ألطاف موتي
سوق السيارات الكهربائية، المعروف بإمكانيات نموه الهائلة، يواجه تحديات جيوسياسية واقتصادية معقدة. تقف الصين في طليعة هذا القطاع، متصدرة الإنتاج والمبيعات العالمية. ومع ذلك، تحول هذا التقدم إلى نقطة خلاف بين بكين وكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين فرضا رسوماً جمركية باهظة على السيارات الكهربائية الصينية. تثير هذه الإجراءات أسئلة جوهرية حول دوافعها وتداعياتها المحتملة.
في جوهر هذا النزاع تكمن اتهامات بالمنافسة غير المتكافئة. تزعم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن الصناعة الصينية تستفيد من دعم حكومي كبير يشوه آليات السوق. هذه الإعانات، التي تتنوع بين المساعدات المالية المباشرة ودعم تكاليف المواد الخام كالليثيوم، بالإضافة إلى تمويل البحث والتطوير، تمكّن الشركات الصينية من تقديم منتجات بأسعار تنافسية في الأسواق الخارجية.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرون أن هذا الدعم يخلق ميزة غير عادلة تهدد صناعاتهما الناشئة في مجال السيارات الكهربائية. مثلاً، صرحت نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، مارغريت فيستاجر، بأن السيارات الصينية تحظى بدعم يمتد “من المناجم إلى موانئ الاتحاد الأوروبي”، مما يوفر لها فرصاً غير متكافئة. بالمثل، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن على الضرر الاقتصادي الذي قد يلحق بالصناعة الأمريكية جراء هذه المنافسة.
حماية الأحلام الغربية المحلية
بعيداً عن المخاوف الاقتصادية، هناك بعد استراتيجي لحروب الرسوم الجمركية. ومن خلال حماية الشركات المحلية من المنافسة الصينية الأرخص، يأملون في خلق بيئة مواتية للنمو والابتكار. يتماشى هذا الطموح مع أهداف السياسة الصناعية الأوسع نطاقاً لخلق فرص العمل، وتعزيز التقدم التكنولوجي، وضمان القدرة التنافسية المستقبلية في قطاع المركبات الكهربائية.
الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لديها خطط طموحة لكهربة قطاع النقل لديها وتستثمر بكثافة في بناء سلسلة توريد محلية قوية للسيارات الكهربائية. كما حدد الاتحاد الأوروبي أيضاً استراتيجية “الصفقة الخضراء”، التي تهدف إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وإن صناعة السيارات الكهربائية المحلية المزدهرة تشكل أهمية بالغة لتحقيق هذه الأهداف.
التداعيات.. شبكة معقدة من العواقب
إن فرض الرسوم الجمركية يمثل خطوة معقدة وذات تبعات تمتد إلى آفاق بعيدة. لنستعرض بعضاً من أبرز التأثيرات المحتملة التي قد تترتب على هذا القرار:
أولاً، ارتفاع الأسعار للمستهلكين: من المتوقع أن تؤدي التعريفات المفروضة إلى زيادة في أسعار المنتجات للمستهلكين، سواء في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. هذا الارتفاع قد يُسهم في خفض حماس المستهلكين نحو شراء السيارات الكهربائية، مما قد يُعيق بشكل مباشر نمو السوق المُخصص لهذه النوعية من السيارات.
ثانياً، تعطل سلاسل التوريد: تشغل الصين دوراً حيوياً في سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية، وقد تُحدث حرب تجارية شاملة اضطرابات كبيرة في هذه السلاسل، والتي غالباً ما تعتمد على مكونات من متعدد البلدان. هذا التعطيل قد ينجم عنه تقلص في الإنتاج وارتفاع في أسعار المنتجات للمستهلكين حول العالم، ما يُعيق بدوره التحول العالمي نحو استخدام المركبات الكهربائية، التكنولوجيا الأساسية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
ثالثاً، تصاعد التوترات: من الممكن أن تؤدي الحرب التجارية إلى تعميق التوترات السياسية والاقتصادية القائمة بين الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي والصين. هذا الصراع قد يسفر عن إجراءات انتقامية وفرض رسوم جمركية متبادلة، مما يُسهم في تدهور العلاقات التجارية العالمية ويزيد من حدة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
رابعاً، تباطؤ الابتكار: يمكن أن تؤدي الأسواق المقيدة والمنافسة المحدودة إلى تعطيل الابتكار في قطاع السيارات الكهربائية. ففي غياب الضغط الناجم عن المنافسة مع البدائل الصينية ذات التكلفة المنخفضة، قد تجد الشركات المحلية للسيارات الكهربائية نفسها أقل حافزاً للابتكار وتحسين التكنولوجيا وكفاءة التكلفة. هذا التباطؤ يُمكن أن يحد من قدرتها على تطوير حلول متقدمة ومنافسة، مما يؤثر سلباً على التقدم العام في هذا القطاع الحيوي.
حرب تجارية على عجلات
أثار إعلان فرض رسوم ثقيلة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مخاوف من حرب تجارية تركز على السيارات الكهربائية. والانتقام الصيني هو احتمال حقيقي، إذ هددت بكين بالرد بفرض رسوم جمركية تعويضية على الواردات من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يمكن أن تستهدف هذه مجموعة من القطاعات بما في ذلك الزراعة والطيران والسلع الكمالية. وقد يؤدي هذا النهج المتبادل إلى تصعيد التوترات وتعطيل العلاقات التجارية بين هذه القوى الاقتصادية الكبرى. لا يزال مستقبل حرب التجارة في قطاع السيارات الكهربائية مليئاً بالغموض. وعلى الرغم من تعبير كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن استعدادهما للتفاوض مع الصين بهدف حل قضية الدعم، يبقى الوصول إلى حل يُرضي جميع الأطراف تحدياً كبيراً، إذ تواصل الصين نفيها الشديد لارتكاب أي تجاوزات.
عربي بوست