تطمح دول الشرق الأوسط من قمة المناخ المقبلة في مصر أن تقدم حلولاً عاجلة لإنقاذ المنطقة من الخطر الذي يهدد وجودها ذاته، فهل لا يزال الوقت سانحاً أم أن قطار النهاية المحتومة قد انطلق بسرعته القصوى؟
ورغم أن التغير المناخي يهدد حياة البشر على الأرض بشكل عام، إلا أن هناك دولاً تواجه خطر الاختفاء (أو الانقراض بحسب تعبير ممثل تلك الدول قبل قمة المناخ الماضية في إسكتلندا) لوجودها في أعلى قائمة المعرَّضين للطقس المتطرف من ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة وفيضانات وارتفاع منسوب البحار والمحيطات.
وتوجد دول من منطقة الشرق الأوسط تنتمي لتلك القائمة المهددة بالزوال، كما أن تقريراً أصدره البنك الدولي مؤخراً قد ألقى مزيداً من الكآبة على مصير دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أظهر أن معدلات الارتفاع في درجة حرارة المنطقة أعلى بأضعاف من المعدلات العالمية.
وألقى تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية الضوء على الكارثة التي تتهدد المنطقة، عنوانه “دول الشرق الأوسط استيقظت على الأضرار الناجمة عن التغير المناخي”، رصد تداعياتها وكيفية التحرك العاجل للإنقاذ قبل فوات الأوان.
الشرق الأوسط.. حرارة مرتفعة وجفاف مستدام
يعد الشرق الأوسط من أكثر المناطق عرضة لتأثير تغير المناخ في العالم، وقد بدأت تظهر آثاره بالفعل، إذ ارتفعت درجات الحرارة في المنطقة بشكل أسرع بكثير من المتوسط العالمي في العقود الثلاثة الماضية. انخفض هطول الأمطار، ويتوقع الخبراء أن حالات الجفاف ستأتي بتواتر وشدة أكبر.
ففي العراق، تسببت العواصف الرملية المكثفة في خنق المدن مراراً هذا العام، ما أدى إلى إغلاق التجارة وإرسال الآلاف إلى المستشفيات. ويؤدي ارتفاع ملوحة التربة في دلتا النيل بمصر إلى تدمير الأراضي الزراعية المهمة. وفي أفغانستان، ساعد الجفاف في تأجيج هجرة الشباب من قراهم بحثاً عن وظائف. في الأسابيع الأخيرة، تجاوزت درجات الحرارة في بعض أجزاء المنطقة 50 درجة مئوية.
وعلى وقع هذه الحقائق المرعبة، يُعقد مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ هذا العام في مصر، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لتسليط الضوء على المنطقة. وقد تنبهت الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى مخاطر تغير المناخ، لا سيما الضرر الذي يلحقه بالفعل باقتصاداتها.
كان بحث أجرته BBC مؤخراً قد أشار إلى أن عدد الأيام فائقة الحرارة التي تشهدها مناطق متفرقة من العالم سنوياً، وهي الأيام التي تتعدى فيها درجات الحرارة 50 درجة مئوية (م)، قد تضاعف منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتوصّل البحث أيضاً إلى أن درجات الحرارة شديدة الارتفاع أصبحت تسجل في مناطق متزايدة من الكرة الأرضية.
وحسب النتائج التي كشف عنها البحث، ازداد العدد الإجمالي للأيام التي تجاوزت فيها درجات الحرارة 50م في كلٍّ من العقود الأربعة الماضية، فبين عامي 1980 و2009، تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية مدة 14 يوماً في المتوسط، ولكن العدد ارتفع إلى 26 يوماً بين عامي 2010 و2019. وفي الفترة ذاتها، سجّلت درجات تتجاوز 45م في أسبوعين إضافيين كل سنة بالمعدل.
وعلى الرغم من أن تداعيات التغير المناخي تصيب العالم أجمع، إلا أن تآكل شواطئ بلدان المغرب العربي، على سبيل المثال، هو الأسرع عالمياً، إذ كشفت دراسة البنك الدولي حول التداعيات الاقتصادية لتآكل السواحل في هذه المنطقة عن أن شواطئ دول المغرب العربي، لا سيما تونس والمغرب وليبيا تتآكل بوتيرة أسرع مقارنة بباقي المناطق الأخرى في العالم.
وخلصت الدراسة إلى أن شواطئ في منطقة المغرب العربي تآكلت بمعدل متوسط يبلغ 15 سنتيمتراً سنوياً ما بين عامَي 1984 و2016، بينما بلغ المتوسط العالمي لتآكل الشواطئ، خلال الفترة نفسها، حوالي 7 سنتيمترات سنوياً.
ماذا تريد دول المنطقة من قمة المناخ في مصر؟
على الرغم من أن دول المنطقة قد انتبهت أخيراً إلى مدى الخطر الذي يواجهها بسبب تغير المناخ، فتعمل مصر والمغرب ودول أخرى في المنطقة على تكثيف مبادرات الطاقة النظيفة، إلا أن الأولوية القصوى بالنسبة لها في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ هي الضغط من أجل المزيد من التمويل الدولي لمساعدتها على التعامل مع الأخطار التي تواجهها بالفعل بسبب تداعيات التغير المناخي.
أحد أسباب ضعف الشرق الأوسط هو أنه ببساطة لا يوجد فيه هامش لتخفيف الضربة التي يتعرض لها ملايين الأشخاص مع تسارع ارتفاع درجات الحرارة. فالمنطقة تتعرض بالفعل لدرجات حرارة عالية، ولديها موارد مائية محدودة حتى في الظروف العادية.
وأشار صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في وقت سابق من هذا العام إلى أن حكومات الشرق الأوسط لديها أيضاً قدرة محدودة على التكيف. الاقتصادات والبنية التحتية ضعيفة، واللوائح في كثير من الأحيان غير مطبقة.
وينتشر الفقر على نطاق واسع، ما يجعل خلق فرص العمل أولوية على حماية المناخ. والحكومات الأوتوقراطية مثل مصر تقيد بشدة المجتمع المدني، ما يعوق أداةً مهمة في إشراك الجمهور في القضايا البيئية والمناخية.
في الوقت نفسه، تضغط الدول الكبرى على دول في الشرق الأوسط وأماكن أخرى لإجراء تخفيضات في انبعاثات الكربون، حتى في الوقت الذي تتراجع فيه هي نفسها عن الوعود.
ومع ازدياد حرارة المنطقة وجفافها، حذرت الأمم المتحدة من أن إنتاج المحاصيل في الشرق الأوسط قد ينخفض بنسبة 30% بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن تخسر المنطقة ما بين 6% و14% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب ندرة المياه، وفقاً لتقرير البنك الدولي. وفي مصر، انخفض هطول الأمطار بنسبة 22% في الأعوام الثلاثين الماضية.
ومن المتوقع أن تصبح حالات الجفاف أكثر تواتراً وشدة. شهد شرق البحر الأبيض المتوسط مؤخراً أسوأ موجة جفاف له منذ 900 عام، وفقاً لوكالة ناسا، وهي ضربة قوية لدول مثل سوريا ولبنان؛ حيث تعتمد الزراعة على هطول الأمطار. ويفرض الطلب على المياه في الأردن ودول الخليج العربي ضغوطاً غير مستدامة على طبقات المياه الجوفية. وفي العراق، تسبب الجفاف المتزايد في زيادة العواصف الرملية.
في الوقت نفسه، يؤدي ارتفاع درجة حرارة المياه والهواء إلى زيادة تواتر الأحداث المناخية الشديدة والتي غالباً ما تكون مدمرة، مثل الفيضانات القاتلة التي تضرب السودان وأفغانستان بشكل متكرر.
هل للضرر المناخي تداعيات اجتماعية خطيرة؟
قال كريم الجندي، الزميل المشارك في تشاتام هاوس، إن العديد من أولئك الذين فقدوا سبل العيش التي كانوا يكسبونها من قبل في الزراعة أو السياحة سينتقلون إلى المدن بحثاً عن وظائف. وأضاف الجندي، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، لوكالة الأنباء الأمريكية، إن ذلك من المرجح أن يؤدي إلى زيادة البطالة في المناطق الحضرية، وإرهاق الخدمات الاجتماعية، ويمكن أن يزيد التوترات الاجتماعية ويؤثر على الأمن.
إن تكييف البنية التحتية والاقتصادات لمواجهة الضرر سيكون مكلفاً للغاية: ما يعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة كل عام على مدى السنوات العشر المقبلة، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. ويجب أن يتجه الإنفاق نحو كل شيء بدءاً من إنشاء أنظمة أكفأ لاستخدام المياه وأساليب زراعية جديدة، إلى بناء الحماية الساحلية، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، وتحسين حملات التوعية.
لذا فإن إحدى الأولويات القصوى للشرق الأوسط والدول النامية الأخرى، في مؤتمر الأطراف لهذا العام، هي الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا والدول الأكثر ثراءً، للوفاء بوعودها الطويلة لتزويدها بالمليارات من التمويل المناخي.
حتى الآن، أخفقت الدول المتقدمة في الوفاء بتلك الوعود. علاوة على أن معظم الأموال التي قدموها قد ذهبت لمساعدة البلدان الفقيرة على دفع تكاليف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من أجل “التخفيف”، بمصطلحات الأمم المتحدة، بدلاً من “التكيف”.
بالنسبة لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، فإن الموضوع الرئيسي الذي كرره مسؤولو الأمم المتحدة والمضيفون المصريون ونشطاء المناخ هو تنفيذ الالتزامات. يهدف المؤتمر إلى دفع الدول إلى توضيح كيفية تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الموعودة، والتوصل إلى تخفيضات أعمق، حيث يقول الخبراء إن الأهداف كما هي الآن ستظل تؤدي إلى مستويات كارثية من الاحترار.
سوف ترغب الدول النامية أيضاً في أن تُظهر الدول الأكثر ثراءً كيف ستفي بوعدها من مؤتمر الأطراف الأخير بتقديم 500 مليار دولار في تمويل المناخ على مدى السنوات الخمس المقبلة، وضمان أن نصف هذا التمويل على الأقل مخصص للتكيف وليس التخفيف.
ومع ذلك، تهدد الأحداث العالمية بتقويض الزخم حول مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ. فيما يتعلق بخفض الانبعاثات، دفع الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة العالمية والحرب في أوكرانيا بعض الدول الأوروبية إلى العودة إلى استخدام الفحم لتوليد الطاقة، رغم إصرارها على أنها مجرد خطوة مؤقتة. ويوجد في الشرق الأوسط أيضاً العديد من البلدان التي تعتمد اقتصاداتها على موارد الوقود الأحفوري (المملكة السعودية والخليج بشكل واضح، لكن أيضاً مصر)، مع إنتاجها المتزايد من الغاز الطبيعي.
الخلاصة هنا هي أن استمرار التضخم واحتمال حدوث ركود قد يجعل الدول الكبرى مترددة في التعهد بالتزامات تمويل المناخ، ما يجعل مهمة دول الشرق الأوسط أكثر صعوبة خلال قمة المناخ المقبلة في مصر.