نجلاء المنقوش


ما يحصل في كابول يبين أن عاصمة العالم حيث يكون الحدث

أحمد الفيتوري كاتب 

وزارة الخارجية في الدولة الحالية تبدو كما لو كانت وزارة داخلية، ففي هذا الزمن تتهم الدولة العظمى الأولى، دولة أخرى هي روسيا، بالتدخل في شأن داخلي رئيس فيها هو الانتخابات. وهكذا بخاصة في العصر السيبراني، لم يعد ثمة حدود، على الرغم من أنه في هذه اللحظة الاستثنائية ذاتها يتم على طريقة القرون الوسطى، بناء الأسوار بالأسمنت المسلح. إذاً هكذا حال وزارة الخارجية، أن ترتب وسائل انسحاب فلول الجيوش وأتباعها من المُهجرين الشرعيين، من عليها ترتيب أوضاع هجرتهم، كما هو في الساعة حال الخارجية الأميركية في أفغانستان.

إذا كان هذا هو حال وزراء الخارجية في الدول العظمى، فكيف يكون حال وزارة الخارجية في دولة كليبيا؟ التي فيها العامل الخارجي الأقوى منذ تأسيسها عقب الحرب الكبرى الثانية، ثم حصولها على الاستقلال بقرار الأمم المتحدة عام 1949. إن الدول كليبيا تم وضع جغرافيتها السياسية برسم حدودها من قبل دول الاستعمار القديم. هذا ليس بالأمر الهين، فعلى الرغم من حروب التحرير، فإن الاستعمار الحديث حدد إلى حد بعيد سياسات المستعمرات بعد استقلالها، وحدد ضمن الصراع الدولي المحتدم، حلفاءها أيضاً. ومن هذا، فإن العامل الداخلي في المستعمرات القديمة، هش حد الهزال، إلى درجة أن دولة كبرى اقتصادياً كالصين، لم تستطع حتى الساعة أن تكون لها سياسة خارجية واضحة المعالم.

هكذا هو وضع وزارة الخارجية في العالم، الذي يتغير كل الوقت، وهذه المتغيرات حادة ومتسارعة، ما شبك الداخل بالخارج في زمن الرأسمالية الدولية، من بكين حتى واشنطن مروراً بموسكو. وما يحدث في كابول، يبين أن عاصمة العالم حيث يكون الحدث، ولهذا وإن كان مقر وزير الخارجية الأميركية في واشنطن، فإنه ووزير الداخلية يعملان معاً في كابول.

هذه الحدود الخارجية التي تفرض حدها داخلياً على وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ما اعتبر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، عند افتتاح مؤتمر دول الجوار الليبي في 30 أغسطس (آب) الماضى: أن وجودها بالمؤتمر مؤشر على التقدم في العملية السياسية. وما يفهم من إشارته هذه أن ليبيا للمرة الأولى تمثل في مؤتمر الجوار، وأن تكون نجلاء المنقوش هي الممثل الليبي في هذا المؤتمر، ما عقد قبله مؤتمران.

كانت السيدة نجلاء أيضاً تتمتع بحضور شخصي مميز لوزيرة خارجية، أثارت كثيراً من ردود الأفعال بتفردها في مواقفها، ثم بالكيفية التي تطرح بها هذه المواقف. وكذلك بصعوبة وضعها في هذا المؤتمر المشار إليه، من يرأسه، ويعمل لأجل وئام وجمع شمل ليبي، هو الشخص نفسه، قبل أيام من انعقاد المؤتمر، قد أعلن قطع علاقته بدولة الجوار المغاربية: المملكة المغربية المهتمة والحريصة على دورها في الشأن الليبي، خصوصاً مع اتفاق الصخيرات في ديسمبر (كانون الأول) 2015. كذلك غب وأثناء انعقاد المؤتمر، حصل تبادل اتهامات حول الإرهاب بين دولة المنقوش، المنعقد لأجلها المؤتمر، والجارة تونس المشاركة بفاعلية.

وليس هذا فحسب ما فرض على نجلاء المنقوش، أن تكون وزيرة داخلية بقناع خارجي، وفي الوقت نفسه، وزيرة خارجية بقناع داخلي. فالمسألة الليبية الساعة مسألة خارجية، ليس في الجزائر بمؤتمر دول الجوار، ولا بذهاب العالم إلى كابول، ولكن أيضاً بما صرحت به حول الشكوك في أن تكون الانتخابات الليبية في موعدها المقرر 24 ديسمبر 2021، من قبل الأمم المتحدة بخارطة طريقها. ما أعدهُ تسريباً من قبلها، ومن جهة أخرى توكيداً لما جاء في تصريح منذ أسابيع، للسفير والمبعوث الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند. وبهذا تكون نجلاء المنقوش رافعة لجرسها، ما دائم توكيد أهمية إنهاء الوجود والتدخل الأجنبي في ليبيا.

وعند تصريحها ذاك، كان ثمة تظاهرة في طرابلس عاصمة بلادها، قام بها علناً المرتزقة، يطالبون فيها بأجورهم من قبل دولتها وليس من قبل تركيا، من جلبتهم واستخدمتهم مع قواتها المتدخلة علناً في الحرب الأهلية الليبية. هذه الحرب، التي هناك مرتزقة آخرون مشاركون فيها مع الطرف الخصم، ولعل كونهم من طرف الدولة الكبرى روسيا، لا يستطيعون التظاهر.

بهذا وغيره نجلاء المنقوش وزيرة خارجية، (ليس كمثلها شيء)، فلم يحدث أن تظاهر مرتزقة في بلاد! وأن تكون دولة عظمى راعية متنكرة لمرتزقة! وأن تسرب الدولة الأعظم مقترحاً: لتجزئة الانتخابات، إلى أولى في فصل الشتاء المقبل، وثانية في الخريف القادم.

هذا إضافة إلى ما تقدم، لكن قفزاً على كل المعطيات، ليبيا تغض النظر، وتدعو إلى مؤتمر دولي في أواخر سبتمبر (أيلول) الحالي، يعقد في طرابلس، والسيدة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش: تدعو دول الجوار للمشاركة في المؤتمر، ودعم وتبني استقرار ليبيا، والتطلع إلى عهد جديد، من التعاون بين شعوب المنطقة، على أسس متينة.