تحديات اتفاق بكين ومرحلة ما بعده


المسألة في البداية والنهاية هي مستقبل المنطقة لجهة الأمن والأمان والاستقرار والتنمية الاقتصادية

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

التحديات ليست عادية أمام طهران في مرحلة ما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية وضمانة صينية. وما أكثر الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة. إلى أي حد تلتزم طهران “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” للدول العربية؟ ماذا عن مشروعها الإقليمي الواسع الذي عملت له على مدى أربعين عاماً ضمن ما تسميها “حكومة العالم” التي تتجاوز استعادة الإمبراطورية الأخمينية القديمة عبر الحكومة الإسلامية الخمينية؟ ماذا عن النفوذ الذي حققته والرأسمال البشري الذي جمعته والميليشيات المسلحة التي تموّلها وتسلّحها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان؟ وماذا عن الاتفاق النووي الذي يتصوّر الغرب أنه يضع قيوداً على إنتاج سلاح نووي؟

الواضح، حتى إشعار آخر، أن إيران تتشدد في الداخل بحيث تعتقل لا فقط المعارضين المتظاهرين بل المثقفين المطالبين باستفتاء على النظام ودستوره، وتعمل على تمتين دورها الخارجي لجهة “التوجه شرقاً” كما في رعاية ما بنته في العالم العربي.

ومع اللغة المرنة التي تستخدمها وزارة الخارجية، ترتفع اللغة الخشنة على ألسنة المسؤولين في الحرس الثوري. قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قآني يقول إن “القدس ليست هدفاً نهائياً بل هدف وسط. وقد نفذنا جزءاً من الانتقام لدماء الحاج قاسم بطرد القوات الأميركية في المنطقة، وسنتابع الانتقام”. أما الرئيس إبراهيم رئيسي فإنه يرى “أن وجود إيران في المنطقة يضمن الأمن الإقليمي، ووجود القوات الأجنبية يهدده. رسالتنا إلى القوات الأميركية هي: غادروا المنطقة على وجه السرعة. ونحن نحمي الشعوب المسلحة، ولن نتركها في الظروف الصعبة”.

والواضح أيضاً أن عودة أميركا إلى الاتفاق النووي ليست على الطاولة. ولا فرق سواء أوحت إدارة بايدن أن الاتفاق “في موت سريري”، أو فقدت طهران الاهتمام بالاتفاق، وإن ظلت وزارة الخارجية تتحدث عن عروض أميركية عبر طرف ثالث. فالاتفاق بين الـ 5 + 1 وإيران بدا عملياً في تصرف طهران بعد انسحاب الرئيس دونالد ترمب منه كأنه اتفاق أميركي – إيراني بشكل أساسي. وإلا لماذا ردت إيران على الخروج الأميركي بخرق كثير من بنود الاتفاق لجهة تخصيب اليورانيوم والرقابة الدولية من دون أن تضع في الاعتبار بقاء فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين ملتزمة الاتفاق، ومن دون رد فعل تلك الدول.

ولا أحد يصدق أن إدارة بايدن تتوب عن أحلام العودة إلى الاتفاق، لا سيما عبر أحاديث مفاوضها روبرت مالي. لكن سوزان مالوني نائبة رئيس معهد بروكنغن ومديرة برنامج السياسة الخارجية فيه تتحدث عن “خطة باء لاحتواء الجمهورية الإسلامية”، وهي ترى أن “جهود بايدن للعودة إلى الاتفاق تلقت ثلاث ضربات: تقديم المسيّرات إلى روسيا، الحركة الشعبية الداخلية بعد مقتل مهسا أميني، وبدء حرب أوكرانيا”. والنتيجة في رأيها أنه “لا مجال لصفقة تريح إيران. وعلى الإدارة الاعتراف بأن الاتفاق النووي لا يمكن إعادته إلى وضعه السابق. فهي لم تراجع التفكير في سياسة تجاه إيران. لكن غياب البديل لا يعني أن الموجود ممكن”.

بايدن يكرر القول إنه لن يسمح لإيران بحيازة سلاح نووي. ورئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي يعلن “أن إسرائيل قادرة ومستعدة لشن هجوم استباقي على إيران حتى من دون مساعدة الولايات المتحدة”. غير أن الكل يعرف أمرين: أولهما ما من خيار عسكري ناجح وما من خيار دبلوماسي ناجح. وثانيهما أن طهران لم تدفع كل هذه الأثمان وتتحمل كل هذه العقوبات لو لم تكن تريد حيازة سلاح نووي تعرف أنها ستصل إليه باتفاق ومن دون اتفاق. والمسألة في البداية والنهاية هي مستقبل المنطقة لجهة الأمن والأمان والاستقرار والتنمية الاقتصادية. وهذا هو الرهان على اتفاق بكين”، وسط كل التحديات.