حتى الآن.. لا تدري قوى المقاومة ولا السلطة من أين تؤكل كتف جو بايدن

بسام ابو شريف

آن الأوان لقادة الفلسطينيين سواء القادة القابعون في السلطة بشرعية أو بدون شرعية والقادة الذين يقاومون الاحتلال قدر إمكانهم وضمن الوسائل والتكتيكات التي اتبعت سابقاً وما زالت مستمرة.

آن الأوان لهم أن يتعلموا كيف يصنع الحدث وكيف نجبر الأمور والظروف أن تصبح طوع أيدينا من خلال تكتيكاتنا التي ننفذها لجر الأطراف المتنفذة في الشرق الأوسط على التحرك باتجاه تفعيل قرارات الشرعية الدولية دون أن نتغاضى لحظة عن حقوق الشعب الفلسطيني أو نساوم عليها أو أن نرضخ لإملاءات العدو.

لذلك نبدأ بالقول من هو صاحب القرار في الشرق الأوسط ؟.

صاحب القرار في الشرق الأوسط حتى الأن هو الولايات المتحدة الأمريكية.

حتى نكون واقعيين وافعلين علينا أن نرى الأمور والحقائق كما هي وليس كما نريدها نحن أو كما نتوهمها أو كما نحلم بها.

وحدد الرئيس جو بايدن أولويات في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ، واعتبر ان الشرق الأوسط ليس من أولوياته ولذلك يجب أن يركن جانباً وأن لا يتحرك اطلاقاً وأن يترك لإسرائيل حرية التصرف خلال ذلك الى ان تصبح الادارة الأمريكية وجهاً لوجه مع أزمة الشرق الأوسط لإيجاد حلول لها .

الحلقة المركزية في سياسة جو بايدن الشرق أوسطية هي :

تأجيل بحث قضية فلسطين تأجيلاً إستراتيجياً وهذا يعني ترك المجال لحليف الولايات المتحدة الحميم اسرائيل ان تتصرف بحيث تخلق أمراً واقعاً في الضفة الغربية من خلال التوسع الإستيطاني وتهجير الفلسطينيين من القدس وتهويد الأقصى الى آخره من الممارسات العنصرية الدموية التي تستهدف وجود الشعب الفلسطيني بأسره وحقوقه كاملة وحقه في الاستقلال وتقرير المصير والعودة والقدس.

ويغلف جو بايدن هذا الموقف بكلام معسول ووعود لا تنفذ للفلسطينيين ، ومنها مثلاً ، عندما أعلن جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستفتح قنصليتها في القدس خدمة للمعاملات مع الفلسطينيين ، وعندما رفضت تل ابيب ذلك صمتت واشنطن ولم تعد تثير هذا الموضوع إطلاقاً وكذلك عندما صمتت الإدارة الأمريكية أمام قرارات الحكومة الإسرائيلية للتوسع والتمدد الإستيطاني بشكل جنوني وشكل يدل بوضوح على رغبة هذه الحكومة في تهجير الفلسطينيين وتحويل الضفة الغربية الى يهودا والسامرة .

وصمتت الإدارة الأمريكية امام تهجير وقرارات تهجير الفلسطينيين من أحيائهم وبيوتهم في القدس الشرقية وصمتت الإدارة كذلك على إقتحامات المستوطنين المتطرفين وغير المتطرفين للمسجد الأقصى والتمدد التدريجي في هذه الإقتحامات بشكل يضع في باحات الأقصى مواقع للصلاة لليهود كأمر واقع بتحويل المسجد الأقصى الى كنيس أو شريك في الأقصى ككنيس يهودي.

ولم تعر الإدارة الأمريكية شكاوى السلطة الفلسطينية من احتجاز اسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية وحجزها تلك الأموال مما أوقع السلطة في ضائقة مالية أضافت للشظف والفقر في فلسطين ما أضافته الى جانب كميات المال التي تنهب عبر الفساد والفاسدين.

حجر الراحة في سياسة جو بايدن تجاه الشرق الأوسط هو عدم إطلاق النار ، أي وقف إطلاق النار ، طويل المدى ، ذلك الوقف الذي يعطي إسرائيل حرية التصرف في التمدد الاستيطاني وإضطهاد الأسرى الفلسطينيين وتعذيب الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه في تقرير المصير وحرمانه من حقه في أمواله وحرمانه في حقه من ثروات بلاده ، كل ذلك جزء لا يتجزأ من سياسة جو بايدن التي أعلنها وهي أن الدبلوماسية هي طريق الحلول وأن الأولوية ليست للشرق الأوسط.

جو بايدن يثير الأزمات مع روسيا ، بحيث يصبح الخلاف والصراع مع روسيا بند أساسي من بنود إستراتيجية الولايات المتحدة الخارجية ويحاول الوصول لإتفاقات مع الصين تعطي مصالح الولايات المتحدة ما تعطيه ويترك للصين ومصالحها ما يتركه ، لكن السياسة أولوياتها في البيت الأبيض هي تصعيد ضد روسيا وخلق عدو كطواحين الهواء من أجل حشد القوى الحليفة واستنزافها في مثل هذا الصراع وفي نفس الوقت التهادن مع الصين بحيث تحدث الخلل أو تحدث الإنشقاق في معسكر المواجهة للولايات المتحدة وسياسية القطب الواحد الذي يتحكم ويحكم الأمور في هذا العالم .

وكما نلاحظ فان بايدن أعطى كل الجهود للأمور الداخلية كإعادة بناء البنية التحتية الأمريكية وتمرير الدين العام لتمويل هذا المشروع الذي سيخلق فرص عمل هائلة في الولايات المتحدة سوف يسرع في التضخم المالي الذي قد يسبب إنهيارات اقتصادية يحاول بايدن تجنبها عبر علاقات مع من ينتج النفط والتحكم بأسعار النفط والتحكم بأسعار الغاز والصراع مع روسيا لمنعها من بيع الغاز لأوروبا و الحاق انهيارات اقتصادية بالمصالح الروسية وذلك بإثارة مشاكل سخيفة لا علاقة لروسيا بها كمشكلة المهاجرين الأكراد الذين نقلوا من العراق وسوريا الى بيلاروسيا والحدود البولندية وذلك بترتيب من الولايات المتحدة مع القيادات الكردية التي تخضع لإملاءات أمريكا في كردستان العراق وكردستان سوريا.

أمام هذا ماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا حتى يحركوا وحتى يقلبوا أولويات بايدن تماماً كما قلبوها أثناء معركة حامية عظيمة هي معركة سيف القدس.

يجب ان لا ننسى لحظة واحدة بأن معركة سيف القدس جعلت من بايدن لا يعطي جهداً الا لوقف إطلاق النار إنقاذاً لإسرائيل أثناء معركة سيف القدس ، لقد إتصل أكثر من ثمانين مرة حسب إعتراف البيت الأبيض بالإسرائيليين لوقف إطلاق النار ، واتصل كذلك أكثر من عشرين مرة بالرئيس السيسي وأعتبر أن المهمة المكلف بها السيسي كأساس وأولوية هو وقف إطلاق النار وتحويل وقف إطلاق النار المؤقت الى وقف وقف إطلاق نار دائم حتى يعطي بايدن فرصة لتكون قضية الشرق الأوسط قضية ليست على بند الأولويات في البيت الأبيض .

ما هو الهدف ، الهدف وقف إطلاق النار ، والهدف اطالة امد وقف اطلاق النار والهدف الهاء المقاومة بمفاوضات حول الأسرى وتبادل الأسرى وحول الإفراج وعدم الافراج ورفع وتصعيد المعاناة والعذاب للأسرى الفلسطينيين لتصبح قضية الأسرى هي قضيتهم وليس قضية مقاومة الاحتلال .

المطلوب ، هو منع بايدن من اعتبار الشرق الأوسط قضية ليست ذات اولوية.

المطلوب عدم الالتزام بوقف اطلاق النار ، وهنالك من الاسباب أكثر بكثير من تلك الأسباب التي أشعلت حرب سيف القدس لكي لا يتوقف اطلاق النار، فتهجير الشيخ جراح بدأ ، وتهجير سلوان مضت عليه شهور عديدة ، والان تجري الاعدادات لتهجير العيسوية ، وجبل المكبر وهنالك مخطط لتمديد وتوسيع المستوطنات بأكثر من 3500 وحدة سكنية أي ان ضم الضفة الغربية كما يجري في جبل صبيح ومناطق أخرى يسير على قدم وساق ضمن ما يسميه بايدن فترة الهدوء المطلوب لإبقاء الشرق الأوسط قضية ليست على جدول الأولويات.

لا تُؤكل كتف بايدن الا بمنعه من الاستمرار في خلق ظروف توحي بأن الشرق الأوسط ليس له الأولوية باهتمام الدول العظمى وليس على جدول القضايا الأكثر حساسية في هذا العالم والتي قد تشعل حروباً .

وكي يساعد بايدن والادارة الامريكية اسرائيل على التمدد والشعور بالراحة تجاه الوضع المستكين في فلسطين راحت تدفع باتجاه حلحلة بعض الأمور مع سوريا ، شكلا، كزيارة وزير خارجية الإمارات دمشق.

والايحاء بأن قمة الجزائر سوف تعيد سوريا لمقاعد الجامعة العربية، أي أن إدارة بايدن تريد أن تسحب سوريا من معسكر المواجه من معسكر المقاومة ، تحت ضغط إغراءات موعودة قد تأتي وقد لا تأتي.

لكن ، هذا الأمر لن ينطلي على أحد بالنسبة للقيادات الفلسطينية كما قلنا سواء تلك التي تجلس في مقاعد السلطة أو المقاومة للإحتلال ، عليها اتخاذ قرار تحويل معركة فلسطين الى معركة على جدول الأولويات لكل القوى العظمى ، وهذا الأمر لا يمكن أن يأتي الا عبر قرار في رفع مستوى المقاومة ورفض كل ما تتقدم به المخابرات المصرية من اقتراحات لوقف إطلاق النار وتمديده ليصبح بعيد المدى و لعشرات السنين.

إن تصعيد المقاومة والرد على إعتداءات اسرائيل بالشكل المناسب وليس بالكلام المناسب هو الطريق لتأجيج الصراع هنا وتحويل قضية فلسطين الى قضية أولوية رغم أنف البيت الأبيض وهذا الأمر سوف يشكل مشكلة كبيرة لجو بايدن الذي يخوض الان معركة التهدئة مع الصين ومعركة المصالح المشتركة مع الصين ومعركة التصعيد مع روسيا واعتبار روسيا العدو الرئيسي وتجنيد أوروبا للعداء ضد روسيا وكذلك لإقامة حلف عسكري يضم استراليا قائم على السلاح النووي لمواجهة الصين في المستقبل البعيد .

ان الشعب الفلسطيني يرى بوضوح أن رفض وقف إطلاق النار وكسر ما اتفق عليه ولم ينفذ هو الطريق لأكل كتف بايدن ، هو الطريق لإجبار بايدن على استخدام تلفونه مرة اخرى ، واجباره على الاتصال بالسلطة واجباره على البحث مع خلفائه في المنطقة في كيفية معالجة الأمر مرة اخرى ، بمعنى عليه أن يتعامل مع قضية الشرق الأوسط كأولوية .

كاتب وسياسي فلسطيني