تعتبر رواية ورش عن نافع للقرآن الكريم ثاني أشهر قراءة في العالم الإسلامي بعد رواية حفص، وقد بقيت متصدرة المرتبة الأولى لقرون عديدة في مصر وبلاد المغرب إلى أن استبدلها العثمانيون في مصر بقراءة حفص التي تعتبر أنها أكثر سهولة. فما قصة هذا الشيخ المصري ولماذا بات يعرف في جميع أنحاء العالم الإسلامي باسم “ورش”؟
من هو ورش بن نافع؟
على الرغم من أن هذا الإمام الجليل يعرف في جميع أنحاء العالم الإسلامي باسم “ورش بن نافع” إلا أن اسمه الحقيقي عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان ويكنى بأبي سعيد. أما عن قصة اسم “ورش” فهو لقب منحه إياه معلمه الإمام نافع بن أبي نعيم إذ لقبه بـ”ورشان” وهو نوع من الحمام البري عذب الصوت، فكان يقول له: “هات يا ورشان! واقرأ يا ورشان! وأين الورشان؟” ثم خفف الاسم لاحقاً إلى “ورش”، وقيل أن سبب هذا اللقب هو بياض عثمان بن سعيد، فالورش هو شيء يصنع من اللبن.
وبغض النظر عن سبب التسمية، فقد لزمه هذا اللقب طول حياته وبات لا يعرف إلا به، وكان من أحب الألقاب إليه نظراً لأن أستاذه هو من أطلقه عليه، ومن الواضح أيضاً أنه كان يجل أستاذه الإمام نافع إجلالاً كبيراً حتى أنه كنى نفسه باسمه، فصار يعرف بالشيخ “ورش بن نافع”.
ويذكر أن ورش ارتحل إلى المدينة المنورة خصيصاً للقاء الإمام نافع، حيث مكث هناك شهراً واحداً تلى خلاله العديد من الختمات على مسامع الإمام نافع.
حياة ورش بن نافع ووفاته
ولد ورش بن نافع في مصر عام 110 هجرية (728 ميلادي)، وتحديداً في واحدة من حارات قفط جنوب محافظة قنا بالصعيد، وكان “القفطي” هو أحد ألقابه نسبة إلى مدينته، كما لقب بـ”العوامي” حيث أن أحد أجداده كان من موالي الزبير بن العوام.
عاش ورش بن نافع فقيرًا في قفط، وكان يبيع رءوس الماشية هناك، ونسبة إلى هذا العمل كان يلقب كذلك بـ”الرواس”.
حين تعلم بن نافع قراءات القرآن شد رحاله إلى الفسطاط واستقر هناك فترة من الزمن إذ كان يجمع التلاميذ حوله في جامع عمرو بن العاص ليعلمهم التلاوة.
وقد كان من بين تلامذته أبو الربيع المهري وأحمد بن صالح ويونس بن عبد الأعلى وداود بن أبي طيبة ويوسف الأزرق أبو يعقوب، وعبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم، ، وعامر بن سعيد أبو الأشعث الجرشي، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المكي وغيرهم.
أما معلموه فكان أشهرهم الإمام نافع بن أبي نعيم، والإمام إسماعيل القسط وأبو عمر التميمي وحفص الكوفي صاحب القراءة الشهيرة.
ويذكر أن ورش بن نافع كان يعتبر شيخ القراء في مصر وقد تميز بصوته العذب وقراءته الحسنة وكان من الثقات في القراءة وممن يحتج بهم في ذلك الزمان وحتى يومنا هذا، حتى أنه تولى “رئاسة الإقراء في الأراضي المصرية”.
وقد توفي الشيخ ورش بن نافع في مصر عن عمر يناهز سبع وثمانين سنة عام 197هـ، ودفن في مدافن الإمام الشافعي بسفح المقطم.
قراءة ورش بن نافع
اكتسب ورش شهرته في العالم الإسلامي بسبب قراءته التي نقلها عن شيخه نافع، لتصبح الرواية الأكثر انتشاراً في شمال أفريقيا، وغربها، وفي الأندلس. فباتت شائعة في تونس، والجزائر، والمغرب وموريتانيا، والسِنِغال، وليبيا، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا وغيرها. وقد بقيت قراءته الأكثر شهرة في مصر عدة قرون إلى أن دخلها العثمانيون عام 1517، حيث عمم العثمانيون قراءة حفص التي تميزت بأنها أكثر سهولة وسلاسة، لتصبح القراءة الأكثر انتشاراً منذ ذلك الحين.
واليوم، تحتل قراءة ورش المرتبة الثانية في العالم الإسلامي بعد رواية حفص عن عاصم.
ومن خصائص قراءة ورش، تخفيف همزة القطع، وإمالة الألف إلى الياء في أواخر بعض الكلمات.