لبنان المأزوم مدفوع بقوة السلاح لأن يكون “قاعدة أمامية مسلحة” لمشروع “ولاية الفقيه” الإيراني
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
تحديات لبنان المأزوم أكبر من طاقته، ولو كان معافى سياسياً واقتصادياً. تحديات ضمان الحد الأدنى من العيش لثلاثة شعوب على أرض صغيرة: لبناني، فلسطيني وسوري. أربعة ملايين لبناني. مليونا لاجئ ونازح فلسطيني وسوري. ولا حل في الأفق لمشكلة أي شعب. لبنان ينهار أمام عيون المافيا المتحكمة به، والعالم الذي يريد مساعدته خوفاً عليه ومنه. حروب إسرائيل دفعت الفلسطينيين إليه كلاجئين. وحرب سوريا أجبرت السوريين على النزوح إليه كما إلى الأردن وتركيا وبلدان أخرى. وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين (أونروا) تعبت على مر العقود وأتعبت اللاجئين. الوكالات التابعة للأمم المتحدة والجمعيات الأهلية في لبنان والعالم تقدم الممكن الأقل من الضروري للنازحين السوريين. واللبنانيون صاروا في حاجة إلى غوث ومساعدات بعدما أصبح 80 في المئة منهم تحت خط الفقر بموجب إحصاءات “الإسكوا”.
لبنان، بحسب التقرير الأخير للبنك الدولي، في “كساد متعمد واسع النطاق وكبير الحجم، وسط إنكار كبير، يؤدي إلى تفكيك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي السائد منذ نهاية الحرب الأهلية”. دخله القومي انخفض من نحو ستين مليار دولار إلى نحو عشرين ملياراً. سبعة من كل عشرة متخرجين من الجامعات عاطلون من العمل. الدين العام وصل إلى مئة مليار دولار. المصارف قامرت بودائع الناس في سندات خزينة لقاء أرباح مهمة لها، وسطت بدعم المصرف المركزي على الودائع. نسبة الغلاء وصلت إلى ألفين في المئة بسبب إنهيار الليرة أمام الدولار. وهذا البلد المأزوم مدفوع بقوة السلاح لأن يكون “قاعدة أمامية مسلحة” لمشروع “ولاية الفقيه” الإيراني. حكومته عاجزة أحياناً حتى عن الاجتماع، قبل التقرير والتدبير. القضاء يواجه عراقيل للهرب من التوصل إلى الحقيقة في الانفجار الرهيب الذي دمر مرفأ بيروت والمدينة. الممر الإجباري للإنقاذ عبر صندوق النقد الدولي ومن خلاله إلى المجتمع الدولي يتطلب إصلاحات مالية واقتصادية وإدارية وسياسية ترفض المافيا إجراءها لأنها تؤدي إلى وقف السرقة والهدر وإغلاق معابر التهريب. والطرف المسلح الذي يسعى لوراثة البلد سينقله من السيئ إلى الأسوأ في عزلة عربية ودولية.
في سوريا حرب لا تنتهي، وتسوية سياسية لا تبدأ. ومن دون التسوية، لا إعادة إعمار تكلف 800 مليار دولار بحسب تقدير الخبراء الروس، و530 مليار دولار بحسب المركز السوري لبحوث السياسات. الموفد الدولي غير بيدرسون، وهو الموفد الثالث منذ “بيان جنيف” عام 2012 يحاول عبثاً ترتيب مفاوضات التسوية لتطبيق القرار 2254، ويقول إن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تريدان التسوية، لكن التقدم على الأرض متوقف، بحيث يلجأ إلى ما سماها مبادرة “خطوة مقابل خطوة”. البلد ليس بلداً طارداً لثلث شعبه فحسب، بل بلد تصدير مرتزقة إلى ليبيا وأذربيجان وسواهما أيضاً، تتقاسم أرضه خمسة جيوش أجنبية. كل مطالبات لبنان بعودة النازحين السوريين إلى بلدهم بقيت دعوات في الهواء، لأن لا شيء يوحي بأن العودة ممكنة. والطفل الذي جاء به أهله إلى لبنان عام 2011 هو اليوم شاب بلا مستقبل، وإن كانت الأمم المتحدة تتولى كلفة تعليمه.
وفي فلسطين حل سياسي غائب، وبؤس سياسي واقتصادي حاضر. تجربة “أوسلو” لم تفتح باباً لعودة اللاجئين. وحل الدولتين في طريق مسدود، بحيث رفضته حكومات نتنياهو من موقع القوة لأطراف اليمين المتطرف والأشد تطرفاً، العلماني والديني، وتهرب منه حكومة نفتالي بينيت بحجة الهشاشة في تركيبتها بين أطراف معتدلة ومتطرفة جداً. اللاجئون الذين جاؤوا إلى لبنان عام 1948 صارت لهم أجيال وأجيال. الفلسطيني اللاجئ الذي يتخرج من الجامعات اللبنانية كطبيب أو مهندس أو محام لا يستطيع العمل في لبنان. وأوراق القوة داخل فلسطين لدى السلطة أعجز من فرض التسوية على إسرائيل. تقرير “معهد الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب والصادر أخيراً، يحذر من أن “اللاتسوية مع الفلسطينيين تعني حل الدولة الواحدة ونهاية إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية”. وفي حديث جرى قبل سنوات مع آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا فريدريك دي كلارك الذي اتفق مع نيلسون مانديلا، أجراه ناحوم برنياع ونشره أخيراً في “يديعوت أحرونوت” قال دي كليرك، “رفاقي الأغبياء رفضوا اقتراحي حل الدولتين: بيضاء وسوداء، وهذا ينطبق عليكم في إسرائيل، اتجهوا نحو حل الدولتين وإلا ستصبحون دولة أبارتهير”. مع ذلك، فإن التطرف الإسرائيلي لا يزال يرفض حل الدولتين، واللاجئين الفلسطينيين يعيشون على الأمل منذ “قرار العودة” في الأمم المتحدة عام 1949.
ولا أحد يعرف كيف ومتى تنتهي معاناة ثلاثة شعوب في بلد صغير منهار.