“رسالة الإمام” مسلسل غارق في الانتقادات… والإشادات أيضا


حقق انتشاراً وجماهيرية واتهامات السرقة تلاحق صناعه ومتخصصون يلقون باللوم على آفة “الاستعجال”


حقق انتشاراً وجماهيرية واتهامات السرقة تلاحق صناعه ومتخصصون يلقون باللوم على آفة “الاستعجال”

حميدة أبو هميلة كاتبة

حتى قبيل انطلاق الموسم الرمضاني، كانت المسلسلات ذات السند التاريخي هي الأكثر انتظاراً وربما ترصداً، على الأغلب لأن بعضها يحمل صبغة دينية.

جرت العادة أن التناول الدرامي لأية حقبة لن يرضي كل الأطراف مهما حدث، وصناع تلك الأعمال دوماً يواجهون انتقادات شتى بعضها يكون له ما يدعمه وبعضها نابع فقط من اعتناق نظرية المؤامرة، ومنها كذلك ما يكون غرضه التشويه فقط حتى من دون المشاهدة.

مع الأيام الأولى لانطلاق الموسم الرمضاني 2023 كان مسلسلا “رسالة الإمام” و”سره الباتع” هما الأكثر رواجاً في تلك الناحية، وذلك بعد غياب مسلسل “معاوية” عن السباق في ظروف غامضة بيد أنه كان قد حصد مقدماً نصيباً ضخماً من الهجوم والتربص فور أن تم إعلان بدء تصويره.

على الصعيد المصري بالتحديد، استقبل الجمهور والنقاد عرض عملين ضخمين ينتميان لفئة الأعمال التاريخية بالتفاؤل الحذر، لا سيما أنهما يأتيان بعد غياب ملحوظ لتلك النوعية ذات الإنتاج الكبير على مدار فترة ليست قصيرة.

وعلى ما يبدو أن هذا القلق خلق حالاً من “التصيد” على قدر الانتظار التي اختلطت بتوجهات بعضها سياسي وبعضها ديني، وقليل منها فني، لكن جرت العادة أن الهنات في الأعمال ذات الطابع التاريخي يتم تضخيمها والتركيز عليها يكون بلا هوادة، لذا فأبعاد المهمة كانت واضحة للغاية لدى صناعها قبل أن يقدموا عليها.

كما أن “آفة” ضيق الوقت والبدء بتحضيرات مسلسلات رمضان بشكل متأخر نسبياً التي تصيب الوسط الفني كل موسم هي على الأغلب لا تلائم طبيعة الأعمال التاريخية شديدة التعقيد على أكثر من مستوى، بينها التدقيق اللفظي واللغوي وصولاً إلى الملابس وما هو أكثر.

التقول على الإمام الشافعي

تفاصيل لم تكن مفاجئة للصناع، بل هي معروفة وراسخة، بالتالي فتبرير أي تقصير لا يكون مقنعاً أو مبرراً في أحيان كثيرة، أحدث أزمة هنا بطلها مسلسل “رسالة الإمام” الذي يتناول رحلة الإمام الشافعي إلى مصر واختلاطه بأهلها.

وعلى رغم أن العمل جذب الأنظار منذ حلقاته الأولى وحقق شعبية وتم تداول كثير من مقاطعه مع الإشادة بأداء بطله خالد النبوي، الذي انتشرت فيديوهاته وهو يلقي بأشعار الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي المولود في فلسطين عام 767 الذي فارق الحياة بمصر عام 820.

لكن تلك الأبيات الشعرية تحديداً مثلما تسببت في تماهي الجمهور مع الشخصية وأسهمت أيضاً في تعريف شريحة أكبر بما أنتجه ثالث أئمة المسلمين عند أهل السنة، إلا أنها كذلك كانت مدخلاً لفخ كبير أثار الجدل ولا تزال أصداءه تتردد.

الإمام2.jpg

جرت العادة أن الهنات في الأعمال ذات الطابع التاريخي يتم تضخيمها والتركيز عليها يكون بلا هوادة (مواقع التواصل) 

الشاعر السوري حذيفة العرجي اتهم صناع العمل بشكل مباشر بسرقة إبداعه الشعري ونسبه للإمام الشافعي، وحدد على وجه الخصوص بيتين شعريين جاءا في الحلقات الأولى للعمل على لسان البطل وهما:

“وتضيق دنيانا فنحسب أننا/ سنموت يأساً أو نموت نحيبا… وإذا بلطف الله يهطل فجأة/ يربي من اليبس الفتات قلوبا”.

وقال العرجي عبر “تغريدة” له أن البيتين شهيران ولطالما نسبا للإمام بالفعل، لكنه على مدار أكثر من عشر سنوات يصحح هذا الخطأ الشائع، ولم يكن يتوقع أن يقع فيه فريق المسلسل، بل اتهمهم بالجهل وبأن تفصيلاً بسيطاً مثل هذا فات عليهم، لا سيما أن الديوان الشعري المعروف للإمام الشافعي لا يتضمن هذه الكلمات.

وأكد العرجي أنه باشر بالإجراءات القانونية بالفعل لتحريك دعوى تعويض للحصول على حقوقه من المحكمة الاقتصادية في مصر، حيث يقوم حالياً بتجهيز التوكيل الرسمي حتى يكون لدى المحامي خلال أيام قليلة، فيما لم تتواصل معه جهة إنتاج العمل بعد اشتعال الأزمة.

رداً على التشكيك

على جانب آخر قابل بعضهم هجوم الشاعر حذيفة العرجي بالتشكيك في ملكيته الفكرية للأبيات الشعرية بخاصة أنه لم يضمها إلى أية مطبوعة تحمل اسمه على مدى كل تلك السنوات، كما أنها نسبت للإمام الشافعي في أكثر من مقالة بوسائل إعلام عربية مرموقة منذ سنوات، كما تداول بعضهم تعليقاً منسوباً إليه يؤكد من خلاله أنه يتحدى أي شخص يأتي برابط لتلك الأبيات يعود تاريخه لما قبل 17/12/2014 لتأكيد أنه هو أول من نشرها في هذا التوقيت بالضبط، في حين أن هناك روابط تعود لسنة 2012 تتضمن تلك الأبيات.

وبحسب ما أوضح حذيفة العرجي لـ”اندبندنت عربية” فإن هذا التعليق المتداول له صحيح بالفعل وتابع “هذا تعليقي وهو غير مزور، وهذا أحد التواريخ التي نشرت بها، فأنا أنشر البيتين كل عام”، مشيراً إلى أن تاريخ النشر الأول كان في 16/10/2013، واصفاً بأن أية صور متداولة بتواريخ أخرى مفبركة ولا تعود لروابط حقيقية”.

العرجي الذي لديه خمسة دواوين شعرية لم يضمن في أي منها الأبيات محل الصراع، لكنه شدد على أنه كان من المقرر طباعتها في ديوانه المقبل.

بيان غاضب

وفي حين سارع المدقق والمراجع اللغوي للمسلسل أحمد عمار بإصدار بيان يتبرأ فيه من هذا الخطأ بل يصفه بالفضيحة، وقال: “بكل وضوح، أعتذر عن هذا الخطأ الكبير بقدر كبره، على رغم أني لست المسؤول الأول على الأقل عنه”، وأبدى انزعاجه من نطق بعض الأبطال في المسلسل للغة العربية الفصحى بشكل غير سليم، حيث يتضمن حوارهم بعض “الهنات” كما سماها.

لكن في المقابل فضل بقية فريق العمل التزام الصمت أمام تلك العاصفة كما لم تبادر الشركة المنتجة “ميديا هب” بإصدار بيان يوضح موقفها من توالي الانتقادات، واكتفت بوضع تنويه جديد بشكل واضح بداية من الحلقة السادسة يقول “المسلسل رؤية درامية مستوحاة من أحداث تاريخية وبعض أحداث وشخصيات العمل من وحي خيال المؤلف للضرورة الدرامية”، وذلك بعد اتهامات بعدم دقة روايته التاريخية في ما يتعلق على سبيل المثال بجدل فتوى الإمام بشأن “خلق القرآن” وبتوقيت لقائه ببعض الشخصيات، أما في ما يخص حديث بعض الأبطال بالعامية المصرية فقد رده صناع العمل إلى أنها رؤية درامية بحتة حيث يتحدث بها بعض الأبطال توافقاً مع أصولهم القبطية المصرية.

فريق مصري – سوري

المسلسل الذي يشرف على السيناريو الخاص به المصري محمد هشام عبية ويخرجه السوري الليث حجو، ويشارك في بطولته ممثلون من مختلف الدول العربية على رأسها مصر وسوريا أيضاً، يشارك في كتابته سبعة مؤلفين من مصر وسوريا، إضافة إلى خمسة كتاب شاركوا في تطوير الشخصيات، وربما هذا الكم سبب أدعى لتفريق دم خطأ الأبيات الشعرية وغيرها بين القبائل، لكن لا تزال التساؤلات حاضرة، فكيف يتزين التيتر (المقدمة) بعشرات المراجع التي جرت الاستعانة بها في أثناء التحضير للوصول إلى أكبر قدر من الدقة ثم في النهاية يتم الوقوع في خطأ عدم نسب الأبيات لقائلها الصحيح، وكأن المراجع هنا استعان بموقع “غوغل” للتثبت من المعلومة التي ثبت خطأها.

 الأمر يذكر بالأزمة التي وقعت فيها الفنانة كارول سماحة حينما طرحت قبل أسابيع أغنية “انتهت الحرب” ونسبتها للشاعر الفلسطيني محمود درويش لترد مؤسسته ببيان شديد اللهجة وتطالب بحذف اسم الشعر الراحل من الأغنية نظراً إلى أن الأبيات التي غنتها المطربة اللبنانية ليست من شعره أبداً، لكنها نسبت له خطأ بفعل الصفحات المزيفة التي يمتلئ بها فضاء مواقع التواصل الاجتماعي.

وعن واقعة البيت الشعري المعاصر المنسوب خطأ للشافعي، يعتبر الناقد الفني إيهاب التركي أنه من ضمن السلبيات المحبطة، لكنه كذلك يؤكد أن التعلم من الأخطاء مهم، مشيراً إلى أنه لا يتوقف كثيراً أمام أخطاء قد تمر على المشاهد غير المتخصص في تفاصيل تتعلق بالحقب الزمنية القديمة بقدر ما يتوقف أمام تقديم أعمال سردية تقدم رؤية درامية نمطية من حيث المضمون.

وأضاف “نحن نرى الشخصيات التاريخية كما نحب وليس كما كانت، أو ليست بملامح إنسانية لها ملامح بشرية عادية، ولهذا نرى شخصيات الأعمال التاريخية إما شريرة أو خيرة، وهذا يتوقف على موقفنا المحدد سلفاً من الشخصية التاريخية ومن الحكاية السائدة المعترف بها شعبياً لدى الأغلبية”.

إجراءات فورية

وبعد البيان الفوري للمدقق اللغوي للعمل، قرر بقية فريق المسلسل التزام الصمت وعدم التعليق على أزمة نسب الأبيات الشعرية على وجه التحديد، لا سيما أن العمل يتعرض لحملات هجومية كثيرة منذ بداية عرضه وبعضها يبدو موجهاً من دون وجه حق مثل تداول صورة من الكواليس للبطل مرتدياً نظارة طبية والتعليق بأنها من ضمن المشاهد المعروضة للزعم بعدم الدقة، نظراً إلى أن النظارات بالطبع لم تعرف في زمن الشافعي، في حين أن الصورة كان واضحاً للغاية بأنها خلف الكاميرا، ولكن الرغبة في التضليل تحرك كثيراً من التدوينات التي تنتقد العمل.

علمت “اندبندنت عربية” أن الجهات الإنتاجية التي تقف وراء “رسالة الإمام” تعتزم حذف المشاهد المتعلقة بالأبيات الشعرية محل الجدل من النسخ المقرر عرضها بعد شهر رمضان لغلق هذا الباب، كما توجد حال استنفار في الكواليس حالياً للتدقيق بشدة في أية معلومة أو حدث أو لفظ قبيل تصويره ومن ثم عرضه، لا سيما أن المسلسل لم تنته كتابته بشكل كامل حتى الآن، والتصوير يجري على قدم وساق وربما يتم إنجازه قبيل انتهاء شهر رمضان بعشرة أيام على الأقل.

الاستسهال مع العمل التاريخي

هذا يقودنا للحديث عن التعامل مع عمل تاريخي بهذا الحجم، وعدم إعطائه خصوصية كبيرة قبل وأثناء التنفيذ على رغم ضخامته وأهميته، إذ يرى الناقد طارق الشناوي أن التفوق في إنتاج الدراما التاريخية له علاقة بالجهد المبذول أولاً قبل بداية التصوير بفترة كافية، سواء أكان جهداً بحثياً أو توثيقياً أو في ما يتعلق بالتحضيرات.

وأشار الشناوي إلى أن الإمكانات المادية هنا يجب أن تكون أضعافاً مضاعفة، لأن المسلسل التاريخي بطبيعته مكلف للغاية، بسبب الديكورات والملابس وأماكن التصوير وغيرها، بالتالي يجب أن ترصد له موازنة وقدرات إنفاقية على هذا المستوى، وكذلك أن تكون مساحة الوقت الممنوحة له ملائمة بعكس نوعيات أخرى من الدراما، حتى في ما يتعلق بالموسيقى ينبغي الاستعانة بموسيقار لديه رؤية غير تقليدية لتكون ملائمة لأجواء الحقبة التاريخية محل النقاش.

الإمام1.jpg

يشارك في كتابة المسلسل سبعة مؤلفين من مصر وسوريا (مواقع التواصل)

واختتم الشناوي بالقول “نحن هنا نتحدث عن الإخلاص قبل وأثناء العمل، وإعطاء المرحلة التي تسبق التصوير حقها كما ينبغي، وعلى ما يبدو أن هذا سبب إهمال الأعمال التاريخية في مصر على مدى السنوات الماضية، حيث كانت جهات الإنتاج تفضل التركيز على مسلسلات اجتماعية لأنها أقل كلفة ومضمونة النجاح، حتى حينما تم تقديم مسلسل (رسالة الإمام) استعانوا بمخرج سوري”.

وينبه الناقد إيهاب التركي إلى أن الإنفاق ببذخ لا قيمة له لو كان المضمون مليئاً بالمشكلات، مضيفاً أن شركات الإنتاج يجب أن تدرك أهمية الاستعانة بمدققين لصناعة أعمال فنية أصيلة، ملقياً اللوم على “الاستعجال” في التعامل مع المحتوى التاريخ.

ويشرح وجهة نظره بالقول “عودة الدراما التاريخية هذا العام أمر جيد ويستحق الإشادة فهي أعمال ضخمة ومكلفة، لكنها ربما لا تناسب أجواء الأعمال الرمضانية التي يتم تنفيذها بشكل متسرع للحاق بالموسم، وأعتقد أن وجود أخطاء في أعمال مثل (سره الباتع) و(رسالة الإمام) يعود للاستعجال وعدم مراجعة العمل بدقة”.

الإسلام السياسي ورسالة الإمام

المسلسل هوجم أيضاً بعد تجسيد شخصية السيدة نفيسة بنت الحسن حفيدة النبي محمد، إذ رفض بعضهم تجسيد تلك الشخصية التي تمتلك مكانة كبيرة في نفوس المصريين، مشيرين في تغريدات متعددة إلى أنه أمر لا يليق.

وعلى جانب آخر تقدمت نقابة المهن التمثيلية في مصر ببلاغ ضد داعية يدعى حاتم الحويني “محسوب على التيار السلفي” بتهمة السب والقذف والتطاول على الفنانين المصريين، وذلك بعد تغريدات عدة وجه فيها اتهامات أخلاقية لأبطال مسلسلات رمضان المصرية، وكذلك وصفه لمسلسل “رسالة الإمام” بـ”المحرف والمزيف الذي يخدم الفكر الخبيث”.

فيما اعتبر الداعية خالد الجندي في برنامجه التلفزيوني أن أي هجوم على المسلسل بخاصة من المحسوبين على التيارين الإخواني والسلفي هدفه النيل من “جهة الضمان” التي قامت بمراجعة العمل، لافتاً إلى أن عملاً درامياً محبوكاً يتناول سيرة الإمام الشافعي يمثل لهؤلاء أزمة كبيرة، ومن المعروف أن مشيخة الأزهر الشريف تراجع من خلال علمائها الجوانب الفقهية في المسلسل الذي يتناول السنوات التي قضاها الإمام في مصر.