الإعلام العربي الجديد (2)

المصدر:

فيصل محمد الشمري

الامارات اليوم

إن المؤثرين اليوم لم يعودوا طبقة من المجتمع تنحصر في المشاهير من السياسيين أو العسكريين أو الإعلاميين والفنانيين، بل تجاوزتهم لتضم أشخاصاً عاديين اشتهروا لموقف، أو حركات، أو إيماءات بسيطة، منهم الإيطالي «خابي لام»، الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاماً، ويعد «ملك الشبكات الاجتماعية» في إيطاليا، بعد أن أسهمت في تحويله من عاطل عن العمل بعد الاستغناء عنه كعامل في مصنع بسبب تداعيات جائحة «كوفيدــ19»، خلال الإغلاق الأول في إيطاليا، وتحديداً في مارس 2020، حيث انضم إلى تطبيق «تيك توك»، وتحول بعدها إلى شخص مشهور وثري ومن مشاهير العالم على تطبيق «إنستغرام»، ولديه أكثر من 35 مليون متابع، و100 مليون على «تيك توك»، وأكثر من 1.4 مليار إعجاب، فمقاطعه القصيرة الساخرة من بعض المشاهير، أو الأشخاص العاديين، وقيامه بأمور لا تستدعي التعقيد أو تعد سخيفة، وبحركة من يديه ترمز لمغزى: «أرأيتم، إنها بهذه البساطة!»، ودون أن ينطق بكلمة واحدة، أشبه ما تكون بإيماءات شارلي شابلن؛ تجلب له السعد.

كما دفعت عامل نظافة عراقياً إلى تقليده، في رمزية لعرض امتعاضه من قيام البعض برمي أكياس القمامة بجانب الحاوية بدلاً من رميها في مكانها المخصص بداخلها، وإيصال العامل لرسالته بأسلوب طريف، مقتبساً حركات المؤثر الايطالي، ما يعكس عالمية المؤثرين وتأثيرهم الاقتصادي والثقافي عالمياً.

إن الاعلام العربي الجديد لايزال يفتقد صناعة مؤثرين إيجابيين كسفراء لإعلام اليوم، ولايزال البعض يعيش في أمجاد الأمس، مقتنعاً أن الاستوديو التلفزيوني أو الإذاعي هو بوابة الشهرة، وأن الكاميرا وفريق الإنتاج المتكامل دور مركب يستحيل على فرد منفرد أن يغطيه، بينما قصص مشاهير اليوم أثبتت أن هذا واقع الأمس، وأن تعريف الأثر الإعلامي والدعائي لهؤلاء غير مسبوق.

فما حققه المؤثرون عالمياً وإقليمياً يستحق دراسة تطوير صناعة متكاملة، فمن مذيع اشتُهر ببرنامج «من سيخسر المليون»، لضم ماركة عطور وأزياء وأراضٍ بقيمة جاوزت 200 مليون، وأخذه الكبر ليتحول إلى نموذج سلبي الأثر، ويسهم في قطع علاقات دول شقيقة، لتحوله إلى بوق مؤثر لتنظيمات إرهابية. ونماذج عربية أخرى إيجابية، منها النجاح المبهر الذي حققه منتسبو أكاديمية الإعلام الجديد (New Media Academy) من برنامج «فارس المحتوى»، وتمثل في تحقيق خريجي الدفعة الأولى منه نمواً بنسبة 693% في عدد المتابعين الإجمالي الذي جاوز 2.5 مليون متابع خلال أقل من عام.

ولعل من أبرز قصص النجاح التي سجلتها الأكاديمية في عامها الأول، ما حققته صانعة المحتوى ميثاء محمد من خلال عملها مع أكاديمية الإعلام الجديد، إذ تضاعف عدد متابعيها بنسبة 1300%، ليجاوز أكثر من 120 ألف متابع، وسجّل المحتوى الذي أنجزته حول القضايا الإنسانية خمسة ملايين مشاهدة، وكذلك صانع المحتوى أحمد المرزوقي الذي نجح بالتعاون مع الأكاديمية في زيادة عدد متابعي محتواه من 60 ألفاً إلى 500 ألف متابع خلال 10 أشهر، وتطور ليصبح صانع محتوى إبداعياً محترفاً ومتفرغاً.

إن دلالة تحديات صناعة رمزية الإعلام الجديد، وربطه بأفراد، وتسويقهم كمشاهير ومؤثرين عبر قنوات التواصل الاجتماعي والإنترنت تشكل تحدياً مركباً، فمن مشاهير خليجيين سوقوا لأدوية تسهم في خسارة الوزن، فتسببت بإصابات ووفيات، لا لشيء إلا للكسب المادي السريع، أو تلفظوا بألفاظ بذيئة أو قاموا بتصرفات مخلة جعلتهم بين مطرقة القانون وسندان الرفض المجتمعي، لكن جلبت لهم الشهرة والتهافت على حساباتهم، في تفاعل عكسي لما قد يتخيله البعض من الحالمين بوجود مواثيق أخلاقية في قنوات التواصل اليوم.

كذلك، فإن أقل إيماءة من المشاهير قد تسبب خسائر أو مكاسب هائلة، منها ما تسبب به نجم رياضي عالمي نتيجة إزاحته عبوة شركة مشروبات غازية، الراعي الرئيس لبطولة يشارك بها، وصُرفت عشرات الملايين لتوضع عبواتهم على طاولة مؤتمره الصحافي، فارتد عليهم الفعل، وتسبب بخسائر قدرت بأربعة مليارات في أسعار أسهم هذه الشركة العالمية المعنية. بينما نذكر قيام أحد أثرى أثرياء الأرض من المبدعين التقنيين بذكر اسم لعملة رقمية، وأنه «يفكر» في السماح بتداول سلع ينتجها، فارتفعت قيمة العملة ارتفاعاً صاروخياً غير مسبوق لمجرد تصريح بتفكيره!

إن الأثر لتصرفات هؤلاء المؤثرين المشاهير كبير ومركب ويصعب السيطرة عليه، ويتطلب تطوير منظومة متكاملة لترخيصهم وتنظيم عملهم، فمن السهل توجيه بعضهم لدعايات مضللة «بروباغندا»، ومن السهل استغلال بعضهم، إما لتفاهة المحتوى، أو دناءة المعنى، أو سهولة انقياده، فتأثيرهم المجتمعي هائل وأثرهم الاقتصادي قد يصل إلى حد تدمير سمعة مؤسسات ومصانع وشركات ورسالة، أو تسويق للوهم والنصب، كما يجب أن يتم تطوير ميثاق يعرف أخلاقيات مهنتهم، وما هو مسموح لهم وما هو مرفوض، فالإعلام العربي الجديد لم يعد محصوراً في استوديو أو منشآت صحافية تقليدية.. لنواكب العصر ونواجه التحدي.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد