استعدوا “للإمارة” الزاحفة من أفغانستان


أحد أهداف النظام “الطالباني” الجديد إعادة بناء ما يعتبرونه “قاعدة الجهاد العالمي”

وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية @WalidPhares

بعد سيطرة حركة “طالبان” على مؤسسات أفغانستان الحكومية، والعتاد الأميركي للجيش الوطني، وانتزعت اعترافاً ضمنياً من واشنطن أنها “شريك”، تستعد الحركة “الإسلاموية” المسلحة، الموجودة على قوائم الإرهاب الدولية، لبناء وإطلاق “الإمارة الإسلامية الثانية” بعد سقوط الأولى في خريف 2001، وتطفو الأسئلة الأولى على سطح النقاشات الجيوسياسية والأمنية الدولية: بأي اتجاه ستزحف هذه “الإمارة المقاتلة”، ما هي أولوياتها، ومن ستستهدف في الداخل، في الإقليم، ودولياً، وماذا ستفعل الولايات المتحدة تجاه أهداف الحكم “الطالباني”؟ فلنستعرض.

إنهاء “الاحتلال الأطلسي”

الهدف الأول والأهم للتحالف “الطالباني” هو إخراج القوات الأميركية والأطلسية بأسرع وقت ممكن، بالتالي التصّلب في مسألة إخراج هذه القوات والسيطرة على مطار كابول. لماذا؟ لأسباب عدة، أهمها إعلان “التحرير” والسيطرة الكاملة على البلاد، ما يسمح لهم بإعادة الانتشار ليتوجهوا حيث المواجهة قد تستمر مع المقاومة الأفغانية الحرة.

كما أن خروج الغربيين من كابول سيسمح “للميليشيات الإسلاموية” بالتخلص من أكثرية الصحافة الدولية “المزعجة” التي تنقل الأخبار، والتقارير مباشرة من الميدان، وهي بحماية الأطلسي، و”ستنظم” السلطة “الطالبانية” خروج ودخول الإعلاميين إلى البلاد، وقد تلجأ إلى مكتب إعلامي دولي يعمل من الدوحة “لإدارة التغطية”، ما سيقطع التغطية المستقلة والحرة انطلاقاً من أفغانستان.

الانتقال إلى السيطرة الأمنية المحكمة

بعد خروج آخر جندي أميركي من كابول، ستنتقل “طالبان” إلى “تمكين الإمارة” داخل حدودها، بدءاً بتحكيم السيطرة الكاملة على الوزارات، والمرافق، والمطارات، والمصارف، والثكنات والقواعد، والشركات، وكامل مرافق الحياة العامة، وستقوم بغزوة مماثلة في مختلف الولايات والمدن والبلدات حتى تستقر السلطة المطلقة بين أيديها.

وستترجم هذه الحملات باعتقالات، وتعذيب، وقتل لكل من هو، أو هي، “يشكل خطراً” على الإمارة، وعلى “الخلافة الآتية”، سُتقتحم البيوت، وتُقفل مراكز الحياة الاجتماعية، ويتم القضاء على كل الظواهر التي لا تتماشى مع العقيدة “الطالبانية” العنيفة. هذا ما قامت به “الجمهورية الإسلامية” في إيران، وهذا ما قامت به الدولة “الطالبانية الأولى”، وطبقته “الخلافة الداعشية” في عهدها، إذاً بإمكاننا أن نتكهن بما هو آت على أرض أفغانستان، ما لم تنطلق مقاومة عجائبية.

ضرب “بنجشير” الحرة

وهذا بالضبط ما ستعمله الحركة بعد الانسحاب وبدء التمكين. فمن المتوقع أن تجرد حملات عسكرية جرّارة ضدّ بعض جيوب المعارضة في الشمال، لا سيما في منطقة وادي “بنجشير” والأقضية المحيطة، حيث تجمعت قوات المقاومة الشمالية بقيادة أحمد مسعود، وعدد من قطاعات الجيش الأفغاني بقيادة نائب الرئيس، الذي أعلن أنه تولى الرئاسة. “طالبان” تضم فيالقها الأفغانية والباكستانية لتحاصر “بنجشير” وتجتاحها لإنهاء أية “بؤرة معادية للإمارة الزاحفة”، ومن المنتظر أن تشارك “القاعدة” بالغزو الشمالي، كما أن يشنّ تنظيم “داعش خراسان” عملياته للسيطرة على قطعة من الحلوى أيضاً.

“بنجشير” أصغر مساحة من مناطق التحالف الشمالي ما قبل 11 سبتمبر (أيلول)، وحجم وتجهيز “طالبان” أضعاف وأضعاف سلاحها عام 2001، إلا أن وحدات الجيش والمقاومة في “بنجشير” مدربة بشكل أفضل، ولديها تأييد الشعب، لذلك، فإن قيادة “طالبان” ستعمل على حسم مبكر، وبأي ثمن، كي لا تتمدد “المناطق الحرة” أكثر.

إعادة بناء “القاعدة العالمية”

أحد أهداف النظام “الطالباني” الجديد، بالتنسيق مع أوساط إقليمية راديكالية، هو إعادة بناء ما يعتبرونه “قاعدة الجهاد العالمي” على الأراضي الأفغانية. أي إعادة “التنظيم الإسلاموي القتالي” الذي تمثل بتنظيم “القاعدة” تحت أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وتطعيمه بجيلين ِممن يسمون أنفسهم “جهاديين”، وهم عملياً تكفيريون، أضف إلى ذلك، جهود لتدجين “الخراسانيين” عبر مشاركتهم ببعض المنافع السلطوية، أما كيف ستتشكل هذه الشبكة، وكيف ستكون علاقتها بـ “الإخوان المسلمين”، فذلك يعتمد على توافق المحاور الإسلاموية في المنطقة. أما الأهم، فهو أن “طالبان”، ومن يوفر لها النصيحة الاستراتيجية من وراء طاولة المفاوضات، قد أقنعوا إدارتي دونالد ترمب وجو بايدن بأنهم سيتحولون الى “شركاء ضد الإرهاب”، وهذا طبعاً كان ولا يزال شكلاً من أشكال “التقية السياسية”، أي أن قيادة “الإمارة الإسلامية” ستتحرك بسرعة نحو تشكيل الشبكة الدولية المقاتلة لجمع أكبر عدد ممكن من الكيانات الإرهابية ودعمها وتوجيهها إلى الأهداف. ولكن ما هي هذه الأهداف؟

أهداف “طالبان” الإقليمية

طبعاً، لا يمكننا في هذه المرحلة المبكرة، وقبل أن تحسم الحركة نهائياً سيطرتها على أفغانستان، أن نتنبأ بأهدافها الإقليمية، وبخاصة توقيتاتها. فعلى “طالبان” أن تشكل سلطة، وتنظم علاقاتها مع القوى الإسلاموية في الإقليم ودولياً، وبالطبع، أن تستحصل على مشورة حلفائها في المنطقة، وشركائها داخل أميركا.

إلا أن تقييماً استراتيجياً مبكراً يمكّننا من تحديد أهداف بناء على أمرين، الأول عقائدي وجيوسياسي، والثاني مبني على أجندة حلفائها الإقليميين، لا سيما المنظومة الإخوانية التي احتضنت “طالبان”، 20 عاماً. انطلاقاً من ذلك، وبشكل أولي، فالهدف الإقليمي الأول سوف يكون جمهورية طاجيكستان، وجمهوريات آسيا الوسطى الأخرى، فـ “دوشامبي” (عاصمة طاجيكستان)، كانت واضحة في نيتها مواجهة “الإمارة الطالبانية” إذا خرقت الحدود، أو دعمت الحركات التكفيرية ضمن دولتها، وكذلك حذرت أوزبكستان والجمهوريات الأخرى، لذلك، كما هو معروف عن حكام كابول الجدد، فهم غير قادرين إلا أن يلبوا واجب دعوات “الجهادية القتالية” في الدول الأخرى، كما يصفونها.

العالم العربي

من المنتظر أن القيادة “الطالبانية”، بالتنسيق مع المنظمات التي ستأخذ من أفغانستان ملاذاً، وتقيم القواعد فيها، سيكون لها موقف غير بعيد عن “القاعدة” وسائر الإسلامويين، و”الإخوان المسلمين”، من معظم الدول العربية المعتدلة، كالخليج، ومصر والأردن، وقد يعني ذلك دعم المجموعات المتطرفة المقاتلة في هذه الدول، إلا أن هناك متغيراً تطور في العقد الماضي على الأقل، وهو تأثير إخواني على الحركة بسبب لجوء قيادات لهم لعقدين في قطر، وهذا التأثير، إن عنى شيئاً، فهو تهذيب وضبط إيقاع “طالبان” القديمة الهائجة المائجة، والسيطرة على سياستها الخارجية. ما يعني أن “الإسلامويين” سيستعملون قوة “الإمارة” لتوجيهها في الوقت المطلوب وعندما تجتمع الظروف، إلى الأهداف المطلوبة في المنطقة.

باكستان، وتركيا، وقطر، سيكون لها تأثير على النظام في كابول، كل لمصلحته، وستستعمل “طالبان” هذه الدول لمصلحتها أيضاً.

الغرب

السؤال الأكبر سوف يكون حول سياسة “الإمارة” تجاه الغرب، بما فيه أوروبا والولايات المتحدة، البراغماتية التي تمارسها القيادة “الطالبانية”، التي تمت إعادة تأهيلها في الدوحة لـ 20 عاماً، ستستمر مع الغرب حتى تستكمل الحركة قوتها، وتنمي علاقاتها، وتستفيد اقتصادياً ومالياً وتكنولوجياً، أما بعد ذلك، فستعود “طالبان” إلى أهدافها الأساسية، وتبدأ بممارسة العدوانية تجاه الغرب، وقد تقوم بعض أجنحتها بخرق حدود حمر، بالتعاون مع “القاعدة” و”داعش”، وتوجيه ضربات على شطري الأطلسي. وسنوسع تحليلنا مستقبلياً حول العلاقة “الطالبانية – الأميركية”، والدور الذي سيلعبه اللوبي الإسلاموي لمصلحتها.

في الخلاصة، الإمارة ستزحف داخلياً، وإقليمياً، ودولياً، ولكن بإيقاع ديبلوماسي وإعلامي جديد قد يخدّر جزءاً من الرأي العام العالمي حتى حصول “الحادث الكبير”، وعندها تبدأ تحركات الغرب.

إلا أن التخلي عن أفغانستان سيكون له ثمن باهظ في الشرق والغرب.

المقاله تعبر عن راي كاتبها