تفاخر طهران بأنها تحكم أربع عواصم لكن مشروعها هذا يعتمد على مكون مذهبي واحد
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
أين صارت المعارك ضد حدود “سايكس – بيكو”؟ هل انتقلنا من رفضها إلى التمسك بها خوفاً عليها من خطر التقسيم داخلها؟ هل فشلنا في بناء الدولة الوطنية كبديل من الدولة – الأمة القومية التي عجزنا عن إقامتها؟ هل صحيح أن جمهورية الملالي في إيران يمكن أن تنجح في تغيير الجيوبوليتيك في المنطقة، من حيث فشل سواها؟ وماذا عن حراك الإثنيات والأقليات تحت عنوان الحقوق والخصوصية من أجل العودة لما قبل الدولة، سواء كانت شمولية أم استبدادية أم شبه ديمقراطية؟
التاريخ دار دورة كاملة على مدى 100 عام حول اتفاق “سايكس – بيكو”، وبقيت الحدود كما جرى رسمها بعد الحرب العالمية الأولى. كان هدف الحركات القومية، سواء باسم الأمة السورية أو باسم الأمة العربية، هو إسقاط “الحدود المصطنعة” التي قسمت أرض السلطة العثمانية إلى دول تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي قبل الاستقلال. كذلك كان هدف الشيخ حسن البنا الذي أسس جماعة “الإخوان المسلمين” من أجل استعادة الخلافة وأهداف أخرى. وفي الأساس، فإن الاتفاق كان ثلاثياً بين السير مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو وسيرغي سازونوف وزير خارجية القيصر نيقولا الثاني. وكانت حصة روسيا هي “إسطنبول وأجزاء من تركيا وكردستان وحصة في القدس”. لكن الثورة البلشفية التي أسقطت القيصر كشفت عن الاتفاق السري وسحبت روسيا منه.
كانت التجربة العملية الأولى لكسر الحدود هي الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958. لكن سقوط الوحدة كان في الانتظار عام 1961 لأسباب عدة. كذلك فشلت تجربة الاتحاد الثلاثي بين مصر والعراق وسوريا. ثم ساد العداء مكان الوحدة المفترضة بين سوريا والعراق تحت حكم حزب واحد هو البعث العربي الاشتراكي الذي شعاره “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. ولم يكن سعي الإخوان المسلمين وبقية حركات الإسلام السياسي لاستعادة الخلافة سوى “يوتوبيا” في عالم واقعي مملوء بالكوابيس. ولا كان إعلان “داعش” كسر الحدود بين العراق وسوريا وإقامة “الدولة الإسلامية” سوى بوليصة ضمان لكثير من الرعب والقتل والتخلف ثم الفشل. الوعد الوحيد الذي تحقق هو”وعد بلفور”، إذ قامت دولة إسرائيل في فلسطين برعاية الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. موسكو راهنت على الحركة العمالية الاشتراكية ورفدها باليهود الروس لقيامة دولة “تقدمية” صديقة لها في الشرق الأوسط. والرئيس الأميركي هاري ترومان الذي اعترف بإسرائيل بعد دقائق من إعلان بن غوريون قيامها لم يأخذ بتحذير وزير خارجيته جورج مارشال من “نشاط روسي كبير في إرسال اليهود والعملاء الشيوعيين إلى فلسطين عبر البحر الأسود” كما من أن “الاعتراف بإسرائيل مثل وضع خنزير في الجيب”، بحيث “تربح أصوات اليهود وتخسر أشياء أهم”.
اليوم تقول طهران إنها فعلت ما لم تستطع فعله الحركات القومية السورية والعربية وحركات الإسلام السني. كيف؟ هي تفاخر بأنها تحكم أربع عواصم عربية: صنعاء، بغداد، دمشق، بيروت، وتحرك قطاع غزة. ومعنى ذلك أنها تصنع نوعاً من الوحدة بين هذه العواصم عبر التغيير الجيوسياسي داخل الحدود التي تبقى في مكانها حتى إشعار آخر. لكن هذا مشروع يعتمد على مكون مذهبي واحد في مواجهة المكونات الأخرى في كل بلد عربي. وهو عملياً ضد. مسار التاريخ، وإن كان تحت عنوان “تصحيح التاريخ” بالثأر للماضي مما حدث في الماضي ويحدث في الحاضر.
ولا تزال الحركات القومية تتحدث عن ضرورة الوحدة السورية والوحدة العربية كأنهما كانا حقيقة واقعة في الماضي. لكن الواقع أن الهدف صار أبعد. وخطر التقسيم الطائفي والمذهبي والإثني صار أقرب. والبديل الجدي الوحيد هو بناء الدولة الوطنية، حيث بات كثيرون يؤمنون بها ويرون إمكان النجاح في بنائها وضرورته. أما التجربة الناجحة، فإنها مجلس التعاون الخليجي في مساره المتطور على مراحل ضمن التركيز على التنمية وتنويع مصادر الدخل والانتقال إلى العالم الرقمي وصنع المستقبل.
المقالة تعبر عن راي كاتبها
اندبندنت