رسالة للنخب الجزائرية والمغربية: لا تصبوا الزيت على النار


موقف المثقف يجب أن يكون من مدخل آخر هو مدخل صناعة الجسور لا القبور

أمين الزاوي كاتب ومفكر @aminzaoui1

أيها المثقفون في الجزائر والمغرب: لقد انتهى عصر مثقف الفروسية.

السياسة عابرة والثقافة دائمة. السياسة موسمية والفكر الإنساني عابر للأزمنة وللجغرافيات. السياسي ذئب والمثقف التنويري رمز ولو كان في حالة رجم.

لا أريد أن أتحدث عن الذي يحدث بين الجزائر والمغرب اليوم، وهو حال ليس بجديد ولا وليد النظامين القائمين الآن في البلدين الشقيقين، ولكنه حال متوتر يعيشه الشعبان منذ، على الأقل، استقلال الجزائر، وما عرفته منذ ما سُمي “حرب الرمال” في عام 1963 أي بعد عام واحد على استقلال الجزائر.

لا أريد أن أحفر في الخلافات بين البلدين، ولا أريد أن أزيد من إشعال نار الفرقة، يقول المثل الفرنسي “عندما فليت شعر الرأس تعثر على قمل”، خلافات للأسف لها ما يبررها سياسياً، ولكن على النخب في المغرب والجزائر، التي تشتغل على الرمزية وعلى الاستمرارية وعلى التاريخ المشترك المستقبلي، أن تحفر في حقل آخر، حقل التقارب ولو ببطء، والعمل على التقليل من منسوب خطابات الكراهية المتبادلة بين العامة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها قطع العلاقة بين الدولتين، وليست المرة الأولى أيضاً التي يتم فيها قطع العلاقة الدبلوماسية بين دول مغاربية أو عربية كثيرة في الشرق وفي شمال أفريقيا. هي السياسة هكذا. ولن تكون المرة الأولى التي ستعود فيها، قريباً أو بعد حين، العلاقة إلى ما كانت عليه، كما حدث مرات سابقة بين أشقاء قطعت السياسة بينهم، لكن علينا كمثقفين منتجي الأفكار والقيم، أن ندفع بالتفكير إلى ما بعد القطيعة. في اجتياز محنة القطيعة. علينا أن نعمل على تحرير المخيال المغاربي من الأحقاد قدر الإمكان.

السياسي ينسى لأنه يعيش الراهن والمستقبل كتكتيك موسمي، لكن من الصعب على المثقف أن ينسى. السياسي يشتغل على الأحداث التي تحيا وتموت، والمثقف يشتغل على النصوص التي هي “أثر” “وشم” لا يمسه محو. لذا علينا أن نكون حكماء في قراءة العطب وفي محاولة جبره، من منطق الفكر والثقافة الجادة: نقد هذا الموقف أو هذا النظام لا يعني الاصطفاف معه ولا يعني أيضاً معاداته.

أيها المثقفون في المغرب والجزائر احذروا خطابات الغوغاء كما يقول التوحيدي، حين يستند المثقف العميق على أصوات العامة فإنه يكرس لأمرين أساسيين: الحماقة أو الانتهازية. 

أيها المثقفون أعرف جيداً أن جراح السياسة ستبرأ بسرعة أو بعد حين… يكفي قراءة ما حدث في الماضي القريب أو البعيد، عندنا أو عند غيرنا من الأمم، سيجلس السياسيون غداً حول طاولة واحدة، سينتصرون على أنفسهم، وسيتعانقون وينصرفون لأمر آخر، لكن جراح الثقافة تظل طويلاً، لذا على المثقفين أن يمنحوا هذا الوضع الحساس نقاشات أخرى ونفَساً آخر، أن يجعلوا مسافة الأمان بينهم وبين قاطرة هذا النظام أو ذاك.

أن تكون مثقفاً وطنياً يعني الدفاع عن مصالح بلدك بشرف، وهذا لا غبار عليه، ولكن دون بث ثقافة الكراهية ضد الآخر. أن تكون مثقفاً تنويرياً عليك أن تقرأ “العطب” في أبعاده الإنسانية وبنية البحث عن خلل فيه لا برمي نار الضغائن في مرجله.

على الكتاب والجامعيين والفنانين والسينمائيين والمسرحيين والتشكيليين في البلدين الجزائر والمغرب أن يرشدوا خطاباتهم في مقاربة “القطيعة” بمفهومها السياسي.

أيها المثقفون في الجزائر والمغرب: لا فرق عندي أن أقرأ كاتب ياسين أو محمد خير الدين، لا فرق عندي بين محمد ديب وعبد اللطيف اللعبي، بين مولود معمري وعزيز الحبابي، بين الخطيبي ومالك شبل، لا فرق عندي أن أقرأ محمد أركون ومحمد عابد الجابري، لا فرق عندي أن أقرأ لمحمد شكري أو رشيد بوجدرة، لمحمد سحابة أو عبد الله زريقة، لا فرق عندي أن أقرأ ربيعة جلطي أو فاطمة المرنيسي، لا فرق عندي أن أقرأ الحبيب السائح أو محمد زفزاف، لا فرق عندي بين بشير مفتي ومحمد مشبال، بين مخلوف عامر وشرف الدين ماجدولين، بين ياسين عدنان وعبد الرزاق بوكبة، بين محمد الأشعري وسمير قسيمي، بين أحلام مستغانمي ومليكة العاصمي، بين حسن نجمي وميلود حكيم، بين زهور ونيسي وخناثة بنونة، بين أحمد المديني ولونيس بن علي، بين آمنة بلعلي ووداد بنموسى، بين ليندة شويطن وفاتحة مرشيد، بين عمار مزداد ومحمد سعيد أحجوج، لا فرق عندي أن أقرأ لآسيا جبار أو لزكية داود، بين عروض عبد القادر علولة والطيب الصديقي، بين نصوص إدوارد عمران المليح ومريم بان، بين لوحات رشيد قريش أو فريد بلكاهية…

أيها المثقفون في المغرب والجزائر علينا ألا نكون ضحية خطاب سياسي موسمي قد يكون له ما يبرره، لكن علينا أن نأخذ من موقعنا كمثقفين مسافة التأمل والأمل، وعدم الانسياق في لعبة السياسة والساسة.

صحيح أن المثقف هو مَن يقف في منعطف سياسي واضح وبوضوح، لكن موقف المثقف يجب أن يكون من مدخل آخر هو مدخل صناعة الجسور لا القبور.

ختاماً أريد أن أنهي هذه الرسالة بكلام موجه للمثقفين في المهجر.

أيها المثقفون الجزائريون والمغاربة أنتم الذين تعيشون في بلاد المهجر، حيث المعاناة لها مرارة أخرى، إنكم كدياسبورا وبما تملكونه من استقلالية أكثر وفضاء حرية أوسع، وقابلية سيكولوجية لقراءة الحدث بطريقة أهدأ، عليكم أن تساهموا في أن تتحولوا إلى رجال إطفاء حقيقيين يشغلهم مستقبل الأجيال القادمة في ظل تصاعد المجاعات والهجرات غير الشرعية والفقر والحروب والتطرف. عليكم أن تؤسسوا لحلقات ثقافية وفنية وأدبية تكون صمام الأمان لمستقبل البلدين الشقيقين. عليكم أن تقرأوا أو تستعيدوا قراءة الأجداد الذين حين شرعوا في معركة التحرير الوطني كانوا يفكرون بمنطق شمال أفريقيا وأسسوا في ضوء ذلك حزب “نجم شمال أفريقيا” كإطار سياسي ونقابي يفكر تفكيراً يأخذ نبضات القلب الشمال أفريقي عامة، لذا إنكم ومن حيث موقعكم مطالبون كنخبة أن تطرحوا أفكاراً وخططاً لمواجهة الانهيار.

لنترك السياسيين في منطقهم أو في غضبهم بعيداً عن تجريمها أو تخطيئها، ولكن علينا ممارسة عملنا كنخب ثقافية ونحن ننقدهم من خلال “إنتاج أكبر كمية من منسوب ثقافة التفاؤل” تحسباً للغد القريب.