العالم كله عاجز عن لي ذراع نتنياهو باعتباره العقبة أمام وقف النار وتبادل الرهائن والأسرى
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ما يقوم به الوسطاء الأميركيون والمصريون والقطريون هو مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة: صوغ نص تسوية يرى كل طرف فيها أنه حقق نصراً واضحاً.
حرب غزة أخطر من بقاء قرارها في أيدي القوى المصرة على الحلول القصوى. والهدنة فيها أهم من ترك ترتيبها لرؤساء الأجهزة الأمنية والفرق الفنية. فالتجارب أكدت، منذ الرفض العربي لقرار التقسيم عام 1947 ثم حرب 1948 وما بعدها من حروب، أن طريق الحل الجذري مسدود، سواء بالنسبة إلى تحرير فلسطين أو بالنسبة إلى إسرائيل الكبرى. وموازين القوى والمصالح الإقليمية والدولية قادت العواصم العربية والمتشددين في إسرائيل بزعامة مناحيم بيغن تلميذ زئيف فلاديمير جابوتنسكي الذي يتصرف بنيامين نتنياهو كأنه وريثه إلى التسليم بأن إدارة الصراع بالممكن من التسويات هي اللعبة الوحيدة في المدينة.
والجديد، بعد حقبة الحروب والتسويات العربية- الإسرائيلية، هو إمساك إيران بورقة الصراع مع إسرائيل فهي تقود “محور المقاومة” المؤلف من فصائل أيديولوجية من خارج شرعية الدول تحت شعار التحرير الكامل لفلسطين من البحر إلى النهر في مواجهة حكومة اليمين المتطرف جداً والذي يريد أيضاً كل فلسطين من البحر إلى النهر، لكن حسابات الموازين والمصالح تدفع نحو إدارة الصراع على الطريقة الإيرانية وعلى طريقة بنيامين نتنياهو. وكما في قواعد الاشتباك كذلك في قواعد الإدارة: خطوط حمر مطاطة قليلاً.
ولا أحد يصدق أن العالم كله، وفي طليعته أميركا، عاجز عن لي ذراع نتنياهو الذي تقول “حماس” وتعرف إدارة الرئيس جو بايدن، ويدرك الوسطاء، ويعترف وزير دفاعه يوآف غالانت بأن رئيس الحكومة هو العقبة أمام وقف النار وتبادل الرهائن والأسرى. فأميركا منخرطة في الجهود على المستوى الرئاسي وهي تمارس أقصى الضغوط الدبلوماسية التي لها أسنان ظاهرة في الحشد العسكري براً وبحراً وجواً، لكن المشكلة أن أسنان الدبلوماسية الأميركية تبدو معارة لنتنياهو. فما الذي يدفعه إلى التوقف عن عرقلة الصفقة إذا كانت أميركا تعلن يومياً أنها هنا للدفاع عن إسرائيل؟ وهل هو العقبة الوحيدة بسبب حساباته الشخصية والسياسية، بحيث يبدو خوفه من ضغوط بن غفير وسموتريتش وتهديدهما بإسقاط الحكومة أقوى من ضغوط المعارضة وأهالي المحتجزين وقادة الأجهزة الأمنية وكبار ضباط الجيش وكل عواصم العالم؟
المسألة معقدة جداً. فما فعلته عملية “طوفان الأقصى” إلى جانب زلزلة إسرائيل هو تعاظم قضية فلسطين والاهتمام بها في العالم على حساب السلطة الفلسطينية ومشروع الدولة. وما فعلته حرب غزة هو دفع الغرب الأميركي والأوروبي إلى إعادة الاعتبار إلى “حل الدولتين”، بالتالي قيام دولة فلسطينية هي شرط الاستقرار في الشرق الأوسط، لكن الوجه الآخر لما فعلته العملية هو انضمام الوسطيين والليبراليين إلى اليمين الوطني والديني واليمين المتطرف جداً في رفض دولة فلسطينية بحجة الخشية من أن تكون أو تصبح مثل “دولة حماس” في غزة.
وما يقوم به الوسطاء الأميركيون والمصريون والقطريون هو مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة: صوغ نص تسوية يرى كل طرف فيها أنه حقق نصراً واضحاً. إسرائيل تدعي أنها قضت على معظم الألوية في “حماس” وأنهت قدرتها على حكم غزة. و”حماس” تعلن أنها أفشلت تحقيق أهداف نتنياهو على يد الجيش خلال عشرة أشهر من المقاومة، بالتالي انتصارها وبقاء قدرتها على الحكم والمقاومة وهزيمة إسرائيل. وما يعمل له الوسطاء هو ترتيب تنازلات متبادلة في حرب لا رابح خلالها من أجل وقف النار وحماية المدنيين وتقديم المساعدات وبدء إعادة الإعمار في قطاع دمرت إسرائيل 90 في المئة من عمرانه وبنيته التحتية.
وحرب الاستنزاف الدائرة حالياً في غزة وعلى جبهات “الإسناد” ضمن “وحدة الساحات” الميليشياوية بقيادة إيران ليست أقل خطورة من الحرب الإقليمية. فهي لا تؤدي إلى أفق تفتحه الحرب الإقليمية. وهي نوع من تبادل التدمير ثم العودة إلى ما كان قبل القتال: وقف نار وإعادة إعمار واستعداد لجولة أخرى من القتال. لا تغيير خرائط، ولا إعادة تشكيل المنطقة، ولا حتى صفقة كبيرة بين أميركا وإيران يكثر الحديث عنها بمقدار ما يصعب تحقيقها عشية انتخابات رئاسية أميركية، بعد انتخابات رئاسية إيرانية يعرف الجميع أنها لا تقدم ولا تؤخر لأن القرار في يد المرشد الأعلى.
مهما يكن، فإن الشيء الوحيد الذي تلتقي عليه القوى الإقليمية والدولية، وسط خلافاتها وتضارب مصالحها، هو الحيلولة دون الانزلاق عبر التصعيد إلى حرب شاملة. وكل شيء يبقى تحت سقف الحرص على تجنب الحرب الشاملة. رد إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في عاصمتها طهران. ورد “حزب الله” على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر وهما ردان مفصولان عن التوصل إلى هدنة في غزة كما عن الاستمرار في حرب الاستنزاف.
والمعادلات واضحة: الفشل في تحقيق الهدنة في غزة لن يقود إلى حرب شاملة. والنجاح في تحقيق الهدنة التي توقف حرب غزة وحروب الإسناد عبر “وحدة الساحات” لن يقود إلى تسوية في الصراع مع إسرائيل، ولا إلى تسوية أوسع. أليس ما يصر عليه نتنياهو هو مطالبة الإدارة الأميركية بضمان خطي يسمح له بمعاودة الحرب على غزة إذا تعثر تنفيذ التسوية في المرحلة الثانية؟ أليس أهم ما يقلق جدعون ساعر الذي أراد نتنياهو تسليمه وزارة الدفاع بعد إقالة غالانت هو “سد الثغرة” التي فتحتها “حماس” بعملية “طوفان الأقصى” في “جدار جابوتنسكي الحديدي”؟
ما يضاعف الأخطار التي نحن فيها حالياً هو اللايقين بالنسبة إلى الأجوبة عن أسئلة مصيرية: الى أين في الحرب؟ إلى أين بعد الحرب؟ وأين الشرق الأوسط اليوم وغداً على خريطة الصراعات الجيوسياسية والاستراتيجية؟
المقاله تعبر عن راتي كاتبها
اندبندنت عربيه