تطبيقات الذكاء الاصطناعي تخوض معارك التنافس


“تشات جي بي تي” الأكثر تكاملا وهناك نقاط ضعف وقوة لكل من “بينغ” و”بارد” و”كوبايلوت” و”سيري” و”دال أي 2″

كارين اليان ضاهر صحافية لبنانية @eliane_carine

بعد أن كان الذكاء الاصطناعي حاضراً في الخيال العلمي فقط في السنوات التي مضت، ها هو اليوم يشكل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، بكل ما له من أدوات. حتى اليوم، لا يزال الجدل قائماً بين المؤيد لوجوده في حياتنا، لما له من فوائد في مختلف المجالات، وبين من يحذر من مخاطره المحتملة أحياناً، معتبرين أنه قد يشكل عدواً للبشرية في حال فقدان السيطرة عليه أو في حال سوء استخدامه. منذ عام 2018، حصلت نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي مع تسارع انتشاره وتزايد استخدامه في قطاعات مختلفة. أصبح عندها يشكل أداة رئيسة يمكن الاعتماد عليها في أي مجال كان، وإن كان مصطلح الذكاء الاصطناعي قد استخدم أولاً في عام 1956 في كلية دارتموث في ولاية هانوفر الأميركية مع باحثين أميركيين. حينها، كانت ولادة الذكاء الاصطناعي كعلم حقيقي في ورشة عمل بعنوان “مشروع دارتموث البحثي حول الذكاء الاصطناعي” للبحث عن وسائل تسمح للآلة بمحاكاة الذكاء البشري. شيئاً فشيئاً حقق الذكاء الاصطناعي انتشاراً واسعاً وأسهم في إحداث تغيير في العالم طوال السنوات الماضية. أما اليوم فيبدو وكأن العالم يتخذ شكلاً جديداً بوجود الذكاء الاصطناعي، بعد أن غيرت تطبيقاته كثيراً في الحياة الحديثة. فما أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي التي تؤدي اليوم مهام معقدة كانت تتطلب في الماضي تدخل الإنسان؟

أدوات الذكاء الاصطناعي بالآلاف

يرتبط مفهوم الذكاء الاصطناعي بعنصرين أساسيين، أولهما حجم البيانات وإمكانية تخزينها لسنوات، ما يسمح بالعودة إليها في أي وقت من الأوقات. أما الثاني فهو القدرة على معالجة عدد كبير من معلومات والبيانات في وقت قصير بحيث يوفر الذكاء الاصطناعي مزيداً من الكفاءة والسرعة في العمل، هذا ما يشكل الجزء الأساسي الذي تعمل على أساسه خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بحسب الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولان أبي نجم. ويميز بين نوعين من أدوات الذكاء الاصطناعي تلك التي توضع في خانة تعليمات If-Else حيث تكون الإجابة عن سؤال المطروح على أداة الذكاء الاصطناعي، والثانية تدخل في إطار الـGenerative AI أو الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يضم الأدوات التي تنشئ أصواتاً، وصوراً، وفيديوهات، ونصوصاً. هي تنشئ ما ليس موجوداً، بما في ذلك الشخصيات والأصوات التي يمكن تزويرها حتى.

قد يتخطى عدد أدوات الذكاء الاصطناعي الـ3500. إنما يبدو واضحاً أن تلك الأكثر انتشاراً حالياً هي:

-“تشات جي بي تي” هو حديث العالم حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي. فيأتي على رأس قائمة أدوات الذكاء الاصطناعي لجهة الانتشار. استثمرت فيه شركة “مايكروسوفت” بأكثر من 10 مليارات دولار وقد صنعته شركة “Open AI” المالكة كنموذج لغوي يستخدم للتفاعل مع الإنسان بطريقة تحاكي الذكاء والحوار البشريين. ويعتبر من أهم التطورات في عالم الذكاء الاصطناعي حالياً لقدرته على الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه، فيتحدث مع الإنسان وكأنه كائن بشري عالي الذكاء. من خلال “تشات جي بي تي” يمكن حل مسائل رياضية وكتابة نصوص أو ملخص وإنجاز واجبات مدرسية. باختصار، يشكل نقلة نوعية في عالم الدردشة الإلكترونية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وقد استطاع روبوت “تشات جي بي تي” أن يجذب ما لا يقل عن مليون مستخدم خلال أسبوع من إطلاقه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

-“بينغ” محرك بحث أطلقت شركة “مايكروسوفت” في العام الحالي إصداراً جديداً محدثاً منه كتقنية ذكاء الاصطناعي. ومن أبرز ميزاته قدرته على التحدث والإجابة بطريقة طبيعية وواضحة، إضافة إلى قدرته على تحليل المحتوى، وعلى توليد محتوى إبداعي كالشعر والقصص والأغاني. هذا، إضافة إلى إمكانية طرح الأسئلة المعقدة والحصول على إجابات مفصلة عليها. ومن خلاله يمكن الانتقال إلى موقع معين والحصول على المعلومات من مصادر مختلفة، كما يوضح أبي نجم.

-“كوبايلوت” مساعد ذكي لمستخدمي برامج “أوفيس” أو تطبيقات Microsoft 365. يعتمد على الجيل الجديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي استناداً إلى النماذج اللغوية المتطورة التي يعتمد عليها نظام “تشات جي بي تي”. فيساعد المستخدم على إنتاج محتوى وقراءة رسالة بريد إلكترونية وتلخيصها مع توفير الرد الأفضل بالأسلوب المناسب بحسب الجهة المرسل إليها. يتولى هذه المهمة بدلاً من الإنسان مجيباً بالأسلوب الأفضل، كما يمكن لبرنامج “كوبايلوت” المساعد إنشاء العروض التقديمية أو مستندات أخرى، أياً كان نوعها. قد يساعد المستخدم أيضاً على تلخيص المحتوى والرسائل وتحليل البيانات في برنامج “إكسل” أو غيره من البرامج. علماً أن مساعد “مايكروسوفت” الذكي هذا، يعتمد على نموذج الذكاء الاصطناعي اللغوي “جي بي تي 4” من “أوبن أي آي”. قد يعتمد المستخدم على مقترحات “كوبايلوت” أو يستغني عنها، كما يمكن أن يطلب إحداث تعديلات مختلفة في إنتاج المحتوى من رسائل، ومستندات أو في حفظ ملاحظات أو في الاستفسار عن أمر ما، أو طلب معلومات. وذلك، عبر أي من البرامج المتاحة مثل “تيمز” و”أوتلوك” و”وورد” و”باوربوينت” و”إكسل”.

-“بارد” روبوت دردشة متاح بشكل محدود لبعض المستخدمين الذين هم فوق سن 18 سنة وفي دول محدودة، كما بالنسبة إلى “كوبايلوت”، وذلك بعكس “تشات جي بي تي” الذي يحظى بشعبية واسعة. أطلقته “غوغل” بعد أشهر قليلة من برنامج “تشات جي بي تي” كمنافس له، إلا أنه في الواقع أقرب إلى محرك بحث تقليدي كمحرك “غوغل” ويستطيع المستخدم من خلاله الحصول على المعلومات على الإنترنت بفضل خاصية Google it التي زود بها. علماً أن “بارد” يستعين بنموذج لغة سابق من غوغل هو “لامدا”.

-“سيري” تطبيق لشركة “أبل” يعمل كمساعد شخصي ذكي وكمتصفح معرفي على نظام IOS. يعتمد على اللغة الطبيعية للرد على الأسئلة ويقدم توصيات وينفذ إجراءات عبر تحويل الطلبات إلى خدمات الإنترنت المختلفة. يتميز هذا التطبيق الذي يعتبر من الأكثر شيوعاً، بالقدرة على التكيف مع تفضيلات المستخدم وعلى تقديم نتائج شخصية وتنفيذ مهام معينة تطلب منه كالعثور على موقع معين أو الحصول على اتجاهات أو إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل نصية، والرد على الأسئلة، وتقديم اقتراحات باستخدام الإرشادات الصوتية.

-“دال أي 2” تطبيق جديد متخصص في مجال الصور حيث يظهر قدرة على إنشاء صور عالية الجودة لكل ما يمكن وصفه له، وذلك بأساليب متعددة. تتطلب إنجاز هذه التقنية نحو عامين جرى تدريبه خلالهما باستعمال ملايين الصور من شبكة الإنترنت. وعلى رغم وجود عديد من برامج الرسم المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتميز هذا التطبيق بالقدرة على إنشاء صور اعتماداً على أوصاف تعطى له. مع الإشارة إلى أنه يعتمد في ذلك على شبكة عصبية من الذكاء الاصطناعي، وقد طورته شركة تابعة لـ”أوبن آي أي”. أما الأخطاء في الصور التي كان يقدمها في إصداره الأولى، فقد زالت في إصداره الثاني بعد التطور الواضح الذي سمح بتقديم نتائج رائعة.

يصعب تفضيل أي أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي أو التحدث عن تفوق أحدها على أخرى، بحسب أبي نجم. فكل منها متخصص في مجال معين. إنما مما لا شك فيه أن “تشات جي بي تي” قد يكون الأكثر تكاملاً وفق ما تبين حتى اللحظة.