حرب أوراسيا الكبرى: عودة إلى جنكيزخان 


بوتين أعلن صراحة أن المعركة تتجاوز أوكرانيا إلى صراع بين “نموذجين لإدارة العالم”

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

حرب روسيا على أوكرانيا تدخل فصلاً جديداً بالغ الخطورة، ولكن في كتاب واحد: حلم “أوراسيا الكبرى”. وليس قصف البنية التحتية في كييف ومدن عدة بصواريخ بعيدة المدى، مجرد رد على تفجير الجسر الرابط بين شبه جزيرة القرم والبر الروسي. ولا شيء يردع الرئيس فلاديمير بوتين عن التصعيد إلى الحد الأقصى، إن بقي الغرب الأميركي والأوروبي يكتفي بإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا من دون أن يتقدم خطوة نحو إبداء الاستعداد للمواجهة المباشرة في ميدان أوسع من جغرافية أوكرانيا. هو يعرف المعادلة التي أشار إليها كيث غبسون في مجلة “نيويوركر”، “إذا خسر بوتين ستنشأ روسيا مختلفة، وإذا ربح ستنشأ أوروبا مختلفة”. لا بل أن بوتين قال بصراحة إن الحرب تتجاوز أوكرانيا إلى صراع بين “نموذجين لإدارة العالم”.

في الأساس “إنكار وجود أوكرانيا كبلد وشعب هو نوع من حرب إبادة”، كما يقول أستاذ التاريخ والقضايا الكونية في جامعة ييل تيموتي سنايدر في “فورين أفيرز”. ومن هنا الانتقال في الإعلان عن تكبير الهدف من ضم المناطق الأربع واعتبارها أرضاً روسية “محررة”، إلى “تفكيك النظام السياسي” في أوكرانيا، بحسب مجلس الأمن القومي بلسان نائب رئيسه ديمتري ميدفيديف. وليس تفكيك النظام سوى اسم مستعار لإنهاء البلد.

ذلك أن مشروع “نوفو روسيا” هو مرحلة على الطريق إلى “أوراسيا الكبرى”، حتى العقيدة الجديدة حول السياسة الخارجية فإنها تضمنت من بين أمور عدة، “الدعم لكل روسي أو ناطق بالروسية في الخارج وضمان مصالحهم، والحفاظ على هويتهم”. كيف؟ بالضم والحرب أم بالنفوذ على الطريقة الإيرانية؟ وأوكرانيا كدولة مستقلة عقبة أمام المشروع الأوراسي الذي يؤكد بوتين أن تحقيقه هو “المهمة التاريخية لروسيا”. وإذا كان ألكسندر دوغين داعية الأوراسية البارز حالياً، فإن نيكولاي تروبيتزكوي المعادي للنزعة الأوروبية دعا المثقفين في كتاب “أوروبا والإنسانية” في عشرينيات القرن الماضي أيام الاتحاد السوفياتي، إلى تحرير أنفسهم من التعلق بأوروبا، والتركيز على “إرث جنكيزخان” لإنشاء دولة روسية أورو – آسيوية، فما هو إرث جنكيزخان؟

آيسي زاراكول أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كامبريدج، أصدرت أخيراً كتاباً بعنوان “صعود الأنظمة الشرقية العالمية وسقوطها”. كان من دوافعها تسليط الضوء على جانب أهمله بالقصد الأوروبيون، الذين يعتبرون أن ما يحدث في أوروبا هو تاريخ العالم، ولا تاريخ لما يحدث خارجها. وهي نقضت النظرة الأوروبية التي سجلت عام 1648 كبداية للعلاقات الدولية من خلال مؤتمر وستفاليا بعد حرب الـ30 عاماً ونشوء “النظام الوستفالي”، حول احترام حدود الدول وسيادتها.

البداية، في رأيها، كانت قبل ذلك عام 1206 حين أعلن جنكيزخان نفسه إمبراطوراً على كل شعوب أوراسيا، من المجر إلى الصين، وأنشأ “نظام تشيتفيريد” وأقام علاقات مع جيران إمبراطوريته. (جنكيزخان هو تشيتغيزخان باللغة المونغولية). كان هذا النظام العالمي الأول. والنظام الثاني جاء مع إمبراطورية تيمورلنك وسلالة مينغ في الصين. والثالث مع السلطة العثمانية والإمبراطورية الصفوية. وهي سبقت وستفاليا ودامت 500 عام، أي أكثر منها.

والمطلب الأول لدوغين من بوتين كان الخروج من “النظام الوستفالي” لإقامة “النظام الأوراسي”، وهو ما بدأ بوتين تطبيقه على الأرض. أولاً عبر ضم القرم، وثانياً عبر حرب أوكرانيا. والآتي أعظم. وليس من السهل بالطبع تحقيق النظام الأوراسي الذي تقوده الإمبراطورية الروسية، ولو احتل بوتين أوكرانيا بعد تدميرها. فكيف يحكم شعب يهرب شبابه إلى الخارج من دعوة الاحتياط إلى الخدمة في الجيش، شعباً يعود شبابه من الخارج إلى أوكرانيا ليقاتلوا المحتل الروسي؟ فضلاً عن أن مشكلة روسيا ستكون مع الصين المؤهلة أكثر منها لإدارة النظام الأوراسي وعلاقاته العالمية. وقديماً قال الشاعر: وتقدرون فتضحك الأقدار.

اندبندت عربيه