2023 عام الركود العالمي

اقتصاد الكوكب يترنح بعد اجتياح كورونا والحرب في أوكرانيا وارتفاع حجم الديون

“التباطؤ” أول ما سوف يصلنا من عاصفة الركود التي تستعد لتضرب اقتصاد العالم.

تلك هي قراءة رئيسة البنك الأوروبي المركزي، كريستين لاغارد، نهاية سبتمبر/أيلول 2022، وهي تتحدث أمام نواب البرلمان الأوروبي المتلهفين على خبر واحد سعيد وسط شريط الأنباء العاجلة.. الصادمة.

على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية التي سببتها الحرب في أوكرانيا والتي تستنزف القدرة الشرائية للمستهلكين، تشهد الشهور الأخيرة في 2022 وما بعدها تباطؤ النشاط التجاري “بشكل كبير”.

هذا أولاً.

ثانياً نحن نعيش مرحلة ما بعد الجائحة وحرب أوكرانيا، وكل حساباتنا السابقة أصبحت ذكريات قد “تجاوزتها الأحداث”.

العام المقبل سيكون “بالتأكيد عاماً صعباً”، هكذا قالت.

والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 “سيكون الناتج فيها سلبياً على الأرجح، مثل معظم 2022”. 

انتظروا قليلاً: الناتج السلبي هو أحد تعريفات الركود.

وليس مجرد الركود هو الخطر، بل هناك ما هو أخطر: الركود التضخمي.. أو استمرار الأسعار في الصعود مع تراجع التجارة.

إنه الركود العميق.

من الولايات المتحدة إلى كندا وألمانيا أو بريطانيا إلى معظم أنحاء العالم، تبدو صورة أرقام الناتج المحلي الإجمالي قاتمة.

في بداية 2021 كان العالم يحتفل بالتعافي السريع من تسونامي الجائحة التي أغلقت العالم، وأوقفت عجلة الاقتصاد عن الدوران.

وها هم الاقتصاديون الآن قلقون من أن الانكماش يلوح في الأفق.

لذلك لم يندهش أحد عندما أصدر البنك الدولي توقعات متشائمة للاقتصاد العالمي.

ولم يتوقع نواب أوروبا من رئيسة بنكهم المركزي كريستين لاغارد تصريحات متفائلة.

عن حقيقة الوضع الاقتصادي العالمي الآن، واحتمالات انزلاقه في متاهة الركود أو ما هو أكثر يدور هذا التقرير، الذي يستعرض الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية، وسيناريوهات المستقبل القريب للعالم.. والعرب.

في البدء كان وحش التضخم الذي أطلقته حرب أوكرانيا

ساهم الضرر الناجم عن جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا في تضخيم التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي.

بتأثير الأزمتين، أصبح الاقتصاد العالمي مرشحاً للدخول في فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع.

هذا يمهد للخطوة الأولى نحو الأزمة.

ويزيد من مخاطر التضخم المصحوب بركود تضخمي، مع عواقب ضارة محتملة على الاقتصادات ذات الدخل المتوسط والمنخفض على حد سواء.

إذن، بداية كرة اللهيب التي أشعلت أزمات الاقتصاد العالمي الآن هو التضخم.

والتضخم الذي يشهده العالم الآن وليد خمسة أسباب رئيسية، طبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي:

1 الاختناقات في سلاسل الإمداد بسبب تدابير الإغلاق العام والقيود على حرية الحركة.

2 تحول الطلب من الخدمات إلى السلع. سبب أساسيّ للزيادة الأولية في معدلات التضخم يرجع إلى التضخم في أسواق السلع المعمرة بما في ذلك السيارات المستعملة، بينما سجل تضخم الخدمات ارتفاعاً طفيفاً.

3 حزمة التدابير التنشيطية الضخمة التي قررتها الحكومات جعلت التضخم أمراً “مزمناً”. فقد استغلت الأسر المدخرات التي راكمتها في بداية الجائحة، مما أدى إلى زيادة مفاجئة في الطلب الكلي بسبب زيادة السيولة المالية.

4 صدمة فقدان ملايين الوظائف في العالم بسبب الجائحة ما زالت تفرض آثارها السلبية على سوق العمل.

5 صدمات إمدادات الطاقة والغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا رفعت أسعار الطاقة والغذاء، مما ساهم في زيادة معدلات التضخم عالمياً.

وتعد روسيا وأوكرانيا من مصدري السلع الأولية الرئيسية، وقد أدت الحرب والعقوبات إلى ارتفاع حاد في الأسعار لا سيما النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي أسعار الغذاء.

غرافيك: أسباب ارتفاع التضخم العالمي/ المصدر صندوق النقد الدولي

هناك أيضاً أسباب محلية للتضخم، وفي مقدمتها زيادة الإيجارات التي ارتفعت في بعض الدول بنسبة 30%، وزيادة التدفقات النقدية الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي المتزايد ورفع الأجور بطريقة غير مدروسة، كما تقول الإعلامية الاقتصادية فيوليت غزال، مضيفة أن “كل هذا سينعكس سلباً على أصحاب الدخل المحدود، كونهم الحلقة الأضعف في مقاومة أثر التضخم”.

حدث التضخم.. كيف تستجيب البنوك المركزية للتضخم؟ 

أول ما يتبادر إلى ذهن صانع القرار في مواجهة موجات التضخم العالية هو رفع الفائدة، لسحب السيولة النقدية من الأسواق إلى خزائن البنوك.

لكن استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في زيادات الفائدة على الدولار لتهدئة التضخم يدفع الاقتصاد إلى الركود بالضرورة.

يمتلك بنك الاحتياطي الفيدرالي تفويضاً بتبني سياسات نقدية تستهدف خفض التضخم لدى معدلات دنيا، لكن هل الزيادات في الفائدة كافية لخفض التضخم الذي يبلغ 8.3% حسب البيانات الرسمية الأمريكية؟

الواقع أن رفع الفائدة بصورة متكررة منذ بدأت عاصفة التضخم أضر بالاقتصاد العالمي كثيراً، بل إن البنك المركزي الهندي اعتبره الضربة الثالثة للاقتصاد بعد كورونا وحرب أوكرانيا.

وحذرت الأمم المتحدة مما وصفته بالمخاطرة التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ‏والبنوك المركزية الأخرى، بدفع الاقتصاد العالمي تحت براثن الركود ‏الذي ربما يعقبه كساد طويل الأمد إذا استمروا في رفع أسعار الفائدة.‏ “مخاطر الركود العالمي الناجم عن السياسة النقدية سيكون لها ‏عواقب وخيمة بشكل خاص على البلدان النامية، ودعت إلى استراتيجية جديدة”.‏

ارتفعت الفائدة والتضخم مستمر.. إنه الركود الاقتصادي

الركود حالة تعيشها الأسواق إذا زادت السلع المعروضة عن الطلب، ينجم عن ذلك انخفاض في الأسعار وبطء في حركة البيع والشراء.

يتلو ذلك توقف المنتجين جزئياً عن الإنتاج لاستحالة بيعه أو تخزينه.

يعني ذلك الاستغناء عن جانب من العمالة، ما يرفع نسبة البطالة.

والركود في أحد قطاعات الاقتصاد يترك آثاراً سلبية على القطاعات المجاورة. 

ويبدأ استخدام مصطلح الركود إذا مرّ ربعان متتاليان من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي. 

وإذا ارتفعت وتيرة الركود يتحول إلى كساد، والذي تكون نتائجه أقوى وأخطر من الركود الاقتصادي.

هناك مجموعة من المؤشرات على الركود، أولها انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلك. 

ضعف القدرة الشرائية لدى الفرد يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية لدى الحكومات، كما يترافق مع ضعف الإنتاج العام لدى الدول.

الفائدة – الادخار – الركود – الإنتاج – البطالة

 عربي بوست