المؤكد أن طهران مصرة على حيازة سلاح نووي سراً في ظل الاتفاق النووي ومن دونه
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
مسار الملالي في إيران يتكامل على ثلاثة خطوط منذ انتصار الثورة على الشاه عام 1979: خط القبض على الثورة، وخط التشدد الأيديولوجي في مراكز السلطة، وخط التدرج في سيطرة الحرس الثوري على إدارة الحكم. الأول بدأه الإمام الخميني وأكمله خليفته المرشد الأعلى علي خامنئي، عبر تحويل ثورة ضد الديكتاتورية من أجل الديمقراطية إلى ثورة دينية وإبقاء كل الأحزاب والتيارات والشخصيات الوطنية والعلمانية، وحتى نائب الخميني حسين علي منتظري الذي قال، “نظام سياسي مبني على القمع والقتل وسجن النخبة المتنورة هو نظام مدان وغير شرعي”.
والثاني باكتمال السلسلة في سيطرة المحافظين المتشددين على مراكز السلطة تحت مركز الولي الفقيه: رئاسة الجمهورية التي تولاها أخيراً إبراهيم رئيسي، مجلس الشورى الذي رئيسه الحالي محمد باقر قاليباف من الحرس الثوري، والقضاء برئاسة غلام حسين محسني أجيئي.
والثالث من خلال الإمساك الفعلي للحرس الثوري بالسلطة والاقتصاد مع ترك الواجهة للملالي وتغطية القرارات بخاتم الولي الفقيه.
وكان من الطبيعي أن يشكل رئيسي حكومة الحرس الثوري ومن الخاضعين للعقوبات، هو أصلاً على لائحة العقوبات بسبب دوره في “لجنة الموت” المشكّلة منه ومن حسن علي نيري، ومرتضى إشراقي، ومصطفى بدر محمدي. وهي، على طريقة محاكم التفتيش في العصور الوسطى في أوروبا، تولت إعدام الآلاف في السجون بعد فتوى الخميني “بإعدام كفار مجاهدي خلق الذين لا يتوبون ويتراجعون عن مواقفهم وانتمائهم”.
أما أركان الحكومة، فإنهم خدموا أيام الرئيس محمود أحمدي نجاد: نائب الرئيس محمد مخبر، وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان مدعوم من الحرس، وأبسط ما قاله أمام مجلس الشورى هو “قوة الميدان ستكون سنداً لقوة الدبلوماسية، وزارة الخارجية لن تكون وزارة الاتفاق النووي، وأتعهد بالجمع بين غرب آسيا في العراق وسوريا ولبنان واليمن وشرق آسيا في شبه القارة الهندية ودول آسيا الوسطى حيث محيط الحضارة الإيرانية”. الجنرال رستم قاسمي من فيلق القدس لوزارة الطرق والمواصلات، والعميد أحمد وحيدي قائد فيلق القدس قبل قاسم سليماني لوزارة الداخلية، والجنرال محمد رضا إشتياقي للدفاع بتسمية من خامنئي، و”رئيس مركز حماية معلومات القضاء” إسماعيل خطيب لوزارة الأمن، أي المخابرات.
في الاجتماع الأول للحكومة، ركز رئيسي على المشاكل الداخلية والوضع المالي والاقتصادي الصعب، إذ وصل الدولار الأميركي إلى 280 ألف ريال، واعترف بأن “الظروف الحالية لا تليق بالشعب”، لكنه طمأن مستمعيه إلى أنه “لا مأزق في ولاية الفقيه، لأن المرشد الأعلى صاحب كلمة الفصل”.
وهذا الوضع الصعب لم يمنع المبالغات في قوة إيران، خامنئي ودع حكومة الرئيس حسن روحاني بالقول “التجربة أثبتت أن الثقة بالغرب لا تنفع، وعلى الحكومة ألا تجعل برامجها منوطة بالمفاوضات مع الغرب إطلاقاً”. ومحمد جواد ظريف ودع وزارة الخارجية بالقول “اخترنا أن نعيش على نحو مختلف عن الآخرين”. أما الدكتور حسن عباسي الملقب “كيسينجر الإسلامي”، فإنه لم يكتم تصوره بأن “إيران أقوى وأميركا أضعف، أميركا قوة توشك على الأفول، ونحن القوة التي تشرق شمسها”.
وعلى العكس، فإن الخبير الأميركي كينيث بولاك أشار إلى ما سماه “اللغز الفارسي”، وقال “قضية إيران هي سباق بين ساعتين: واحدة لوقت الحصول على اليورانيوم المخصب الكافي لصنع قنبلة نووية، وأخرى لعد الوقت الباقي لنظام الملالي”.
والمؤكد أن إيران مصرة على حيازة سلاح نووي سراً في ظل الاتفاق النووي ومن دونه، أو أقله تريد الوصول إلى حال “دولة عتبة”، أي دولة تملك المواد الضرورية لصنع قنبلة وتعرف كيف تصنعها. لكن عمر نظام الملالي يتوقف على عوامل داخلية إلى جانب الصراعات الخارجية، والوضع الداخلي اقتصادياً ومالياً أضعف مما كان عليه الوضع في الاتحاد السوفياتي قبل السقوط لجهة الصعوبة في الاستمرار من تمويل سباق التسلح والوكلاء في الخارج، وبمقدار ما يبدو المشروع الإمبراطوري الإيراني في صعود بمقدار ما تكبر عوامل أفوله لأنه يصطدم بمصالح الكبار. فالطموح شيء والإمكانات شيء آخر، ومن الوهم تجميد التاريخ وتجاهل حركة الحياة والأجيال.