أصبح تطبيق تيك توك في عام 2022 أعلى التطبيقات تنزيلاً في العالم، وبنهاية هذا العام، سيتجاوز يوتيوب بوصفه منصة التواصل الاجتماعي التي يقضي عليها المستخدمون أكثر أوقات المشاهدة، الأمر الذي ترى فيه شركات التكنولوجيا الأمريكية خطراً كبيراً عليها، فكيف حقق تيك توك هذا النجاح، وما حقيقة مخاطره على الصحة العقلية للمراهقين؟
وتجاوز تطبيق تيك توك رويداً رويداً تطبيقي إنستغرام وتويتر، وأصبح محط تدقيق وقلق أمريكي مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، وسط اتهامات له بأن الخوارزميات التي يستخدمها لتحقيق هذا الانتشار قد تكون ضارة بالصحة العقلية وأداة خفية لهيمنة الصين على العقول، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وأذهل الصعود الهائل لمنصة الفيديوهات المستثمرين وخبراء صناعة التكنولوجيا. وبينما ينمو بسرعة فائقة، تستقصي سلسلة جديدة تعدها النسخة الأمريكية من موقع صحيفة The Guardian بعضاً من الأسئلة المتزايدة حول التطبيق: مثل الغموض الذي يحيط بخوارزمياته، وتأثيره على العقول، وعلاقاته بالصين، ودوره في نشر معلومات مضللة حول الانتخابات.
وقالت إميلي دريفوس، الباحثة لدى مركز شورنستين للإعلام والسياسات والسياسة العامة التابع لكلية كنيدي بجامعة هارفارد الأمريكية: “صار تيك توك مصدراً للثقافة، وتعزيزاً للثقافة، ومرجلاً تُصنع فيه الثقافة. لقد حان الوقت للتعامل معه بجدية”.
كيف ولد تطبيق تيك توك؟
وُلد تطبيق تيك توك الذي نعرفه من رحم اندماجٍ بين منصتين صينيتين: وهما تطبيق Musical.ly، الذي كان يتيح لمستخدميه مزامنة حركات شفاههم مع مقاطع غنائية وفنية، ومنصة الفيديوهات Douyin.
تأسس تطبيق Musical.ly في عام 2014 في مدينة شنغهاي الصينية، وصار مشهوراً للغاية في سنوات معدودة. وفي عام 2017، استحوذت شركة تكنولوجيا الإنترنت الصينية ByteDance على منصة Musical.ly مقابل 800 مليون دولار، مما أتاح لها الاستفادة من 60 مليون مستخدم للتطبيق حول العالم.
بعد أن صارت متسلحةً بمستخدمي تطبيق Musical.ly’s الأمريكيين وأشهر السمات التي يقدمها التطبيق، افتخرت شركة ByteDance الآن بانتشارها الدولي الذي وصلت إليه عبر تطبيقها الموجه للمستخدمين الصينيين Douyin، المعروف عالمياً باسم تيك توك.
كيف حقق هذا التوسع الذي صدم منافسيه الأمريكيين؟
بدأ الانطلاق السريع لتطبيق تيك توك نحو الهيمنة العالمية في بدايات 2018، عندما تجاوز للمرة الأولى فيسبوك وإنستغرام وسناب شات ويوتيوب في عدد التنزيلات. في العام التالي، صار في المركز الرابع بقائمة أعلى تطبيقات غير الألعاب تنزيلاً في العالم.
وفي عام 2020، كانت جائحة كوفيد-19 بمثابة فتيل انفجار النمو الهائل للتطبيق. فبينما كان الناس يجدون صعوبات في مواجهة الإغلاقات المتكررة، زادت أعداد التحميل، لتشير تقارير إلى زيادة بنسبة 45% في عدد المستخدمين النشطين شهرياً بين يوليو/تموز 2020 ويوليو/تموز 2022.
والآن، يفتخر تطبيق تيك توك بامتلاكه أكثر من مليار مستخدم نشط، ويتوقع أن يتجاوز عدد المستخدمين 1.8 مليار مستخدم بنهاية عام 2022. يحتل تطبيق تيك توك ونظيره الصيني Douyin مجتمعين المركز الثالث في قائمة أكبر منصات التواصل الاجتماعي من حيث عدد المستخدمين النشطين شهرياً، ولا يسبقه إلا فيسبوك وإنستغرام.
السر في نوعية جمهوره.. إنهم يمثلون المستقبل
تكمن الشعبية الجارفة لتطبيق تيك توك في قاعدة مستخدميه الصغار التي ستجعله قابلاً للنمو في المستقبل، فحوالي نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً و30 عاماً في الولايات المتحدة يستخدمون المنصة، وفق ما أظهره تقرير حديث جديد لمركز بيو للأبحاث.
بجانب أن 67% من المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 عاماً و18 عاماً يستخدمون التطبيق بصورة يومية. بحسب تلك الدراسة، فإن 16% من جميع المراهقين يستخدمون تيك توك بصفة “شبه مستمرة”.
يجعل ذلك تطبيق تيك توك ثاني أشهر تطبيق بين أصحاب الأعمار الأصغر، بعد منصة يوتيوب التي يستخدمها 95% من المراهقين. يستخدم 60% من المراهقين تطبيقي إنستغرام وسناب شات، بينما يستخدم تطبيق فيسبوك 32% منهم فقط.
الجاذبية التي يتمتع بها تيك توك بين الشباب والمراهقين، جعلت منافسيه يحرصون على تقليد صعوده. فقد وجدت شركات مثل ميتا صعوبات لوقف الهجرة الجماعية للمستخدمين الأصغر من 25 عاماً من منصاتها، وتشير وثائق داخلية مسربة عن طريق فرانسيس هوجن، المبلغة عن مخالفات في فيسبوك في 2021، إلى أن الشركة جعلت الاحتفاظ بمستخدمي إنستغرام وفيسبوك الشباب هي الأولوية الأولى للتطبيق. استثمرت ميتا مؤخراً مليارات الدولارات في خاصية مقاطع الريلز، المستنسخة من تيك توك، لكنها وجدت صعوبة في استثمارها.
إليك أمور تثير القلق في تيك توك أولها خوارزمياته المثيرة للجدل
إن خوارزمية تيك توك، التي تؤدي وظيفة ضبط المحتوى بدقة للمستخدمين حسب ذائقتهم، تعد عنصراً أساسياً من عناصر نجاحه. وفقاً لوثائق داخلية مسربة في 2021، تحسن المنصة المحتوى من أجل دقائق وساعات من أوقات المشاهدة، في خطوة ابتعادٍ عن نسق منافسيها الذين يحرصون تاريخياً على جعل النقرات والمشاركة أولوية أولى. دق ذلك الاختلاف الرئيسي، والكفاءة المذهلة لخوارزميته، ناقوس الخطر فيما يتعلق بتأثير مثل هذا الاستهداف المكثف على الصحة العقلية.
وُجدت الشواغل المتعلقة بعواقب الاستخدام الكثيف لمواقع التواصل الاجتماعي منذ وقت طويل، مع وجود دراسات تشير إلى أن الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي يفاقم من مشكلات الصحة العقلية ويسهم في التفكير في الانتحار.
لكن منصة تيك توك تأتي ومعها مشكلاتها الخاصة، بما في ذلك الشواغل التي تقول إن دفق المحتوى (Feeds) الذي تقوده الخوارزميات يمكنه أن يساعد في انتشار الترندات غير الصحية قبل فحصها بهدف تطبيق متطلبات السلامة والأمان عليها.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، عدّة فيديوهات خطيرة، نشرها طلاب مصريون في مدارسهم وهم يقومون بتحدٍّ خطير على تطبيق تيك توك، يُطلق عليه اسم “تحدي الموت”.
يقوم التحدي على قيام الطفل أو المراهق، بتصوير نفسه وهو يقوم بكتم أنفاسه بنفسه، أو مستعيناً بأحد الأشخاص لخنقه، حتى يصل إلى مرحلة الإغماء بسبب نقص الأكسجين، من أجل الشعور بتجربة الاقتراب من الموت.
التحدي وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية ليس حديثاً، وقد تسبب عام 2021 بوفاة العديد من الأطفال.
في حين قالت مراكز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة “CDC” إنّ تحدي الموت متهم بأكثر من 80 حالة وفاة من الأطفال.
لماذا ترتاب أمريكا في علاقاته مع الحكومة الصينية؟
أعرب المشرعون الأمريكيون عن قلقهم المتزايد من علاقات المنصة بالصين. ففي عام 2020، بدا مستقبل تيك توك متزعزعاً لبعض الوقت، عندما هددت إدارة ترامب بحظر المنصة صراحة أو إجبار شركة ByteDance على بيعها إلى شركة أمريكية.
وبسبب الضغوط، اتخذت منصة تيك توك خطوة نحو معالجة البيانات الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين وتخزينها في خوادم خاصة بشركة أوراكل الأمريكية للإنترنت. بدءاً من يونيو/حزيران 2022، قالت تيك توك إن “100% من أنشطة المستخدمين الأمريكيين تُوجه إلى منصة الخدمات السحابية Oracle Cloud Infrastructure”.
لكن التساؤلات والشكوك المحيطة بوصول الصين إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين لا تزال قائمة. اعترفت تيك توك بأن بعض النسخ الاحتياطية من بيانات المستخدمين الأمريكيين سوف تظل مخزنة في الصين وسنغافورة. وأظهر تقرير نُشر في موقع Buzzfeed هذا العام أن بيانات المستخدمين الأمريكيين لا يزال من الممكن الدخول إليها عن طريق موظفي شركة ByteDance في الصين.
تشير تقارير إلى أن منصة تيك توك دخلت في محادثات مع وزارة الخزانة الأمريكية حول اتفاق لمعالجة مثل هذه الشواغل، تتيح للمنصة بموجبها استمرار تقديم خدماتها في الولايات المتحدة.
مخاوف من نشره للمعلومات المضللة
يحذر الخبراء بصورة متزايدة من انتشار المعلومات المضللة على منصة تيك توك، بما في ذلك ما حدث خلال الحرب في أوكرانيا. وجدت دراسة حديثة حول الانتخابات في كينيا أن 130 فيديو على منصة تيك توك شوهدت 4 ملايين مرة، وعرضت معلومات مضللة حول الانتخابات أو خطابات كراهية مرتبطة بالتصويت.
مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، تتركز كل الأعين على منصة تيك توك، في ظل ما تواجهه من أكبر اختبار على الإطلاق لتعاملها مع المعلومات المضللة: قالت أوليفيا ليتل، الباحثة التي تدرس المعلومات المضللة في منصة تيك توك لدى مجموعة Media Matters for America البحثية: “هذا العام سيكون أسوأ بكثير مع اقترابنا من التجديد النصفي. فقد كانت هناك زيادة هائلة في أعداد المستخدمين، وهو ما يعني وحسب أنه سيكون هناك معلومات مضللة أكثر على منصة تيك توك في حاجة إلى العمل على وقفها بصورة استباقية، أو أننا سنخاطر بمواجهة أزمة أخرى”.
قالت منصة تيك توك إنها اتخذت العديد من الخطوات لدعم الصحة العقلية للمستخدمين، بما في ذلك إدخال أدوات جديدة “تروج للتسامح” على التطبيق، مثل المُرشحات التي تتيح للمستخدمين تصفية التعليقات المسيئة، والأمر التلقائي المنبثق الذي يطلب من المستخدمين “إعادة النظر” في ترك تعليقات تنتهك قواعد الإرشاد.
وقالت الشركة إن شواغل الأمن القومي الخاصة بالمُشرعين الأمريكيين مبالغ فيها، وجادلت بأن المنصة لا تشارك بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية وأنها تستخدم “مجموعة من التقنيات والآلاف من اختصاصيي السلامة والأمان” لتحديد الفيديوهات التي تنتهك السياسات، بما في ذلك المحتوى المتطرف، وحذف هذه الفيديوهات.
وأوضحت الشركة أنها من أجل التصدي لانتشار المعلومات المضللة حول الانتخابات على منصتها، تقدم معلومات صحيحة حول الانتخابات وتدخل في شراكات مع وكالات التحقق من الحقائق المستقلة التي تساعد في إدارة سياسات الإشراف على المحتوى المتعلق بالانتخابات. وفقاً لتقارير الشفافية، حذفت المنصة 350 ألف فيديو مرتبط بالمعلومات المضللة حول الانتخابات في النصف الثاني من عام 2020.
عربي بوست ترجمه