صعود “الكمالية” وهبوط “الأردوغانية”


الاحتمالات مفتوحة في الجولة الثانية لتحالفات جديدة يمكن أن تقرر نتائج الانتخابات

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

تركيا بدت في الانتخابات الرئاسية والنيابية كأنها “تركيتان”، واحدة حمراء في الشرق والغرب، وأخرى صفراء في الوسط والشمال. حزب “العدالة والتنمية” بزعامة مؤسسه رجب طيب أردوغان والأحزاب المتحالفة معه هي على الصعيد الاجتماعي، “حزب الريف” حيث خزان الأناضول البشري، وحزب “الشعب الجمهوري” الذي أسسه مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك ويتولى زعامته حالياً كمال كليتشدار أوغلو، والأحزاب الحليفة هي على الصعيد الاجتماعي أيضاً “حزب المدن” حيث الثروة والقوة في إسطنبول وأنقرة وأزمير وسواها.

أردوغان الذي لا يزال في السلطة منذ عام 2003 رئيساً للوزراء ثم رئيساً للجمهورية في نظام برلماني ثم رئاسي بعد استفتاء على تعديل الدستور، عمل ولا يزال للتخلص من “الكمالية” العلمانية لبناء “الأردوغانية” الإسلامية ضمن صيغة “العثمانية الجديدة”، وكليتشدار أوغلو المرشح المنافس لأردوغان يريد أن يثبت أن “الكمالية” متجذرة في تركيا و”الأردوغانية” ظاهرة عابرة.

واحد يريد العودة إلى أرطغرل والسلاجقة والاحتفال بالذكرى الألفية لمعركة ملاذ كرب بقيادة ألب أرسلان ضد البيزنطيين، والذكرى الـ600 لفتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، وآخر يتطلع إلى المستقبل و”الحلم الأوروبي” والديمقراطية والمساواة في المواطنة بين الأتراك السنة والأتراك العلويين والأتراك الكرد، ويقرر مع حلفائه العودة إلى النظام البرلماني المعزز بدل النظام الرئاسي السلطوي.

كان سلاح أردوغان منذ البدء خيار “الحلم الإسلامي” مع نجم الدين أربكان ثم الداعية غولن وزلزال 1999، الذي استخدمه للهجوم على الطبقة الحاكمة واتهامها بالفساد والتقصير، فضلاً عن القفز على عمل رفيقه السابق وخصمه الحالي علي باباجان الذي صنع معجزة الازدهار الاقتصادي. وكان بين العوامل التي راهن عليها كليتشدار أوغلو في التنافس مع أردوغان سلطوية الرئيس وفساد أسرته وأقاربه وقمع الحريات الإعلامية والركود الاقتصادي بعد الازدهار والتقصير في معالجة ذيول الزلزال الأخير. لا بل إن علي باباجان رفع في أحد المهرجانات ورقة الـ200 ليرة وقال “كانت تساوي 135 دولاراً، وهي تساوي اليوم 10 دولارات”.

لكن أردوغان لم يخسر، هو خسر بالمعنى الاستراتيجي عندما فشل في الفوز من الدورة الأولى كما كانت العادة، ومجرد اضطراره لخوض جولة ثانية مع “كمال بيك” يعني أن عرشه يهتز بالفعل، حتى إذا فاز في الدورة الثانية، وهذا ليس مؤكداً، فإنه يدرك أن اللعبة شارفت على النهاية، وحتى إذا خسر كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة، فإنه رابح، هو أثبت أن مرشحاً علمانياً من أسرة علوية في بلد 70 في المئة من أهله سنة و20 في المئة علويون يمكن أن ينافس أردوغان الذي يستخدم الخطاب الإسلامي ويعتبر الكرد “إرهابيين” ويقلل من مكانة العلويين ويتشدد في التضييق على ممارستهم العبادية.

والاحتمالات مفتوحة في الجولة الثانية لتحالفات جديدة يمكن أن تقرر النتائج، ولا أحد يعرف مدى التأثير الخارجي في الانتخابات، لكن الروس والإيرانيين والإخوان وبلدان عربية قليلة هواها إخواني، هم في طليعة المتحمسين لأردوغان والعاملين لنجاحه، أما أميركا وأوروبا وبلدان عربية متنورة، فإنها ضاقت ذرعاً بألعاب أردوغان وتنقله السريع بين الصداقة والعداء ودعمه للإخوان و”داعش” و”القاعدة”، وهي تتحمس وتعمل لنجاح “كمال بيك”. وليس أمراً قليل الدلالات أن يعيد كليتشدار أوغلو التذكير بشعار أتاتورك “سلام في الوطن، سلام مع العالم”.