يائير لبيد اعتبر أن الاتفاق يعني “اعترافاً لبنانياً” بدولة إسرائيل وعون ينفي
سارعت إسرائيل إلى وصف اتفاق الترسيم البحري المزمع توقيعه اليوم في مقر الأمم المتحدة عند الحدود الجنوبية مع لبنان وعلى لسان رئيس الحكومة يائير لبيد بأنه “إنجاز دبلوماسي واقتصادي” واعتبر أن لبنان “اعترف” بدولة إسرائيل في الاتفاق على الحدود البحرية”. وقال بيان لمكتب رئيس الوزراء لبيد إن الحكومة الإسرائيلية “وافقت اليوم الخميس على اتفاق تاريخي لترسيم الحدود البحرية مع لبنان توسطت فيه الولايات المتحدة”، وذلك خلال اجتماع لمجلس الوزراء خُصّ للموضوع. وقال إلياس بو صعب كبير المفاوضين اللبنانيين للصحفيين اليوم الخميس إن الرئيس اللبناني ميشال عون وقع رسالة بالموافقة على اتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة يرسم الحدود البحرية لبلاده مع إسرائيل. لكن الرئيس اللبناني رد بطريقة غير مباشرة على لبيد وغرد على “تويتر” كاتباً “انجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية او مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول”.
توقيع في غرفتين
وبعد توقيع رئيس الجمهورية اللبنانية وموافقة الحكومة الإسرائيلية يتساءل مراقبون عن جدوى الإجراءات التي ستحصل اليوم الخميس 27 أكتوبر (تشرين الأول)، عند الحدود. وكان التفاوض قد أفضى إلى توقيع وفدين لبناني وإسرائيلي وفي غرفتين منفردتين اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من مفاوضات مضنية بوساطة أميركية، ما أتاح لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كانت متنازعاً عليها، فيما يأمل لبنان، الغارق في انهيار اقتصادي، في التنقيب قريباً.
والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون صباح الخميس، الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في حضور نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وأعضاء الوفد المفاوض مع الجانب الأميركي.
وتسلم عون من الوسيط الأميركي، الرسالة الأميركية الرسمية في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مغادراً مقر الرئاسة اللبنانية صباح اليوم الخميس (أ ب)
ميقاتي شكر بايدن وماكرون
ثم استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الوسيط الأميركي في حضور نائب رئيس مجلس النواب بو صعب، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ، والسفيرة الأميركية لدى لبنان دوروتي شاي، ومستشاري الرئيس ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس والسفير بطرس عساكر.
وفي خلال الاجتماع شكر ميقاتي السيد هوكشتاين على الجهود التي بذلها في سبيل التوصل الى انجاز الترسيم.
وقال” نأمل أن يكون ما تحقق خطوة أساسية على طريق الإفادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حل الأزمات المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويساعد الدولة اللبنانية على النهوض من جديد”.
وقال” إن التعاون بين مختلف المسؤولين اللبنانيين، بمساعدة أصدقاء لبنان، حقق هذه الخطوة النوعية الأساسية في تاريخ لبنان، بعد سنوات من العمل الدؤوب”.
وأكد” أن الاهتمام الشخصي للرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعطى دفعاً لمسار جديد في المنطقة ولدعم لبنان لاستعادة عافيته الاقتصادية”.
الرئيس عون رأس اجتماعاً لأعضاء الوفد المغادر الى الناقورة والذي ضم؛ مدير عام الرئاسة أنطوان شقير ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العاملة في الجنوب العميد منير شحادة وعضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية احمد عرفة، وزودهم بتوجيهاته pic.twitter.com/T9mFH7D61r— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 27, 2022
شكر وامتنان
وأعلن نائب رئيس مجلس النواب، كبير المفاوضين اللبنانيين في الملف، الياس بو صعب، من قصر الرئاسة في بعبدا، أن هوكشتاين سلّم عون الرسالة الأميركية الرسمية لاتفاق الترسيم، مضيفاً أنها “هي نفسها التي نُشرت سابقاً إنما أصبحت رسمية اليوم، وقد وافق لبنان على مضمونها”.
كما لفت بو صعب إلى أن عون كلّف وفداً باسمه لتسليم الرسالة إلى هوكشتاين في الناقورة (جنوب لبنان) حيث من المفترض أن يتم التوقيع على الاتفاق في وقت لاحق الخميس، كاشفاً أنه ستكون هناك رسالة أيضاً للأمم المتحدة من قبل الخارجية اللبنانية.
وتوجه بو صعب بالشكر لهوكشتاين “لجهوده في تذليل الصعوبات ما مكّننا من الوصول لهذا الاتفاق التاريخي، ولم يأخذ طرفاً مع أحد”.
وقال بو صعب إن “عهداً جديداً” قد بدأ بعد التوصل إلى اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل.
يوم تاريخي
في المقابل، أعرب المبعوث الأميركي عن أمله في أن يكون اتفاق الحدود البحرية “نقطة تحول للاقتصاد اللبناني”، مضيفاً أنه “إذا انتهك أحد الجانبين الاتفاق فسيخسر كلا الجانبين”. وقال هوكشتاين إثر خروجه من مقر الرئاسة اللبنانية: “عقدتُ اجتماعات عدة هنا وكنتُ أقول دائماً إنّني متفائل وأنا ممتنّ لوصولنا إلى هذا اليوم التاريخي ولتحقيق الاتفاق”. وأضاف: “المهمّ اليوم هو ما سيحصل بعد الاتفاق وأعتقد أنه سيكون نقطة تحوّل اقتصاديّة للبنان ولنهوضه، وسيوفر الأمل والاستقرار من جانبي الحدود”.
وأشار هوكشتاين إلى أن “توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من شأنه إحداث الاستقرار في المنطقة، وأن الاتفاق سيسمح ببدء العمل من قبل شركة توتال للتطوير والاستكشاف ولا شيء سيعيق هذه الأعمال في لبنان ولا شيء سيأخذ عائدات النفط والغاز من اللبنانيين”، لافتاً الى أن “أهمّ ما في الاتفاق هو أنّه في خدمة الفريقين وليس من مصلحة البلدين خرقه وإذا خرق أيّ طرف الاتفاق لن يكون هذا لمصلحتهما”.
وتسارعت منذ أشهر التطوّرات المرتبطة بملف ترسيم الحدود البحرية بعد توقف لأشهر جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية، قدم الوسيط الأميركي هوكشتاين، الذي تقود بلاده وساطة منذ عامين، بداية الشهر الحالي عرضه الأخير، وأعلن الطرفان موافقتهما عليه.
ويتوجه هوكشتاين عصراً إلى مقر قوات الأمم المتحدة في بلدة الناقورة في جنوب لبنان حيث سيتم توقيع الاتفاق، وينتقل بعدها إلى إسرائيل.
ارتياح دولي
من جهة أخرى، أعرب المتحدث باسم قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) أندريا تيننتي عن سعادة الجانب الدولي بالنتيجة الإيجابية للاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل، مؤكداً الجاهزية لمساعدة الوسيط الأميركي والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة.
وشدّد تيننتي عبر إحدى الإذاعات المحلية على أن “هذا الاتفاق سيعزز الاستقرار في جنوب لبنان”، معتبراً أنه يمهّد الطريق لمتابعة النقاط العالقة بما خصّ تحديد الخط الأزرق”.
وذكرت مصادر إعلامية محلية أن الوفد اللبناني الذي كلفه االرئيس عون للتوجه إلى الناقورة (جنوب) للمشاركة في مراسم التوقيع، يضم مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير، ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العميد الركن منير شحادة، وعضو هيئة إدارة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية أحمد العرفة.
“في حالة حرب”
وكون لبنان وإسرائيل يُعدان في حالة حرب، من المفترض أن يسلم كل من الطرفين في غرفتين منفصلتين رسالة تتضمن موافقتهما إلى الوسيط الأميركي.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الاتفاق “سيأخذ شكل تبادل رسالتين، واحدة بين لبنان والولايات المتحدة وأخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة”.
وستحضر المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسك التوقيع، حيث سيتم تسليمها الإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري التي اتفق الطرفان على إرسالها للأمم المتحدة.
وستحل تلك الإحداثيات مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في عام 2011.
وأوضح متحدث باسم الرئاسة اللبنانية أن مهمة الوفد اللبناني ستقتصر على “تسليم الرسالة فقط بحضور هوكشتاين وممثل الأمم المتحدة، ولن يلتقي مع الوفد الإسرائيلي إطلاقاً”.
ومن المقرر أن تصادق الحكومة الإسرائيلية رسمياً على التفاهم صباح الخميس، قبل التوقيع المرتقب عصراً في الناقورة.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إثر لقائه نظيره الإسرائيلي اسحق هرتسوغ الأربعاء (26 أكتوبر) أن من شأن الاتفاق أن “يخلق أملاً جديداً وفرصاً اقتصادية”. ووصفه بـ”التاريخي”.
وسيدخل الاتفاق حيّز التنفيذ، عندما ترسل الولايات المتحدة “إشعاراً يتضمن تأكيداً على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاق”.
ولم يكن التوصل إلى اتفاق بالأمر السهل، إذ إن المفاوضات التي بدأت في العام 2020 تعثرت مرات عدة، قبل أن تتسارع منذ بداية يونيو (حزيران) الماضي، إثر وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل كاريش، الذي كان لبنان يعتبر أنه يقع في منطقة متنازع عليها.
وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتَي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية اللتين حصلتا على عقود للتنقيب عن النفط والغاز.
وأعلنت شركة “إنرجيان” الأربعاء، بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش، وقالت إنها تأمل في أن تتمكن في المدى القريب من إنتاج 6.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، على أن ترتفع الكمية لاحقاً إلى ثمانية مليارات متر مكعب في السنة.
وقالت الشركة “يسرنا أن نعلن إنتاج أولى كميات الغاز من حقل كاريش قبالة سواحل إسرائيل بأمان… يتزايد تدفق الغاز باطراد”.
أما في لبنان، فأعلنت السلطات أنه تم الاتفاق مع شركة “توتال” الفرنسية على البدء بمراحل التنقيب فور الاتفاق النهائي.
وعلى رغم الاتفاق، يرى خبراء أن لبنان لا يزال بعيداً من استخراج موارد النفط والغاز، وقد يحتاج ذلك من خمس إلى ست سنوات.
وتعوّل السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ثلاث سنوات، وصنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850. وقد بات أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار.
اندبندنت