“نتنياهو كان وراء اعتبار إسرائيل ’دولة لليهود فقط‘ رغم الاعتراض عليه من بعض الأوساط في الداخل”
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
الشعار يتجدد، “نتنياهو ملك إسرائيل”. والعودة لرئاسة الحكومة تتكرر. عام 2009 عاد للمنصب الذي خسره عام 1999 واستمر فيه حتى 2021 حين أخرجه تحالف من ثمانية أحزاب بقيادة بينيت ثم لبيد. عام 2022 عاد. لكن عودة نتنياهو ليست مجرد قصة شخص ولد بعد قيام دولة إسرائيل وحكمها أكثر من المؤسس بن غوريون. هي أيضاً قصة ناخبين أصروا بقوة العصبية على تكرار التصويت لرئيس حكومة كاذب ويواجه المحاكمة بثلاث تهم هي “الاحتيال وإساءة الأمانة وتلقي الرشى”. قصة دولة بناها حزب “يساري علماني”، فدفعته مع الوقت إلى الهامش وأعطت واجهة المسرح إلى حزب يميني متطرف قاده مناحيم بيغن بأفكار جابوتنسكي ثم ورثة شامير وشارون ونتنياهو. قصة الانتقال من تطرف يميني علماني وديني إلى تطرف أشد، بحيث بدا حزب “شاس” للسفرديم الشرقيين و”يهودوت هاتوراه” للأشكنازي الغربيين “معتدلين” أمام صعود “الصهيونية الدينية” بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وارثي حركة “كاخ” بقيادة الحاخام مئير كهانا الذي كان منبوذاً في حين أنهما من أعمدة السلطة الجديدة. وهما مع ترحيل الفلسطينيين من الأراضي داخل “الخط الأخضر”، ليس فقط مع رفض أي دولة فلسطينية. وإذا كان نتنياهو يسعى إلى الحؤول دون إغضاب أميركا بالهرب من تعيين بن غفير وزيراً للأمن الداخلي وسموتريتش وزيراً للدفاع، فالواقع أن الرجلين هما “بيبي” الحقيقي من دون أقنعته الإعلامية.
ولا مجال في هذا المناخ المتطرف لثلاثة عناوين كانت على الصفحة الأولى خلال عقود، “حل الدولتين” و”الدولة اليهودية الديمقراطية” و”الدولة الواحدة الديمقراطية ثنائية القومية”. الفلسطينيون والعرب سمعوا نتنياهو يرفع في الحملة الانتخابية شعار لا دولة فلسطينية. وليس أمامهم سوى التخلي عن حلم دام طويلاً، دولة فلسطينية من خلال التفاوض مع إسرائيل على أساس حل الدولتين. أما البديل، فإنه العمل المنظم على حرمان الإسرائيليين من الأمن في أي مكان حتى يقودهم الاصطدام بالواقع إلى التسليم بالحق الفلسطيني. وأما إقناع الأمم المتحدة بإعطاء السلطة الفلسطينية عضوية الدولة والتهديد بالدعاوى أمام المحاكم الدولية والسعي إلى إحياء ديبلوماسية “الرباعية الدولية”، فإنها أمور يمكن أن تساعد، لا أن تقود إلى حل.
نتنياهو كان وراء اعتبار إسرائيل “دولة لليهود فقط” على رغم الاعتراض عليه من بعض الأوساط في الداخل. والشعار الذي ترفعه أحزاب “معتدلة” هو الحرص على “الطابع اليهودي والديمقراطي” معاً لإسرائيل. لكن المسار الواقعي يؤكد أن إسرائيل على الطريق نحو تكبير الطابع اليهودي وتصغير أو حتى إلغاء الطابع الديمقراطي. لا بل إنها أصبحت دولة قبائل على الطريقة الشرقية. وأقل ما كتبته “هآرتس” الموصوفة بأنها “علمانية يسارية” بعد نتائج الانتخابات هو، “إسرائيل على وشك أن تبدأ ثورة يمينية ودينية وسلطوية هدفها تدمير البنية التحتية الديمقراطية التي بنيت عليها الدولة وهذا يوم أسود في تاريخ إسرائيل”.
ومن الوهم وسط سيادة العنصرية والتطرف تصور دولة واحدة ديمقراطية ثنائية القومية من البحر إلى النهر. فما تعمل له “الصهيونية الدينية” التي وصلت إلى السلطة مع نتنياهو، يبدأ برفض التخلي عن أي شبر من “أرض إسرائيل” وينتهي، إذا صعب الترحيل، باعتبار أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر “ليسوا مواطنين، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية”. وأكثر ما يخيف الإسرائيليين هو الديموغرافيا في “الدولة الواحدة” بحيث يصبح عدد العرب أكبر من عدد اليهود. لكن دولة واحدة يفرضها الأمر الواقع على طريقة جنوب أفريقيا أيام النظام العنصري يجب أن تخيف الإسرائيليين أكثر، لأنها دعوة لانتفاضة يصعب التحكم بها بالقمع. وليس أكبر من التحدي الإسرائيلي سوى التحدي الفلسطيني.