هل ولت المكاسب الضخمة لعمالقة التكنولوجيا بلا رجعة؟


غيوم قاتمة تخيم على أرباح الخمسة الكبار في وادي السليكون للربع الثالث وسط اضطراب الأسواق

كفاية أولير صحافية

قد يمثل هذا الأسبوع نهاية حقبة التقنية العالية كما عرفناها على مدار العقد الماضي بعدما ارتفعت خلاله أسعار الأسهم في شركة “ألفابيت” التي تمتلكها “غوغل” و”أبل” و”ميتا” (فيسبوك سابقاً) و”مايكروسفت” و”أمازون” في المتوسط ​​ 7.5 ضعف منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2012، أي ثلاثة أضعاف الزيادة في مؤشر “أس آن بي 500” (يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أميركية من بنوك ومؤسسات مالية)، و6.5 أضعاف ارتفاع مؤشر “فوتسي” 100 (يضم أسهم أكبر 100 شركة بريطانية في بورصة لندن). 

كما ارتفعت المبيعات كل عام وكان التوظيف بلا هوادة، وامتيازات الموظفين باهظة، والصناعات مقلوبة ومبتلعة حسب الأصول، اثنتان فقط من تلك المجموعة هما “أبل” و”مايكروسوفت” أصبحتا من الضخامة لدرجة أن ثروتيهما مجتمعتين تبلغ (4.1 تريليون دولار) أي أكثر من 2000 شركة مجتمعة مدرجة في سوق لندن (أربعة تريليونات دولار). 

الفصل الأخير للفقاعة الفائقة 

ومع ذلك في هذا الأسبوع، عندما تكشف كل من هذه الشركات العملاقة عن النتائج المالية للربع المنتهي في سبتمبر (أيلول)، يمكن أن تعترف أخيراً بما تواجهه بالفعل، بينها التضخم المرتفع، ونهاية تحفيز “كوفيد” وارتفاع أسعار الفائدة، وعوامل أخرى جددت توقعات جيريمي غرانثام المستثمر البريطاني والشريك المؤسس وكبير استراتيجيي الاستثمار في غرانثام، هذا الصيف بأن نرى “الفصل الأخير للفقاعة الفائقة”، مضيفاً “الأسوأ لم يأت بعد”. 

وباستثناء “ميتا” التي لديها تحديات فريدة وشهدت بالفعل انخفاضاً في سعر سهمها بنسبة 60 في المئة منذ بداية العام، فإن بقية الشركات الخمس العملاقة صمدت بشكل جيد نسبياً، فقد استمرت في النمو وإن كان أبطأ من ذي قبل، وما زالت تقوم بالتوظيف وإن كان بمعدل أقل جنوناً.  

ومع تراكم الأخبار الاقتصادية السيئة يستعد المستثمرون لمواجهة أسوأ مخاوفهم التي تتمثل في أن أيام التقنية العالية ولت، أو في أحسن الأحوال، قد تتوقف موقتاً. 

وقال دان آيفز، المحلل في “ويد بوشط سكيوريتيز” في نيويورك، لـ”ذا تايمز”، إن “الشعور تجاه التكنولوجيا لم يكن بهذا السوء منذ عام 2008”. وكتب، “الطريق الأقل مقاومة في هذه السوق هو أن تكون هبوطية، إضافة إلى التركيز على الدمج أو الماكرو ومعدلات أعلى ونهاية الأموال السهلة، في وقت يرصد مراقبون لتقييمات أسهم التكنولوجيا أنها محكوم عليها بالفشل في المستقبل المنظور .” 

مخاوف الركود  

بدأ تصور السوق فعلياً في التحول، حيث انخفض مؤشر كل من “أمازون” و”ألفابت” بنحو 30 في المئة خلال العام الماضي بالتزامن مع مؤشر “ناسداك” التكنولوجي الثقيل، وانخفض مؤشر “مايكروسوفت” بنسبة 23 في المئة، وقد تكون النتائج السيئة بمثابة التخلص من آخر مرحلة من التهالك الحاصل اليوم وإغراق السوق الأوسع.

 وفي الصيف الماضي شكلت أكبر خمسة أسهم في مجال التكنولوجيا ما يقرب من ربع القيمة المجمعة لمؤشر “أس آند بي 500″، وعلى رغم ذلك يصعب تجاهل الغيوم المتجمعة، فقد غرد رئيس “أمازون” جيف بيزوس الأسبوع الماضي قائلاً إن الوقت قد حان “لتضييق الخناق”، حيث بدا الركود محتملاً بشكل متزايد.

وفي هذا الشهر، حذر آندي جاسي الرئيس التنفيذي لـ “أمازون ويب” الموظفين “من انخفاض مضاعف في الاقتصاد”، وعلى رغم أن الشركة لم تطلق حتى الآن عمليات تسريح واسعة النطاق للعمال في صفوفها التي تضم 1.6 مليون عامل، لكن جاسي اعترف بالتوسع المفرط في الوباء وأحدث نغمة مختلفة بشكل ملحوظ عن بيزوس، الذي ظل لعقود يطارد النمو على حساب الأرباح. 

انخفاض أرباح “ألفابيت” منذ 18 عاما 

وفي “ألفابيت”، ألمح الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي إلى تسريح العمال الشهر الماضي، قائلاً إن هدفه هو “معرفة كيفية جعل الشركة أكثر إنتاجية بنسبة 20 في المئة”، كما لم يستخدم فأس التسريح بعد، فهو يستخدم مشرطاً بدلاً من ذلك.

وهذا الصيف، فرض تجميد التوظيف لمراجعة احتياجات التوظيف، ورصد المحللون في “بانك أوف أميركا” ميريل لينش أخيراً انخفاض ما يقرب من 70 في المئة من فرص العمل (2500 فرصة عمل مدرجة في غوغل كارير) عن ذروتها في أبريل (نيسان)، كما قلص البنك تقديرات أرباح الشركة لعام 2023، مما أدى إلى انخفاض أرباحها بنسبة ثمانية في المئة إلى 81 مليار دولار وسيكون هذا أول انخفاض خلال 18 عاماً منذ التعويم. 

انهيار أسهم “مايكروسفت” وتسريح الآلاف 

كما فاتت “مايكروسفت” تقديرات مبيعات وأرباح “وول ستريت” في يوليو (تموز)، لكنها نجت من انهيار أسعار الأسهم بشكل أعمق بعدما أعادت تأكيد التوجيه لبقية العام، ومنذ ذلك الحين ومع ذلك ساءت الأخبار الاقتصادية، حيث أفادت أنباء الأسبوع الماضي أن الشركة سرحت ما يقرب من 1000 من موظفيها البالغ عددهم 180 ألف موظف، لقد كان قطعاً ضحلاً، لكن هناك توقعات بأن الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا قد يضطر إلى التعمق أكثر. 

أول انخفاض في أرباح “ميتا” وتجميد التوظيف 

يمكن أن تكشف “ميتا” أيضاً عن انخفاض آخر في الأرباح عندما تعلن يوم الأربعاء أداءها، بعد الكشف عن أول انخفاض لها على الإطلاق خلال يوليو، فإلى جانب التباطؤ الاقتصادي تكافح الشركة مع صعود منافستها “تيك توك” والضربة التي لحقت بأعمالها الإعلانية من برنامج “أبل” لمكافحة التتبع، والرهان المكلف للرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ على “ميتافيرس”، الذي جمد التوظيف هذا الصيف، وأشار إلى أن تخفيضات أعمق يمكن أن تكون في انتظار موظفيها البالغ عددهم 72000 موظف.

وقالت ديبرا أهو ويليامسون من “إنسايد إنتليجينس”، “عديد من جوانب أعمالها في حال من الفوضى، وآفاقها على المدى القريب لا تبدو واعدة بعد تقرير أرباح سيئ في الربع الثاني، لا نتوقع أن يكون الربع الثالث أفضل. من الممكن جداً أن يكون الأمر أسوأ بكثير”. 

إن مشهد” ألفابيت” و”ميتا”، الذي سرق على مدى سنوات أفضل المهندسين بعروض من سبعة أرقام ومزايا وافرة، يسعون الآن إلى التفوق على بعضهم بعضاً في هذا العصر الجديد من التقشف، فعلى سبيل المثال، قال زوكربيرغ للعاملين هذا الصيف، “من الناحية الواقعية، ربما تكون هناك مجموعة من الأشخاص في الشركة لا ينبغي أن يكونوا هنا.” 

“أبل” توقفت عن إنتاج قطع الغيار 

أما “أبل” فتقف صامدة حتى الآن، وبمفردها ظلت أسهمها دون تغيير تقريباً وسط الفوضى التي شهدتها الأشهر الـ 12 الماضية، وتوقع بنك “باركليز” الأسبوع الماضي أن تتغلب الشركة على توقعات “وول ستريت” عندما تنشر بياناته المالية للربع الأخير من العام. 

والسؤال هو ما إذا كانت الشركة العملاقة التي تبلغ قيمتها 2.3 تريليون دولار ستكون قادرة على الاستمرار في بيع منتجاتها الفاخرة بشكل استثنائي في حال انزلق الاقتصاد الأميركي إلى الركود، في حين أفاد موقع أخبار التكنولوجيا “ذا إنفروميشين” الأسبوع الماضي أن الشركة أمرت أحد مورديها الصينيين على الأقل بالتوقف الفوري عن إنتاج قطع غيار لجهاز (آي فون14 بلس)، الذي كشف عنه قبل أقل من شهر بسعر يبدأ من 900 دولار. 

وما يمكن الجزم به بعد رصد أداء هذه الشركات وفي ظل الحديث عن إمكانية إنزلاق أكبر اقتصاد في العالم إلى الركود، هو أنه عندما “تنفجر الفقاعات”، فلن يفلت أحد من الأذى حتى عمالقة التكنولوجيا.