علاء الدين السيد
في نفس الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرباً ضروساً على قطاع غزة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، تدور معركة أخرى شديدة الضراوة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة، إنها معركة السردية، ومحاولة تسويق كل طرف لروايته للعالم.
الجمهور المستهدف من هذه المعركة هو الجمهور الغربي، وتحديداً الجمهور في الولايات المتحدة وأوروبا؛ إذ يسعى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين لتقديم سردية مختلفة للوضع وتسويق موقف كل طرف والدفاع عن تلك السردية بكل شكل ممكن، في محاولة لجذب جمهور أكبر، وبالتالي تشكيل رأي عام يصب في صالحه.
من هنا كان حديث داليا مجاهد، الباحثة الأمريكية المسلمة، والمستشارة السابقة في المجلس الاستشاري للأديان التابع للبيض الأبيض، والذي أنشأه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كهيئة استشارية له من ممثلي 25 طائفة وشخصية، في منتدى الشرق الشبابي السابع، الذي استضافته مدينة إسطنبول يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
داليا مجاهد قدّمت مجموعة من النصائح حول كيفية تقديم السردية الخاصة بالقضية الفلسطينية بطريقة تؤثر وتلهم وتقنع الجمهور الغربي، وتجعله أكثر تعاطفاً مع تلك القضية المحورة، مشيرة إلى ضرورة استخدام أصواتنا لنقدم سردية ورواية مختلفة.
وقالت مجاهد “التحدث من أفضل أنواع الجهاد. هذا ليس مجرد صراع، هذا المسجد الأقصى الذي نتحدث عنه. هذه هي الأرض المقدسة، القبلة الأولى والمسجد الثاني على الأرض، وهو أرض البعث والميعاد”.
القضية الفلسطينية.. سردية مختلفة تلائم الجمهور الغربي
ذكرت داليا مجاهد في كلمتها خلال منتدى الشرق الشبابي أنه يجب أن نفهم أن هذه السرديات المتنافسة ليست بين الشرق والغرب فحسب، لكنها موجودة في كل مجتمع من مجتمعاتنا. فالمهم ألا نفترض أن الجميع في الغرب يفكرون في نفس الأمر، وأنهم على موقف واحد، لأنهم ليسوا كذلك.
وذكرت مجاهد إحصائية مهمة تتعلق بالجمهور المستهدف في الغرب، إذ يمكن تقسيم هذا الجمهور إلى 3 مجموعات:
– أولئك الذين يوالون القضية الفلسطينية والفلسطينيين (حوالي 10% من الناس في الغرب).
– أولئك الذين هم على الحياد (25% من الناس في الغرب).
– أولئك الذين يوالون لإسرائيل (65%).
وذكرت مجاهد أن الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة ازداد منذ 7 أكتوبر، وهذا يظهر قوة السرديات. وبالتالي، يجب أن نتحدث مع الناس بلغة يفهمونها، ونعرف من أين هم وما هي خلفيتهم.
وأشارت أيضاً إلى نقطة مهمة تتعلق بكون دعم الفلسطينيين يتماشى مع الإسلاموفوبيا. فالسرديات الموالية لإسرائيل ليست مختلفة عن الإسلاموفوبيا، والإسلاموفوبيا صنع جزئياً كسردية مناهضة لفلسطين.
نصائح لتقديم السردية الفلسطينية للجمهور الغربي
تنصح داليا مجاهد العرب بالتركيز على الجمهور الغربي الذي لا يرتبط بشكل ديني بالصهيونية، وهم معظم الغربيين. لأن معظم الغربيين ليسوا دينيين لدرجة تجعلهم يلتزمون بدعم إسرائيل بشكل حقيقي. هم قد يتعاطفون مع إسرائيل بسبب السردية التي وصلتهم، لكنه ليس التزاماً روحياً بالدعم.
ولأن الأمر هنا لا يتعلق بما نقوله ولكن بما يسمعه الآخرون، قدمت داليا مجاهد نصائح عملية من أجل مناصرة الفلسطينيين، ولكيفية التحدث مع الغرب بطريقة تمكننا من إقناعهم.
1- التعاطف مع القيم البشرية
النصيحة الأولى بسيطة جداً، يجب أن تبدأ بالتعاطف مع البشرية بشكل عام. إذا كنت لا تهتم برفاهية وأمان كل شخص حول العالم، فستفقد جمهورك المستهدف. يجب أن تبدأ بما هو حقيقي في ديننا وإيماننا، وهو أن نتعاطف مع كل القيم الإنسانية.
ومن المهم القيام ببناء قيم مشتركة، فالفلسطينيون أيضاً يريدون الأمان والحرية ومستقبل أفضل لأولادهم.
2- إسرائيل مختلفة
هذا الأمر مهم جداً. يجب أن تؤكد في سرديتك على فكرة أن إسرائيل مختلفة عن الولايات المتحدة وعن الغرب. على عكس الولايات المتحدة، فإن الإسرائيليين يقومون بتصنيف البشر إلى مجموعتين الأولى تضم اليهود الإسرائيليين، والثانية تضم المسلمين والمسيحيين الإسرائيليين.
هذا التصنيف يحدث في كل جانب من جوانب الحياة، من الوظائف والأعمال وصولاً أماكن المنازل التي يستطيع سكان إسرائيل امتلاكها. هذا أمر يختلف عن القيم الأمريكية والغربية التي لا تفرق ولا تميز بين مواطنيها طبقاً لدين أو عرق.
هنا عليك أن تقول للجمهور المستهدف “فكروا، إذا كان هذا التمييز يحدث لنفس الإسرائيليين، لكن من دين مختلف، فكيف يكون الحال بالنسبة لغير الإسرائيليين”.
3- وسائل التواصل الاجتماعي
يجب الاستمرار في التحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقوة تأثيرها. أحدث الإحصائيات تقول إن 85% من الفئة العمرية 65 عاماً فأكثر يدعمون إسرائيل في الولايات المتحدة، لكن النسبة تنخفض إلى 26% بالنسبة للفئة العمرية بين 18 و34 عاماً.
ما هو الفرق بين هاتين الفئتين العمريتين؟ الفرق أن الفئة العمرية الأصغر تحصل على الأخبار والمعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي كل ما تقوم به من تغريدات ومنشورات على فيسبوك ومواقع التواصل الأخرى له أهمية.
4- معاداة السامية
إياك أبداً أن تقع في فخ معاداة السامية عندما تتحدث عن فلسطين أو تدعمها. أولاً هذا شيء غير أخلاقي لأنه ضد ديننا، ولأن معاداة السامية هي ظاهرة غربية صدرت من الغرب وهي ليست جزءاً من تقاليدنا، حسبما قالد داليا مجاهد.
5- التعميم
لا تقم أبداً بالتعميم، فتتحدث عن اليهود بشكل عام، لأن هناك كثير من اليهود الموالين لفلسطين. ولأن هذا يقلل من نزاهتك في أعين الطرف الآخر.
قم بالتفرقة خلال حديثك بين الحكومة الإسرائيلية وبين شعبها، والأفضل أن تقول إن الإسرائيليين يستحقون حكومة لا تقتل الأطفال باسمهم.
6- هرمية الاحتياجات
عندما ننظر إلى هرم الاحتياجات، وهو ما يمثل تقسيماً لحاجات الإنسان طبقاً لأهميتها، فتكون الحاجات في القاع أهم من الحاجات في القمة، سنجد أن الأمان هو من ضمن الحاجات الموجودة في القاع، وبالتالي هي ذات أهمية عالية جداً، بينما قيم كالحرية تتواجد في الجزء العلوي.
إسرائيل تتحدث عن الأمن دائماً، وهي الحاجة الإنسانية الأكثر أساسية التي يحتاجها كل إنسان بعد الطعام والهواء. في المقابل، نحن نتحدث عن حاجات أخرى مثل حق تقرير المصير والحرية، وهي حاجات مهمة لكنها أقل من احتياج الأمان.
عندما نقول فلسطين حرة، فهذا شيء ملهم وجميل، لكنه أيضاً شيء مجرد جداً. عندما نضع الحرية التي تأتي في قمة الهرم مقابل الأمن الذي يأتي في قاع الهرم، فإن الجمهور المقابل سيميل لسردية الأمان.
هنا لابد من التركيز على فكرة الأمان، وكيف أن الفلسطينيين محرومون بالكامل من أمنهم، وللفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم أيضاً، وبالتالي نحتاج إلى التحدث أكثر عن أمن الفلسطينيين.
إذا قمنا بالفصل بين استقلالية الفلسطينيين وبين أمن الإسرائيليين فسنخسر السردية دوماً. وبالتالي لابد أن نتحد ونؤكد دوماً على فقدان الفلسطينيين للأمن وحاجتهم إليه.
من المهم كذلك معرفة أن الآخر سيعترف بك ويقدرك أكثر عند الاعتراف بأنه لا أحد كامل. وبالتالي يمكننا أن نقول “نعم في محاولتهم اليائسة لإنقاذ أطفالهم، يمكن أن يرتكب الفلسطينيون أخطاء”. هذا يزيد من مصداقية السردية.
7- تأييد حماس
ارفض أن تقوم بتأييد أو إدانة حماس، لأنك غير مسؤول عن أفعال حماس. هنا عليك الرد بسؤال عما إذا كان قتل الأطفال طبقاً لدينهم أو عرقهم يزعجك، وبالتالي فإن الطرف الآخر هو من يدين لي بالاعتذار عن ذلك.
يمكنكم إدانة – من حيث المبدأ – قتل غير المقاتلين أو المدنيين، ولكن المهم هنا أن تقول أنا لا أمول حماس، وهم بالتالي لا يردون علي، لكنكم كأمريكيين مثلاً تقومون بتمويل جيش الدفاع الإسرائيلي بمليارات الدولارات، وبالتالي هم من يجب أن يقوموا بالرد عليكم وعلى تساؤلاتكم.
8- ركز على الأطفال
اذكر أن غزة هي سجن مفتوح، والذي أصبح الآن مقبرة مفتوحة للأطفال. ركز على الضرر الذي يسببه العنف، اسأل باستنكار “متى كان العنف مفيداً ضد حماس؟ لكنه يؤثر سلباً على حياة الفلسطينيين”.
9- الحاجة إلى المساواة
تحدث عن الحاجة إلى المساواة، فالجمهور الغربي يعرف ما تعنيه كلمة “مساواة”. أخبرهم كيف أن الوضع غير متساو في هذه القضية. من المهم أن تركز على مدى عدم التناسب الذي عليه الوضع، بدءاً من القدرات العسكرية والموارد، وصولاً إلى ما يتعلق بعدد الأطفال الذين يتم قتلهم.
كذلك تحتاج إلى التركيز مصطلحات الصراع، لماذا نطلق عليها حرباً عندما تكون في الحقيقة إبادة جماعية، لماذا نطلق عليه صراعاً بينما ليس هناك طرفين متكافئين. وبالتالي استخدام الطرف الآخر مصطلحات لا تصف المشهد بدقة يعطي إحساساً خاطئاً بالمساواة والتكافؤ.
10- ركز على المستقبل
ركز على شكل المستقبل في حال نجاحنا. هذا أمر صعب، لأن كثير منا يريدون الحديث عن الماضي ونريد أن نعلم الجمهور الغربي حول الماضي. هذا الأمر يصلح عند إلقاء المحاضرات في الجامعات مثلاً، لكن إذا كان الأمر يتعلق بتغريدة أو بوست أو تعليق، فإن التحدث عن الماضي لن يصلح، لأن الجمهور الغربي ببساطة لا يفكر في الماضي. هم ينجذبون إلى أولئك الذين لديهم رؤية أكثر إلهاماً نحو المستقبل.
لذلك يجب أن نصف شكل المستقبل إذا ما نجحنا في الوصول إلى دولة فلسطينية مستقرة، حيث يلعب الأطفال اليهود والمسيحيون والمسلمون بأمان مع بعضهم البعض بشكل متساوٍ.
11- استقالات وتصريحات المسؤولين الغربيين
ركز على الأفعال الداعمة لبعض مسؤولي الحكومات الغربية. على سبيل المثال جوشوا بول الذي قضى عقوداً في الحكومة الأمريكية يراقب بيع الأسلحة وهو الشخص المعني بإيصال الأسلحة إسرائيل، استقال مؤخراً من منصبه في إدارة بايدن اعتراضاً على الدعم المطلق لإسرائيل.
هذه مثال قوي يمكن استخدامه للتدليل على “الإفلاس الأخلاقي لحكومة الولايات المتحدة” حتى أن مسؤولين داخلها يقدمون استقالاتهم.
12- إلهام المتحدث الغربي
الغربيون يحتاجون أن يتم إلهامهم لا أن يتعاطفوا فقط مع مجموعة ما. لهذا نرى عدداً كبيراً من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا في إسرائيل، الذين يمثلون مصدر إلهام للغربيين، لأن الشعوب الغربية تريد أن تكون بجوار الناجحين والمميزين والمبدعين.
لذلك تحدث عن المشاريع المميزة والملهمة للفلسطينيين. فالفلسطينيون ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أناس عندهم قدرة عالية على النجاة، رغم كل هذا الظلم الذي تعرضوا له. هم أيضاً رواد أعمال وأناس عندهم مشاريع ملهمة تستحق الحديث عنها، وبينهم شعراء وفنانون. تحدثوا عن الإنسانية الفلسطينية التي ظلت باقية رغم كل العنف والظلم الذي يعيشون فيه.