الحكومة الفلسطينية تبدأ إجراءات طرح عملة وطنية من دون صكها


الشيكل الإسرائيلي يعد عملة التداول اليومية إلى جانب الدولار الأميركي والدينار الأردني

خليل موسى مراسل

لم يكن تشكيل الحكومة الفلسطينية، الأسبوع الجاري، لجنة لدراسة لبحث صك عملة فلسطينية الأول من نوعه، إذ سبقه تشكيل لجان أخرى فشلت كلها في اتخاذ الخطوة التي تعتبر من رموز السيادة لدول العالم.

إلا أن اللجنة الجديدة التي شكلها مجلس الوزراء الفلسطيني ستعكف على دراسة “استكشافية لإمكانية طرح عملة فلسطينية على الورق لتكون وحدة حسابية للخدمات الحكومية، وليس للطرح في الأسواق”.

وقال مسؤول فلسطيني رفيع رفض الكشف عن اسمه لـ”اندبندنت عربية”، إن الظروف الحالية “غير مواتية لصك عملة فلسطينية بسبب عدم وجود دولة مستقلة معترف بها دولياً، تسيطر على أراضيها، ولها منافذ حدودية”.

وأضاف أن صك العملة “يتطلب كثيراً من الجهد واتفاقيات دولية، وتبادلاً في العملات”، مشيراً إلى أن كل تلك المتطلبات غير متوفرة.

إلا أن المسؤول الفلسطيني شدد على الحاجة إلى “عملة وطنية فلسطينية تشكل وحدة حسابية للخدمات الحكومية، وتنُهي استخدام ثلاث عملات أجنبية في المعاملات الرسمية”.

ومع أن الشيكل الإسرائيلي يعتبر عملة التداول اليومي في الأراضي الفسطينية، فإن بعض الخدمات الحكومية الفلسطينية تكون بالدينار الأردني والدولار الأميركي.

كما تعتمد بعض الهيئات الرسمية الفلسطينية الدولار الأميركي عملة لرواتب موظفيها، على الرغم من صرفها بالشيكل الإسرائيلي.

وتتعامل وزارة المالية الفلسطينية بالشيكل الإسرائيلي في جباية الضرائب والمقاصة التي تجمعها إسرائيل نيابة عنها؛ وتشكل المصدر الأكبر لوارداتها المالية.

وأوضح المسؤول الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية تريد أن “تتخلص من تلك الدوامة”، ووضع “وحدة حسابية للتعاملات المالية الحكومية”.

وتتكون اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء الفلسطيني من أطراف حكومية وغير حكومية؛ تضم سلطة النقد، وجمعية البنوك، وجمعية مدققي الحسابات وصندوق الاستثمار الفلسطيني.

وكانت الحكومة الفلسطينية السابقة شكلت عام 2018 لجنة لدراسة الانتقال من استخدام عملة “الشيكل” إلى أي عملة أخرى، وإمكانية إصدار عملة وطنية؛ ضمن سعيها للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي.

إلا أن محللين اقتصاديين شددوا على أن “بقاء الاحتلال  الإسرائيلي يشكل عائقاً أمام إصدار عملة فلسطينية بسبب سيطرته على الموارد الفلسطينية، إضافة إلى اتفاق باريس الاقتصادي الذي يجعل من الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لإسرائيل”.

ويخضع الاقتصاد الفلسطيني لقيود الاتفاق الموقع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد وقت قصير على تأسيسها عام 1994. وأنشأت السلطة الفلسطينية سلطة للنقد تتمتع بالصلاحيات التي يتمتع بها أي بنك مركزي حول العالم عدا صك العملة.

لكن تلك الاتفاقية حرمت سلطة النقد من تحديد نسب السيولة للبنوك المحلية من الشيكل الإسرائيلي، وتبديل أقل من 20 في المئة من الفائض في العملة الإسرائيلية.

ويرى المحلل الاقتصادي طارق الحاج أن إعلان الحكومة الفلسطينية تشكيل لجنة للعملة “لا يخرج عن أنه يأتي ضمن عناوين براقة للتسويق السياسي للحكومة، ومحاولة إخراج الحكومة الفلسطينية من حالة اليأس والبؤس”.

ومع أن الحاج أشار إلى إمكانية وجود عملة فلسطينية كوحدة حسابية فقط من دون طرحها في الأسواق، فإنه شدد على صعوبة ذلك “بسبب التداخل الهائل مع الاقتصاد الإسرائيلي، ووجود شركات وافدة من الخارج ومصارف تتبع للبنكين المركزيين في  الأردن ومصر”.

وأوضح الحاج أن تلك الخطوة “في ما لو نجحت فإنها ستكون في القطاع الحكومي فقط، ويجب أن يسبقها تهيئة الناس لها، وتحديد قيمتها النقدية”.

لكن الحاج شدد على أن وجود وحدة حسابية فلسطينية “سيعزز من ارتباط السوق الفلسطينية بالشيكل الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن ذلك يعني “تناقضاً في طروحات الحكومة حول الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل”.

وبعد دخول الجيش البريطاني فلسطين في سنة 1917، أوقفت لندن التداول بالنقد العثماني الورقي والذهبي، وسمحت بتداول العملتين المصرية والإنجليزية.

وفي عام 1927 أصدر المندوب السامي البريطاني مرسوم النقد الفلسطيني الذي استبدل بالجنيه الفلسطيني المصري والإنجليزي؛ حيث بقي متداولاً منذ بدء مجلس النقد الفلسطيني بصك النقود وحتى قيام إسرائيل سنة 1948.

وفي فبراير (شباط) من عام 1948 أخرجت بريطانيا فلسطين من منطقة الإسترليني، وجمدت الأموال الفلسطينية لديها، واستولت على مزيد من النقود المودعة في البنوك لدى انسحابها من فلسطين، في حين استولت إسرائيل على الباقي.

وعقب تأسيس إسرائيل، قامت الدولة الوليدة باستبدال ما لديها من جنيه فلسطيني بالليرة الإسرائيلية واستبدلته من بريطانيا بالذهب.

وبعد احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 أصدرت إسرائيل أمراً عسكرياً بإغلاق فروع البنوك العربية العاملة في فلسطين، وتجميد أرصدتها، ونقل الموجود فيها إلى حسابات خاصة بها لدى البنك المركزي الإسرائيلي. ومنعت التعامل بالعملات الأجنبية والذهب.

وخضعت الأراضي الفلسطينية للترتيبات النقدية في إسرائيل حتى عام 1994 حين تأسيس السلطة الفلسطينية.