لا يواجه اللاعبون المسلمون في الدوريات الأوروبية لكرة القدم أزمات ومشاكل أكثر مما يحدث في الدوري الفرنسي، الذي تحول إلى بيئة “معادية” لهم، وقد بدا ذلك واضحاً خلال الموسم الحالي على وجه الخصوص.
وما بين صيام شهر رمضان المبارك، وحملات دعم “المثليين”، بدأت المواقف المتباينة تطفو على السطح وبشكل واضح.
معاناة اللاعبين المسلمين في الدوري الفرنسي
بدأت تفاصيل القصة في اليوم الأخير من شهر مارس/آذار 2023، يومها أمرت لجنة الحكام الفيدرالية التابعة للاتحاد الفرنسي لكرة القدم حكامها بعدم إيقاف المباريات، التي يتزامن وقتها مع موعد أذان المغرب، ورفضت بشكل قاطع منح اللاعبين المسلمين ولو دقيقة واحدة من أجل كسر صيامهم في شهر رمضان المبارك.
مسؤولو الكرة الفرنسية وفي مقدمتهم إريك بورغيني، رئيس لجنة الحكام، برّر هذا القرار بأن كرة القدم يجب أن تكون على الحياد من القضايا الأخرى.
وشدد البيان الصادر في ذلك الوقت، وأبرزته شبكة rmcsports الفرنسية على وجوب منع “الإشارة أو التلميح بخطاب يحمل طبيعة سياسية أو أيديولوجية أو دينية، لوائحنا الأساسية تنص على أن ملعب كرة القدم ليس ساحة للتعبير عن أفكار دينية أو سياسية، ملاعبنا أماكن تلتزم الحياد والمساواة والأخوة، واحترام الحكم، واحترام النفس والآخرين”.
ومن أجل قطع الطريق على أي حكم قد يتعاطف أو يتساهل مع اللاعبين المسلمين، هدد الاتحاد الفرنسي بفرض عقوبات قاسية، قد تصل إلى اتخاذ إجراءات “تأديبية أو جنائية”.
ما صدر عن الاتحاد الفرنسي جاء بعد أيام قليلة من موقف مغاير تماماً اُتخذ من نظيره الإنجليزي، الذي طالب الحكام بإيقاف المباريات كي يتسنى للاعبين المسلمين الصائمين شرب الماء أو المواد الهلامية أو المكملات الغذائية.
وكان بإمكان الفرنسيين تجاهل هذا الموضوع من الأساس، كما فعل مسؤولو الدوري في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، الذين لم يصدر عنهم أي موقف.
قرار أثار الغضب
وأثار الموقف الفرنسي جدلاً وغضباً واسعين، ولاقى انتقادات من لاعبين فرنسيين سابقين وحاليين، حتى الجمهور كان له رأي مغاير.
أول من انتقد القرار كان الدولي الفرنسي لوكاس ديني، لاعب أستون فيلا، حيث كتب عبر خاصية “الستوري” بحسابه الرسمي في “إنستغرام”: “في عام 2023 يمكننا إيقاف المباراة لمدة 20 دقيقة من أجل مراجعة قرارات الحكام، ولكن يُمنع ذلك لمدة دقيقة واحدة من أجل شرب الماء!”.
وحملت جماهير باريس سان جيرمان قبل مباراة فريقها ضد ليون في الجولة 29 من “الليغ ون”، لافتة كبيرة كتبت فيها: “تمرة وكوب من الماء، كابوس الاتحاد الفرنسي”.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل وصلت إلى استبعاد اللاعبين المسلمين من خوض المباريات بسبب تمسكهم بالصيام، ورفض الإفطار في يوم المباراة.
وهذا ما حدث مع الجزائري خوان حجام، ظهير نانت، الذي وجد نفسه خارج مباراة فريقه ضد ريمس ضمن الجولة الـ29 من الدوري الفرنسي يوم 2 أبريل/نيسان 2023، بقرار من مدربه أنطوان كومباوريه، لأنه تمسك بقرار الصيام.
وأثارت هذه الخطوة حفيظة الدولي الفرنسي المعتزل سمير نصري، الذي أكد أن هذه القضايا لم تكن موجودة في الفترة التي قضاها في الملاعب.
وتساءل نصري حسب موقع footmercato الفرنسي: “لماذا يجب على المدرب أن يعرف إذا ما كنت أصوم في رمضان أم لا؟!، لقد أصبح هذا موضع جدال في فرنسا، الطبيعي ألا يحدث ذلك، الدين يجب أن يبقى شأناً خاصاً”.
وأضاف: “لماذا تسألون اللاعب إن كان صائماً أم لا، قبل 20 سنة لم نكن نتحدث عن رمضان، إذا كان اللاعب ليس في مستواه خلال المباراة تقوم باستبداله، هذه كل القصة”.
وختم نصري: “لا أحد لديه الإجابة عن ذلك أفضل من كريم بنزيمة ومحمد صلاح، فهما يتألقان أكثر في رمضان”.
جولة دعم المثليين كشفت المستور
أما أحدث فصول هذه القصة، والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن فرنسا غير راضية عن التزام اللاعبين بصيام شهر رمضان، هو ما أثارته صحيفة lequipe الفرنسية حول طلب اتحاد اللعبة من كيليان مبابي، نجم باريس سان جيرمان، والقائد الجديد لمنتخب فرنسا الأول، بالتدخل لمنع لاعبي منتخب “الديوك” تحت 21 عاماً من الصيام.
مبابي رد على ذلك مطالباً الصحيفة بعدم الزجّ باسمه في هذه الأزمة، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.
ونشر مبابي تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، كتب فيها: “أرجو عدم إدراج اسمي في مثل هذه المعلومات، كما أطلب التحقق جيداً من مصادركم قبل نشر الادعاءات، طاب مساؤكم”.
وبعد حوالي شهر ونصف من موقف الاتحاد الفرنسي من صيام رمضان، عاد الجدل ليطل برأسه مع انطلاق مباريات الجولة الخامسة والثلاثين من “الليغ ون”، المخصصة لدعم “المثليين”.
ويُلزم مسؤولو “الليغ ون” الأندية في هذه الجولة بارتداء قمصان كُتب على ظهورها أرقام اللاعبين بألوان قوس قزح الذي يرمز “للمثليين”.
الجولة التي بدأت يوم 12 مايو/أيار 2023 بمباراة لانس وستاد ريمس، وانتهت يوم الأحد 14 من الشهر نفسه بلقاء أنجيه ومارسيليا، غاب أو غُيّب الشعار المزعوم بأن الملاعب “ليست ساحة للتعبير عن أفكار دينية أو سياسية”، الأمر الذي دفع بالعديد من اللاعبين المسلمين إلى رفض اللعب.
وطلب لاعبو تولوز، وعلى رأسهم المغربي زكريا أبو خلال، الجزائري فارس شعيبي، الفرنسي موسى ديارا، الهولندي سعيد هاموليتش، ولوغان كوستا من الرأس الأخضر، من إدارة النادي عدم المشاركة ضد نانت، لإمكانية ارتباط أسمائهم بدعم هذه الحملة، وفق موقع ladepeche الفرنسي.
لكن إدارة النادي نجحت في إقناع شعيبي وكوستا بالعدول عن قرارهما، فيما اُستبعد البقية من المباراة، وفق ما أكد بيان تولوز، المنشور على الموقع الإلكتروني الرسمي للنادي.
وجاء في البيان: “على الرغم من احترامه للمعتقدات الشخصية للاعبه، إلا أننا رأينا في إدارة النادي وبعد نقاش مطول استبعاد اللاعبين من خوض المباراة ضد نانت في ملعب تولوز”.
مصطفى محمد رفض المشاركة
ومن جانب نانت رفض المصري مصطفى محمد المشاركة في هذه المباراة، وبقي في الفندق ولم يتوجه إلى الملعب مع زملائه وفق صحيفة lequipe الفرنسية.
ولم تمر مواقف اللاعبين المسلمين بهدوء، بل أثارت حفيظة بعض المسؤولين الفرنسيين، حيث طالبوا بفرض عقوبات عليهم، ومن بينهم وزيرة الرياضة أميلي أوديا-كاستيرا.
وأبرزت صحيفة Le Parisien تصريحات الوزيرة الفرنسية التي جاء فيها: “أشعر بالأسف إزاء ما حدث”، وادّعت: “نحن نعيش في بلد دائماً ما يشجع على احترام حقوق الإنسان”.
وتابعت: “يجب على الأندية أن تجري حواراً مع لاعبيها، وبعد ذلك تتخذ إجراءات ضدهم”.
مباشرة بعد هذه التصريحات، أعلن نانت أنه عاقب مهاجمه المصري مصطفى محمد مالياً، وليس رياضياً.
وقال النادي في بيانه: “رفض مهاجم نانت مصطفى محمد المشاركة في المباراة ضد تولوز لأسباب شخصية في الوقت الذي يقاتل فيه النادي من أجل تجنب الهبوط الى الدرجة الثانية. وبالتالي قرر مجلس الإدارة معاقبته مادياً”، دون الكشف عن قيمة الغرامة.
من جهته، برر مصطفى محمد قرار عدم مشاركته في تلك المباراة، ببيان مطول نشره باللغة الفرنسية، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
وكتب: “لم أشارك في مباراة تولوز ونانت، لا أريد إطلاقاً الدخول في جدال، لكن عليّ أن أوضح موقفي، احترام الاختلاف يعني احترام الآخرين واحترام الذات واحترام ما سأقوله الآن، مجدداً أنا أحترم كل الاختلافات وأحترم جميع المعتقدات والقناعات”.
وواصل: “هذا الاحترام يمتد إلى الآخرين ويشمل أيضاً احترام معتقداتي الشخصية، ونظراً لجذوري وثقافتي وأهمية قناعاتي ومعتقداتي، لم يكن من الممكن أن أشارك في هذه المباراة”.
وأتم: “آمل أن يتم احترام قراري، وكذلك رغبتي في عدم الدخول في جدال حول هذا الأمر، وأن يُعامل الجميع باحترام”.
إدريسا غاي فضل مغادرة فرنسا
وكان السنغالي إدريسا غاي، لاعب باريس سان جيرمان السابق وإيفرتون الحالي، أول من رفض دعم “المثليين” في فرنسا، وقرر عدم المشاركة في مباراة البي إس جي ضد مونبلييه يوم 14 مايو/أيار 2022، وهو موقف تكرر للموسم الثاني على التوالي.
وعلى الرغم من تأكيد ماوريسيو بوكيتينو، مدرب باريس في ذلك الوقت، غياب غاي لأسباب “شخصية”، إلا أن تقارير فرنسية كشفت السر بأن ذلك يعود لرفض اللاعب دعم “المثليين”.
وتعرّض غاي للضغوط كبيرة، حيث طالبه مجلس الأخلاق الوطني التابع لاتحاد الكرة الفرنسي، الذي لا يتمتع بصلاحيات تأديبية، بتحديد موقفه بشكل علني.
لكن غاي حظي بدعم عربي وإسلامي كبيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى رئيس بلاده ماكي سال، الذي قدّم له دعماً مطلقاً، حيث كتب عبر تويتر: “أدعم إدريسا غانا غاي، قناعاته الدينية يجب أن تُحترم”.