على اللبنانيين التمسك بالمرشح الرئاسي الذي يعترف “حزب الله” بأنه لا يستطيع إيصاله إلى القصر الجمهوري
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
في العالم العربي ومناطق أخرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية قاعدة عامة تؤكدها الاستثناءات “صاحب السلاح يريد السلطة السياسية في النهاية”، ولا فرق مهما تكن المبررات والشعارات المعلنة (تحرير فلسطين، والقضاء على الفساد، وإقامة وحدة عربية، وبناء نظام اشتراكي، وإقامة نظام جمهوري).
هذا ما فعلته الجيوش العربية بعد سنوات قليلة من الاستقلال والحكم المدني في سوريا والعراق ومصر وليبيا، وكذلك تونس والسودان والحكم الديني في اليمن، وما جرت محاولة فعله في الأردن والمغرب، وما نجت منه بلدان عدة.
لبنان كان بين الاستثناءات بسبب نظامه الطائفي وتركيبته الاجتماعية التعددية، وإن جرت محاولة انقلابية فاشلة قام بها أنصار الحزب السوري القومي وعدد قليل من ضباط الجيش، فضلاً عن الوقوع في حرب طويلة، لكن بيروت تواجه حالياً صاحب سلاح آخر غير الجيش يريد السلطة السياسية على مراحل وهو “حزب الله” الذي أسسته وتموله وتسلحه إيران.
في البدء كان الاحتلال الإسرائيلي للبنان وقيام المقاومة ضده، وما فعله الوصي السوري وحليفه الإيراني هو إقصاء المقاومة الوطنية اللبنانية المشكلة من أحزاب عابرة للطوائف، ووقف عملياتها ضد الاحتلال كي يستأثر “حزب الله” بقيادة “المقاومة الإسلامية”، وكذلك العمليات التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب إلى داخل “الخط الأزرق” عام 2000.
تحرير الأرض لم ينته كالعادة بواحد من أمرين إما حل المقاومة وتقديم سلاحها للدولة، أو أن تستولي المقاومة على السلطة بكاملها، لكن ما فعله “حزب الله” هو الاحتفاظ بالمقاومة والسلاح تحت عنوان “العمل لتحرير مزارع شبعا” المحتلة منذ عام 1967 التي تقول إسرائيل إنها كانت تحت السلطة السورية، وترفض دمشق تقديم مستند رسمي إلى الأمم المتحدة يؤكد أن المزارع لبنانية، ثم صار العنوان “الاستعداد لصد أي عدوان إسرائيلي على لبنان”، وفي هذا المسار بدأ دخول “حزب الله” في السلطة بالتدرج بعد الحصول على فتوى تجيز المشاركة في “سلطة غير إسلامية” بالمعنى الفقهي.
وتحت عنوان “حماية لبنان من إسرائيل” تتابعت العناوين والمراحل، ففي المرحلة الأولى كان الإصرار على تكريس الشرعية الرسمية للمقاومة الإسلامية بالحرص على تضمين البيانات الوزارية تعبير ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، وقبل ذلك كان عنوان “حماية السلاح بالسلاح” عبر هجوم “حزب الله” على بيروت والجبل، وما تبعه من مساع أعطت “الثنائي الشيعي” المؤلف من “حزب الله” و”حركة أمل” عدداً من المكاسب السياسية في السلطة بينها تكريس “الثلث المعطل” في تأليف الحكومات وتولي وزير شيعي حقيبة المال، وكذلك ما يطرحه “حزب الله” في الاستحقاق الرئاسي هو تسمية مرشح “لا يطعن المقاومة في الظهر”، وإن أدى الفراغ إلى طعن لبنان في الصدر.
الترجمة العملية لذلك هي عنوان “حماية المقاومة بالسلطة”، أي أن المقاومة التي تحمي لبنان تحتاج إلى السلطة لحمايتها، فضلاً عن تكريس الدور الإقليمي للمقاومة في حرب سوريا وحرب اليمن وأزمة العراق وقضية فلسطين، أما العنوان أو الهدف الأبعد فإنه “كل السلطة للمقاومة”، لكن مشكلة “حزب الله” أن الاستيلاء على السلطة رسمياً ليس مناسباً له في المرحلة الحالية لأسباب مالية واقتصادية واجتماعية وجيوسياسية، ولا هو قليل المخاطر ولا هو نهاية بل بداية لحرب أهلية.
التحدي الإقليمي أمامه هو إما خوض حرب مع إسرائيل أو تفاهم على هدنة طويلة، وليس أي منهما في مصلحته حالياً، والبديل هو الهيمنة الكاملة على السلطة من دون توليها رسمياً، بحيث تكون رئاسة الجمهورية والبرلمان، وكذلك الحكومة والحقائب الوزارية المهمة والمناصب الإدارية الحساسة تحت السيطرة بأسماء ورموز شكلية.
من هنا التمسك بالمرشح الذي يعترف “حزب الله” بأنه لا يستطيع إيصاله إلى القصر الجمهوري، فالفراغ يضمن له الهيمنة على السلطة، إن لم يستطع ملأه بمن يقدر على تحريكهم ويعملون لضمان هيمنته، والأخطر هو ربط الهيمنة على السلطة في لبنان بمشروع إقليمي تقوده إيران ويواجه تحديات محلية وإقليمية ودولية هائلة.