المصدر:
الامارات اليوم
– محمد سالم آل علي
لعل أهم ما يتّسم به عالم اليوم هو تسارع الابتكارات إلى الدرجة التي أصبحت فيها عصيّة على العدّ والإحصاء، فكل يوم يأتينا جديدٌ ومستحدث، وقد نسمع في الصباح عن فكرة يمحوها المساء بأخرى أكثر تطوراً وعملية؛ حتى بات يومنا الذي ينقضي بمثابة ماضٍ بعيد إذا ما قورن بقادمات الأيام وما تحمله من حال وأحوال.
وما من برهان على ذلك أوضح من اللاحقة «الرقمي أو الرقمية»، التي سادت في معظم كلامنا وأحاديثنا، فما من مفهوم عرفناه إلا ولازمته؛ فالحكومات أصبحت رقمية، وكذلك المعرفة والاقتصاد، وما يتفرع عنهما من خدمات ومنصّات وقنوات للتواصل، وحتى العملات أضحت رقمية أيضاً؛ والحاجة اليوم تُلح على ضرورة توضيح المفاهيم وتبسيطها أمام عموم الناس، فالمصطلحات وفيرة، والمفردات هي الأخرى غزيرة، وهي جميعها تستلزم قسطها من الشرح والتعليل، وما من منبر أفضل لذلك سوى منبر الصحافة والإعلام.
إن هذه المقدمة، وإن طالت نوعاً ما، تقودني للحديث عن مصطلح جديد بدأ يتردد صداه في عالم المال والأعمال، ألا وهو «الشيكات الرقمية»، باعتبارها أحد منتجات التحول الرقمي للأنظمة المصرفية.
ولجلاء الصورة أقول إن الشيك الرقمي هو عبارة عن نظير إلكتروني مكافئ للشيك الورقي التقليدي، إلا أنه يُنفّذ جميع عمليات كتابة الشيك وتوقيعه وصرفه وإيداعه بشكل إلكتروني وعبر شبكة آمنة للاتصال، أي أنه أداة جديدة للدفع الإلكتروني، ووسيلة لا ورقية لتسوية المعاملات المالية والصفقات عبر الإنترنت، وهو أكثر سرعة وأماناً من نظيره التقليدي، وذلك لما يتمتع به من ميزات متطورة، كالتوقيع الرقمي والمصادقة والتشفير.
تستند فكرة الشيك الرقمي بالمقام الأول على وجود منصة للخدمات المصرفية عبر الإنترنت، تتوافر فيها خدمة إيداع الشيكات الرقمية، كالموقع الإلكتروني أو تطبيق المحمول، حيث يتمثل دور المتعامل بتعبئة نموذج الشيك، بينما يقوم البنك، ومن خلال قواعد البيانات الخاصة به، بالتحقق من صحة المعلومات البنكية، كالرصيد والتوقيع وغيرهما، وفي حال تمت المصادقة عليها، يقوم البنك بإيداع المبلغ مباشرة في حساب المستفيد أو المدفوع لأمره.
طبعاً هذه العملية تتم إلكترونياً بالكامل، وعبر نظام حاسوبي معقد، يمكن اعتباره بمثابة نظام متطور للذكاء الاصطناعي، يرتكز على تقنيات التشفير وسلاسل الكتل (البلوك تشين)، ويعمل على معالجة جميع البيانات بسرعة فائقة، وفي أي ساعة من ساعات اليوم.
والمزايا هنا كثيرة ويصعب سردها، فالشيكات الرقمية تُحرر وتُصرف إلكترونياً عبر تقنيات التشفير الرقمي، ولا مجال فيها للتحايل والتزوير، والأهم أن البنك يتحقق إلكترونياً من تاريخ المتعامل قبل إصدارها، وبالتالي فهو يضمنها ويمنع ما قد يكتنفها من إضمار وسوء نيّة.
أضف إلى ذلك أنه لا يقيّدها زمان أو مكان، وهي عابرة للحدود، وتختصر الوقت والجهد، كما أنها ستؤدي إلى اختفاء دفاتر الشيكات الورقية وتداعياتها البيئية، فضلاً عن كونها تحتفظ بذات القوة القانونية التي تتمتع بها الشيكات الورقية.
خلاصة القول هي أنه لا أحد يدري ما يحمله المستقبل لنا من جديد ومبتكر، ولربما يأتينا يوم تُصبح فيه معظم جوانب حياتنا رقمية وإلكترونية؛ غير أن الثابت الأكيد هو أننا سنكون الأكثر تأهباً وجاهزية، فنحن نحيا في دولة الإمارات، رائدة التفوق العلمي والتقني، ونعايش فيها جميع مسارات التحول الرقمي، مهتدين برؤى القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، التي ملأت جوانب الدهر مآثر وإنجازات.
مؤسس سهيل للحلول الذكية