توقفت أميركا عن الاعتراض على نفوذ “حزب الله” في السلطة
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
الطريق إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كان طويلاً ودائرياً. 13 شهراً من الجدل والدوران حول مادة واضحة في الدستور، وثلاثة رؤساء مكلفين اعتذر منهم اثنان للعودة إلى نقطة البداية: تعويم التركيبة السياسية التي قادت لبنان إلى الانهيار. خريف 2019 كان المناخ في البلد مناخ “ثورة” شعبية سلمية من أجل التغيير. التظاهرات تملأ الشوارع والساحات تحت شعار: “كلن يعني كلن”. رئيس الحكومة سعد الحريري يستقيل. التركيبة السياسية تتوارى خوفاً من غضب الناس. وبعض أركان المافيا السياسية والمالية والميليشياوية الحاكمة والمتحكمة يرسل “بلطجية” للاعتداء على المتظاهرين وإحراق الخيم التي تقام فيها المحاضرات، لكن الحيلة في الالتفاف على مطالب التغيير واحتواء الغضب كانت التراجع التكتيكي وتأليف حكومة “تزوير الثورة” برئاسة البروفيسور حسان دياب.
يوم 4 أغسطس (آب) 2020 حدث الانفجار الرهيب الذي دمر مرفأ بيروت وأجزاء من المدينة بأكبر قوة غير نووية، عبر اشتعال نيترات الأمونيوم المخزّنة في العنبر 12 منذ سنوات لأسباب مريبة. دياب استقال. لم يجرؤ أي رئيس من الذين تسلموا تقارير عن خطورة النيترات من دون فعل شيء على معاينة الخراب ومواساة الناس المنكوبة. الرجل الذي جاء كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبدا كأنه البديل من الرئيس اللبناني. ماكرون جمع الزعماء السياسيين في السفارة الفرنسية، وقدم لهم برنامجاً للإنقاذ وافقوا على معظم بنوده، وطلب منهم “الاستراحة المؤقتة” من السلطة وتأليف “حكومة مهمة” من اختصاصيين مستقلين لبدء مسار الإنقاذ.
لكن التركيبة السياسية التي تذل شعبها خدعت ماكرون. تراجعت عن الالتزامات الإصلاحية. دفعت البلد إلى أعمق هاوية من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وقادته بعيون مفتوحة إلى “جهنم” باعتراف رئيس الجمهورية. امتنعت عن دخول الباب العربي والدولي المفتوح للإنقاذ، لأن شرط الدخول هو التوقف عن السطو على المال العام والخاص وبدء الإصلاحات. ورفضت الإصغاء إلى كل ما سمعته من مناشدات عربية ودولية كما إلى صراخ الناس. وحين أعيد لبنان إلى العصر الحجري صار المطلب الداخلي والخارجي هو تأليف حكومة، أي حكومة.
وهكذا توقفت أميركا عن الاعتراض على نفوذ “حزب الله” في السلطة. ودفعتها أزمة الكهرباء إلى أن تضع على الرف “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على سوريا ومن يتعامل معها، بحيث تحدثت مع مصر والأردن وأعادت إحياء “الخط الرباعي العربي” الذي ينقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى سوريا ولبنان. أما فرنسا، فإنها استمرت منذ البدء في الحوار مع “حزب الله” وإيران، وحذفت من البرنامج الإنقاذي موضوع الانتخابات النيابية المبكرة بسبب اعتراض “الحزب” عليه. وشيئاً فشيئاً بدأت تتخلى عن حكومة “المستقلين”. ولم يكن أمراً قليل الدلالات أن يرتبط تأليف الحكومة، إلى جانب أمور أخرى، بالاتصال الهاتفي بين ماكرون والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي تحدث عن تأليف حكومة للبنان بالتفاهم بين فرنسا وإيران و”حزب الله”.
أية حكومة؟ حكومة “تكريس المافيا”. حكومة “الثورة المضادة”. حكومة العودة المباشرة للتركيبة السياسية الفاسدة إلى واجهة السلطة. حكومة المحاصصة المكشوفة “على السكين يا بطيخ” بين أمراء الطوائف. حكومة “الخليلين” وهما علي حسن خليل معاون الرئيس نبيه بري وحسين خليل معاون السيد حسن نصر الله، حكومة “الصهرين”، وهما جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون، ومصطفى الصلح صهر طه شقيق الرئيس نجيب ميقاتي. ولا يبدل في الأمر كون التمثيل غير مباشر فيها، ووجود أسماء محترمة بين الوزراء. فكل وزير مرتبط بزعيم بحيث طارت “الاستقلالية”. وحتى أصحاب الاختصاص، فإن معظمهم تولى حقائب لا علاقة لها باختصاصه، لأن ما يفرض “إسقاط الأسماء على الحقائب” بحسب لغة السلطة الشائعة، هو الحقائب المخصصة للزعيم ومذهب الوزير.
وما أكثر آباء الحكومة بصرف النظر عمن هو الفعلي. وما أفظع حسابات الربح والخسارة بين الزعامات في بلد مفلس. ومع ذلك، فإن علينا التمسك بالرجاء والأمل في أن تفعل هذه الحكومة الأمور والخدمات الملحة التي تفعلها البلديات. والباقي رهان على خيار التغيير الذي صار قدراً لا مهرب منه، وسط تراكم الأسباب التي تقود إلى تجدد “الثورة”
اندبندنت
المقاله تعبر عن راي كاتبها.