة، أم سلطة فلسطينية قائمة في غزة؟

على صعيد لبنان والمواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” سيفرض الوضع معادلة من إنتاج الوضع الميداني على الأرض، أي إلى حيث وصلت إسرائيل عملياً. ترمب يعتبر الحزب حالة إرهابية من ناحية، ولكنه يريد حلاً جذرياً لإنهاء الحروب في لبنان. والسؤال هنا: كيف؟ هناك مدرستان تحت أجنحة الرئيس المنتخب حالياً، مدرسة تهدف إلى إيجاد حل مبني على “اتفاق داخل لبنان” بين أنصار النظام الإيراني وتحالفات سياسية واسعة ينتهي بإعلان حكومة جديدة وتنفيذ القرار 1701.

ويرفع الملف إلى البيت الأبيض لاتخاذ القرار، وبالطبع هنالك الجناح المؤيد لإسرائيل وأكثرية في الكونغرس يدعمون العلاقة المميزة بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو، ويترجم ذلك بضغط إسرائيلي عبر قاعدتها الواسعة جداً على إدارة ترمب الآتية لتدعم تل أبيب في حملتها لإضعاف والضغط على “حزب الله” ليتراجع إلى شمال الليطاني، كيف سيتتطور الموقف الأميركي بعد تسلم ترمب؟ سنرى.

في ما يتعلق بإيران هناك أيضاً مقاربتان تحت سقف ترمب، الأول وهو يجمع الأكثرية في معسكره، يريد كسر هيمنة الحكم الخميني على المنطقة، وتجسد ذلك بقيام ترمب بتعيين ثلاثة مسؤولين كبار في 24 ساعة، معروفون بمواجهتهم للنظام في طهران وهم مقترحون لمناصب  مستشار الأمن القومي مايكل والتز، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وسفيرة الإدارة لدى الأمم المتحدة اليز ستيفانيك، ومعروفون أيضاً بصداقتهم لإسرائيل. إلا أنه تحت السقف نفسه هناك تيار آخر معروف “بالانعزاليين”، أي الذين يرفضون التدخل الأميركي الخارجي بصورة عامة وأي صورة من المواجهة مع إيران، وجماعاتها في المنطقة.

أهم رموز هذا التيار وأهم المؤثرين تاكر كارلسون الإعلامي الشعبي الكبير، وعضوة الكونغرس السابقة تولسي غابارد، والسيناتورين مايك لي و راند بول. ويحتل الانعزاليون موقعاً مقرباً من الرئيس المنتخب دونالد ترمب في مواجهة التقليديين المحافظين الذين يشكلون أكثرية في الكونغرس. ولكن في النهاية فإن ترمب هو الذي سيقرر الهوية السياسية لإدارته: هل ستضحي انعزالية أم تصادمية أم خليطاً من الاثنين؟

الرئيس المنتخب، ووصفناه “بترمب الثاني”، سيبقي كل الأوراق بيديه حتى دخوله البيت الأبيض، وعندها يقرر. إلا أن الأطراف على الأرض إقليمياً ستسعى إلى تحقيق مكاسب عدة، لتستعملها بعد شهر واحد في المكتب البيضاوي.

الجمهورية الإسلامية ومحورها ستسعى إلى المحافظة على ذاتها في صورة بقاء، وإسرائيل وأصدقاؤها سيسعون إلى فرض مكاسب تصرف على طاولة البيت الأبيض في بداية 2025، وكذلك بإمكان المعارضات للمحور والتحالف العربي أن يدفعوا بعجلاتهم إلى الأمام. ولكن “الرئيس الذهبي” هو الذي سيقرر موقف الإدارة الجديدة، ومعها جزء من مصير المنطقة والعالم.  

المقاله تعبر عن راي كاتبها