أميركا تنظم “الاشتباك” الإيراني – الإسرائيلي وتل أبيب تتفرغ للبنان وغزة
طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني
الطرفان يطمحان إلى إخضاع بعضهما بعضاً، لكن الواضح أن هناك من يضع حدوداً فيدير لعبتهما بميزان دقيق، والنتيجة استمرار إيران في القتال بأدواتها الإقليمية واسترسال إسرائيل في حربها على تلك الأدوات المفترضة في غزة ولبنان.
حروب المنطقة، وتحديداً في فلسطين ولبنان، مفتوحة على مصراعيها، إلا الحرب الإسرائيلية – الإيرانية التي يصر طرفاها والمعنيون بها على إبقائها محدودة وتحت السيطرة.
مع الرد الإسرائيلي فجر السبت الماضي على “الرد” الإيراني مطلع الشهر الجاري تأكدت هذه الحقيقة مرة أخرى: النظام العبري لا يريد حرباً حاسمة مع نظام الملالي، ونظام الملالي مستعد للتخلي عن شعاراته الفضفاضة في شأن زوال الكيان. هذا الكيان أصلاً لم يعد موجوداً، وهو إذ ضرب ضربته “المتفق عليها” إنما فعلها بوصفه “كياناً مزيفاً” على حد قول مقر الدفاع الجوي الإيراني.
الطرفان يطمحان إلى إخضاع بعضهما بعضاً، لكن الواضح أن هناك من يضع حدوداً فيدير لعبتهما بميزان دقيق، والنتيجة استمرار إيران في القتال بأدواتها الإقليمية واسترسال إسرائيل في حربها على تلك الأدوات المفترضة في غزة ولبنان.
عشية الهجوم الإسرائيلي الأخير فجر السبت الماضي على مواقع في الأهواز وطهران وإيلام، المناطق الغربية من إيران، بدا المرشد الإيراني علي خامنئي مطمئناً إلى حجم الهجوم وأثره المحتمل. لم يشر في آخر إطلالاته إلى التهديد الوشيك، وإنما تحدث إلى زواره عن “جهاد المقاومة وكبار قادتها مثل نصرالله والسنوار وكيف غير (ذلك الجهاد) مصير المنطقة”.
صحيفة المرشد المقربة “كيهان” انشغلت في الوقت عينه بالدعوة إلى إزالة الحدود بين إيران وسوريا (باعتبار أن الحدود مع العراق ملغاة أصلاً)، وذلك للحفاظ “على استقرار النظام”. في الآونة نفسها ارتفعت جدارية ضخمة في طهران كتب عليها بالفارسية والعبرية: “لن يتم إطلاق أي أسير”.
الاطمئنان الذي عكسته مواقف خامنئي وسلوك معاونيه كان وليد ما يقارب الشهر ونيف من التفاوض الأميركي – الإيراني والتنسيق الأميركي – الإسرائيلي. بدأت إيران مغازلة الولايات المتحدة على لسان الرئيس مسعود بزشكيان في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي وخلاله فيما كانت إسرائيل تمضي قدماً في تدمير “حزب الله” وتقضي على قيادته مثلما فعلت في غزة وتوجته بالقضاء على يحيى السنوار.
بذلت الولايات المتحدة جهوداً بارزة في ضبط الانفعالات الإسرائيلية ورسم حدود ضربتها التي هول بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى حد بدا معه وكأن الرئيس جو بايدن هو من حدد إطارها.
قال بايدن إنه على اطلاع بالتفاصيل قبل أن تتسرب المعلومات من داخل إدارته عن الخطط الإسرائيلية الطموحة للهجوم. ورأت صحيفة “هآرتس” في ذلك التسريب محاولة من المسرب (الأميركي)، “لتحييد إيران مسبقاً، والقول ما الذي سيحدث لهم”.
عملياً كان التسريب بمثابة تحذير مشترك للإيرانيين وللإسرائيليين للخضوع إلى حدود المسموح به ضمن رؤية الإدارة الأميركية لحجم الصراع وحساباته.
انضبط الطرفان تحت السقف المتاح. قالت “واشنطن بوست” إن تل أبيب “خططت لهجماتها بصورة تسمح للإيرانيين بإنكار الأضرار والخسائر لاحتواء التصعيد”، وكشف موقع “أكسيوس” عن أن “إسرائيل حضت إيران مسبقاً على الحد من تبادل الهجمات، وأوضحت لها مسبقاً ما الذي ستهاجمه وما لن تهاجمه بصورة عامة”.
موقع “DW” الألماني أوجز الصورة ناقلاً عن شون سافيت الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأميركي قوله إن “العملية الإسرائيلية بموجب القواعد الأساسية التي وضعها البيت الأبيض، كانت واسعة النطاق ومحددة الأهداف”، كاشفاً عن أن الهدف الأميركي من ذلك هو “تسريع المسار الدبلوماسي وخفض التصعيد في الشرق الأوسط”.
يناقض تحليل المسؤول الأميركي ما كان يطمح نتنياهو ومتطرفوه إلى تحقيقه. كان هؤلاء يعدون أن “الهدف الأساس لإسرائيل (بعد مصرع نصرالله والسنوار) هو الساحة الإيرانية، وبعد الهجوم على إيران، من الصائب أن تقترح إسرائيل إنهاء الحرب في الساحات التي تقبل مطالبها، غير أن تحقيق تلك الطموحات لا يبدو متاحاً، أو ربما مطلوباً، حتى الآن. فللولايات المتحدة حسابات عشية الانتخابات الرئاسية تجعلها تعارض حرباً إقليمية واسعة ضد إيران وتدفعها للتجربة مرة أخرى في خوض مفاوضات حول غزة في الدوحة، وفي محاولة إنجاز اتفاق في شأن معركة إسرائيل ضد (حزب الله)”.
من الواضح حتى الآن أنه في الحالتين دعمت أميركا وتدعم حرباً مفتوحة حتى استسلام حليفي إيران وهو ما تريده إسرائيل تماماً مقابل غزوتها المنسقة والمنضبطة ضد بلاد فارس، والسؤال هو ما الثمن الذي دفعته أو تريده أو حصلت عليه طهران؟
لقد كان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي واضحاً عندما قال بعد قليل من انتهاء هجوم قواته على مواقع إيرانية إن “إيران دفعت الثمن، والآن نحن نركز على أهداف الحرب في غزة ولبنان”، إذ تجبي إسرائيل أثماناً يدفعها ملايين اللبنانيين والفلسطينيين من أمنهم وسلامتهم، الأولون يكادون يفقدون بلادهم والفلسطينيون يعيدونها بسرعة الصواريخ الباليستية إلى كنف الاحتلال، فيما يبقى نظام الملالي على دوره العجائبي حارساً للشعارات.
المقاله تعبر عن راي كاتبها