خطة خطيرة لقطع لبنان عن العرب والغرب


ما يحدث هو خلق وصايات وحمايات وامتيازات ومراكز ممتازة لقوة مذهبية مرتبطة بقوى إقليمية تقودها إيران

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث في “منتدى فالداي” عن الحاجة إلى “حوار وبحث بين الأطراف اللبنانية على الاتفاق من دون قتال”. وليس واضحاً ما الذي يمكن أن يفعله سيد الكرملين الذي صار جار لبنان في سوريا، وسط التمني بأن يدعو إلى مؤتمر حواري في موسكو أو سوتشي برعايته. ولا أحد يجهل أن الأرضية المشتركة التي يحتاج إليها لبنان هي الاتفاق الوطني على بناء دولة يستحقها اللبنانيون بعد أن يعملوا على إنقاذ البلد من هاوية الأزمات العميقة. لكن الكل يرى ويسمع أن ما تعمل له جمهورية الملالي في إيران التي أنشأت “حزب الله” وسلحته وموّلته هو قطع لبنان عن أشقائه العرب وربطه بالمشروع الإقليمي الإيراني الذي اسمه المستعار “محور المقاومة والممانعة”. وليس تهديد السيد حسن نصر الله حزب “القوات اللبنانية” وكل اللبنانيين الرافضين للمشروع الإيراني بمئة ألف مقاتل سوى جانب من دور “رباعي” يلعبه “حزب الله”: دور الهيمنة على مؤسسات الدولة. دور ترهيب الوطنيين اللبنانيين من الطوائف كلها وقمع أي صوت معارض داخل الطائفة الشيعية. دور التهجم المستمر على السعودية وبقية دول الخليج والتهديد بضرب الوجود الأميركي، من أجل أن يصبح لبنان معزولاً عن العرب والغرب. ودور الانخراط العسكري والأمني في حرب سوريا وحرب اليمن، ومساندة الحشد الشعبي في العراق، وتشكيل “جمعيات” تعمل في مجالات معيّنة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

والصوت الصارخ منذ مدة هو الداعي لبنان إلى “الاتجاه شرقاً”. لماذا؟ تحت يافطة شعارين: الانتساب الكامل إلى “محور الممانعة”، والبحث عن مساعدات وأسلحة واستثمارات من إيران والصين وروسيا. وهذه تمارين في العبث. فلا الصين وروسيا في هذا المحور. وليس في بلدان المحور سوى الحروب والأزمات والفقر والخضوع لعقوبات أميركية ودولية. والمثال السوري أمامنا ناطق. سوريا من أهم الأركان في “محور الممانعة”. وفيها إيران وروسيا عسكرياً واقتصادياً، والصين اقتصادياً. لكن هذه الدول عاجزة عن إعادة الإعمار في سوريا. وهي تراهن على العرب والغرب وبشكل خاص على أميركا التي تشترط حدوث تسوية سياسية في سوريا على أساس القرار 2254 للمساهمة في إعادة الإعمار. ولا مصلحة لدمشق وطهران في تسوية تفرض مشاركة النظام وإعادة النظر في الوجود الإيراني. ولم تستطع روسيا التي أنقذت النظام عسكرياً دفعه إلى السير عملياً على طريق التسوية السياسية. حتى اجتماع اللجنة الدستورية الذي عملت موسكو أشهراً مع الموفد الدولي غير بيدرسون من أجل أن يحقق شيئاً، فإنه كان “خيبة أمل” كما أعلن بيدرسون. فما معنى أخذ لبنان إلى هذا الموقف، وهو في وضع يسمح له بتلقي المساعدات من العرب والغرب والمنظمات الدولية بعد إنجاز الإصلاحات المطلوبة؟ أليس الإمعان في إفقاره وإبعاده عن محيطه العربي وعمقه الدولي؟

الواقع أن ما يقلق أميركا وإلى حد ما أوروبا ويزعج دول الخليج ومصر والأردن هو سيطرة “حزب الله” على المؤسسات وتسليم التركيبة الحاكمة له بأن يضع قرار الحرب والسلم في يده ويلغي الهامش الذي كان يفصل بين موقفه وموقف لبنان الرسمي. فنحن مدفوعون إلى الانقطاع عن الأشقاء العرب وليس الأشقاء هم الذين يقاطعون لبنان. هم يقاطعون الشذوذ فيه والانحراف عن تاريخه ويأسفون لقلة الوفاء حيال ما قدمه العرب للبنان.

عام 1943 كان الاستقلال والميثاق الوطني الذي أسسه العيش المشترك والتفاهم على “لا وصاية ولا حماية، لا امتياز ولا مركز ممتازاً”. وهو ما تجدد في اتفاق الطائف. لكن ما يحدث اليوم هو خلق وصايات وحمايات وامتيازات ومراكز ممتازة لقوة مذهبية مرتبطة بقوى إقليمية تقودها إيران. وهذا ضد طبيعة لبنان وهويته. وليس على من يتصور أنه قادر على صنع التاريخ سوى قراءة التاريخ ليدرك دروسه ويتعلم مما سماه هيغل “مُكر التاريخ”.