الانسحاب المأساوي من أفغانستان يترك تداعياته على بايدن


ارتدت مشاهد الفوضى في كابول بشكل سيئ على الرئيس الأميركي الذي يتوجب عليه استعادة الثقة به بين الناخبين

شون أوغرايدي مساعد رئيس التحرير @_SeanOGrady

للوهلة الأولى، يجب أن يحظى بالشعبية بين الناخبين، قرار الرئيس بايدن القاضي بسحب القوات الأميركية من أفغانستان حتى قبل تاريخ 11-9 [هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001] المحمل بالمؤثرات، على الرغم من الإدانة الدولية التي تعرض لها [القرار]، فقد قوبل التورط الأميركي الذي بدا بلا نهاية في صراعات حول العالم، خصوصاً في أفغانستان والعراق، بخيبة أمل متزايدة في أوساط الجمهور منذ سنوات عدة. ووجدت دائماً بين الأميركيين غالبية تؤيد خروج بلادهم من هذه الصراعات، وكذلك فاز سياسيون، في عدادهم باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن، ممن دافعوا علناً عن فك الارتباط وإعادة القوات إلى الوطن، بالانتخابات [الرئاسية]. وبصورة متزايدة، جاء ذلك الاتجاه انعزالياً ومناهضاً للعولمة. ويمثل الأمر نفسه أحد الأسباب التي جعلت ترمب يتمتع بدعم مالي من جانب بعض الأطراف. ويبدو من المنطقي بالنسبة إلى جو بايدن أن يوائم بين سياساته وبين هذا الموقف الذي يتلخص بشعار “أميركا أولاً” والنأي بها عن دور شرطي العالم، خصوصاً مع اقتراب مواعيد انتخابات منتصف الولاية المقرر إجراؤها في العام المقبل، باعتبار أنه لا يحكم قبضته على الكونغرس. والآن، وقد حدث الانسحاب فعلاً من أفغانستان، ارتدت مشاهد الفوضى والحديث عن الإهانة والتراجع في كابول، بشكل سيئ على جو بايدن. ويبدو أن أميركا أرادت الانسحاب، لكن ليس بهذه الطريقة التي حصل بها.

أخذت شعبية الحرب في أفغانستان بالانحسار بشكل مستمر منذ بدايتها تقريباً. وفي أعقاب صدمة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أيد 90 في المئة من الأميركيين سياسة الرئيس جورج دبليو بوش الهادفة إلى إنجاز عمل عسكري أقرته الأمم المتحدة وحلف الناتو. وبصرف النظر عن أن بوش انتخب آنذاك على أساس سياسة شددت على وجوب الاهتمام بالأولويات المحلية كالتعليم والاقتصاد، بعد تدخلات سلفه بيل كلينتون في البلقان التي حفزتها قضايا حقوق الإنسان، فقد توجب على أميركا أن تدافع عن نفسها [بعد 11-9]. هكذا، بدا سبب ذلك العمل العسكري عادلاً، والطرق التي جرى بها صحيح، وكذلك لقي دعماً ضخماً.

غير أن ذلك الدعم لم يستمر طويلاً. فقد طال أمد الالتزام المالي والعسكري تجاه العراق. وبرز شعور بأن الحربين كليهما قد تجاوزت الحد المعقول، وباتت عبئاً يسبب الانهاك الذي باتت علاماته تلوح على الوجوه. وفشل اغتيال بن لادن نفسه سنة 2010 في إعطاء دفعة قوية لدعم الحرب (لا بل شعر البعض أن المهمة الأصلية قد تحققت أخيراً). ومع حلول الوقت الذي وقع فيه ترمب معاهدة مع “طالبان” وأعلن بايدن موعداً للانسحاب، بات ذلك الصراع مكروهاً بشكل ساحق، ما جعل إنهاءه ضرورة ديمقراطية لا بد من احترامها.

أراد نحو 70 في المئة من الأميركيين وضع حد لذلك الأمر (على الرغم من أن ذلك اعتمد على كيفية طرح السؤال، فالإشارة إلى الرعب من شأنها أن تحرك الأحاسيس وتحشد التأييد لمصلحة استمرار وجود قواعد أميركية في المنطقة). ومال الديمقراطيون والناخبون الذين لم يحسموا قرارهم في شأن التصويت، إلى أن يكونوا أكثر حرصاً على الخروج من أفغانستان من الجمهوريين، لكن ظهرت غالبية في جميع الفئات لمصلحة الانسحاب. واستناداً إلى ذلك، جاء تصميم بايدن على المضي قدماً في إخراج قوات بلاده من أفغانستان.

في المقابل، لم يبدُ الانسحاب منتظماً، وكذلك لم يرد ذكره في الجدول الزمني المعلن للرئيس، بالتالي فقد أخذ شكل الهزيمة والخيانة، بالنسبة للبعض في الأقل، وكذلك أدى إلى نفور حلفاء أميركا. وهذا يعني أن أي ميزة سياسية إيجابية ناجمة عن إعادة آخر الأميركيين إلى الوطن من ذلك المستنقع المفترض، والترحيب بهم في التاريخ المثقل بالدلالات 9-11-2021 [الذي يوحي] كما لو أن “المهمة قد أنجزت”، قد طمست تماماً بواسطة اللقطات المصورة بالفيديو التي تناقلتها الأخبار للأفغان اليائسين الذين تشبثوا بطائرة الإنقاذ. وبصورة عامة، لا يشكر الأميركيون عادة القادة الذين يجعلون بلادهم تبدو ضعيفة.

وقد حصل ذلك بالفعل، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة “ترافلغار” أن غالبية الأميركيين (69 في المئة) لا يؤيدون الأسلوب الذي تعاطى به الرئيس مع العمليات العسكرية، فيما يوافق على أسلوبه 23في المئة من المشاركين. وإذ يؤيد 48 في المئة من الديمقراطيين بايدن في طريقة تعاطيه مع الانسحاب، يرفض سياساته 48 في المئة منهم في الأقل. وقد يكون الناخبون في الوقت المناسب، مع حلول أوساط نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، صاروا أكثر استعداداً للاعتراف بفضل بايدن في “إنهاء الحرب” (على الرغم من أن ذروة القتال حدثت قبل سنوات). في المقابل، يبدو بايدن في هذه الآونة كأنه يلاقي نفوراً من المؤيدين الأكثر ليبرالية في حزبه من جهة، ومجموعة من الناخبين لهم عقلية معتدلة، من جهة الأخرى. ومع هذا، ليس بوسع الرئيس أن يفعل الشيء الكثير حيال ذلك الآن. وقد يفسر ذلك سبب التحدي المرتفع الذي يغلب على تصريحاته العامة، وكذلك سبب تشدده في التزام موقفه على أمل أن يؤدي ذلك إلى جعل الناس يرونه كزعيم قوي. وقد يكون ذلك كله عبثاً في عبث.

© The Independent