“ديمقراطية الـ5 في المئة” تثير القطريين فماذا تعرف عنها؟

نص النظام الانتخابي على حرمان المجنسين من الترشح وإسقاط حق الانتخاب ممن سكنوا قطر بعد عام 1960

سعاد اليعلا صحافية 

قطر الدولة الصغيرة والغنية، يشكل المواطنون فيها أقلية مقارنة بالوافدين الذين يقيمون فيها بصفتهم أجانب أو حصلوا على الجنسية في وقت لاحق من إقامتهم، فبحسب آخر إحصائية رسمية نشرتها وزارة التّخطيط التنمويّ والإحصاء في الدوحة عام 2019، فإن نسبة السكان الحاملين للجنسية القطرية من إجمالي السكان بلغت حوالى 10.5 في المئة من أصل 94 جنسية مختلفة يعيشون في قطر، حيث يبلغ عددهم حوالي 333 ألف نسمة، في حين أظهرت الدراسة أن عدد “القطريين الأصليين” غير المجنسين من نسبة المجنسين لا تتجاوز 5 في المئة.

هذه الأرقام التي كانت أمراً عادياً ومتعايشاً معه طيلة السنوات الماضية باتت أزمة وطنية في الإمارة الخليجية، بخاصة بعد أن قررت الحكومة أن تقر نظاماً ديمقراطياً جزئياً يتم فيه انتخاب برلمان بشكل جزئي بجانب 15 عضواً يتم تعيينهم أميرياً، وذلك بعد أن قسم النظام الانتخابي المقر المواطنين إلى 3 درجات، درجة تضم من أسمتهم “القطريين الأصليين” الذين يحق لهم الترشح والانتخاب، ودرجة القطريين المجنسين مولودين في قطر وجدهم قطري، وهم من يحق لهم الانتخاب من دون الترشح، ودرجة أدنى تضم القطريين المجنسين الذين لم يولدوا في البلاد وهؤلاء لا يحق لهم الترشح ولا الانتخاب.

أدى هذا التقسيم الذي اصطفى شريحة لا تتجاوز الـ5 في المئة بكل امتيازات الاستحقاق الانتخابي، في حين قدم لشريحة تتراوح في حدود الـ10 في المئة، تزيد أو تنقص قليلاً، حق الاقتراع، مع تجاهل الغالبية العظمى من الأهالي.

وارتفعت حدة الانتقادات بعد أن باتت كبرى قبائل قطر “آل مرة” خارج حسابات المشروع الذي أريد منه أن يقدم البلاد على أنها بلد ديمقراطي بنظام سياسي عصري يعطي الحق للمواطنين بالمشاركة في صناعة القرار، وهو ما أعطى نتيجة عكسية بعد أن وصف من قبل المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها قطر، الاثنين 2 أغسطس (آب) بأنها قائمة على أساس قبلي وعنصري، بعد أن حددت مادة من القانون ضرورة اختيار عنوان دائم للناخب بالمكان أو المنطقة تثبت أن أسرته كانت تقيم في الدولة قبل 1960.

المواطنة بالرسائل النصية

وإن كانت الاعتراضات قد بدأت منذ إعلان القانون الانتخابي قبل أسابيع، إلا أن شرارة الاحتجاجات كانت قبل أيام معدودة بعد أن تلقى المواطنون رسائل نصية عبر هواتفهم المحمولة من قبل الحكومة تدعو من استلم الرسالة إلى المشاركة في الانتخاب، بصفته مواطناً تنطبق عليه الشروط المقرة.

وأثارت هذه الرسائل الرأي العام بعد صدمة أفصح عنها العديد، كونهم لا يملكون مواطنة كاملة تسمح لهم بالمشاركة لعدم وصول الرسالة.

اليوم وصل مسج لبناتي تسجيل قيد ناخب وهم ماسجلوا !!؟ وغصب عنكم تم تسجيلكم في فريچ بالدوحة على كيفهم طيب كيف وبناتي مواليد واهل الوكرة#انتخابات_مجلس_الشوري

وبسبب تلك الرسائل خرج مواطنون قطريون من “آل مرة” في مواقع التواصل الاجتماعي يعترضون على اعتبارهم مجنسين بحسب القانون الشوري الجديد، مثبتين بالوثائق وكتب الرحالة وجودهم قبل عام 1960، وتوثيق رحالة منهم كلاوس فرديناند خيامهم في جنوب قطر من فبراير (شباط) عام 1959، قبل التاريخ المنشود في القرار بعام، ليثبتوا أحقيتهم في الانتخاب والترشيح، مطالبين بمقاطعة الانتخابات التي وصفوها بـ”العنصرية وغير المنصفة”.

وهو ما ردت عليه وزارة الداخلية القطرية باستدعاء الأشخاص السبعة إلى النيابة العامة بعد قيامهم باستخدام التواصل الاجتماعي في “نشر أخبار غير صحيحة وإثارة النعرات العنصرية والقبلية”.

وأكدت وزارة الداخلية القطرية في بيانها عدم “تهاونها في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يتبنى خطاباً عنصرياً يستهدف أمن المجتمع واستقراره وسلمه الاجتماعي، كما تهيب بمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي عدم الإساءة لأي مكون من مكونات المجتمع سواء على أسس قبلية أو عنصرية، من منطلق أن ترابط المجتمع القطري واستقراره هو مسؤولية تقع على عاتق الجميع”.

وأثار القبض على الأشخاص السبعة القبيلة التي تتهم الحكومة بتهميشها ما دفعهم للتجمهر مساء أمس الاثنين، احتجاجاً على أول عملية برلمانية تشريعية في قطر، مطالبين بإخراج المعتقلين، تزامناً مع إطلاق هاشتاغات #قطر_ تنفض ، و#ال _مره _اهل _قطر _قبل_ الحكومة ، و#مقاطعة_ الانتخابات _القطرية، ورفع تصوير الاحتجاجات فيها ومحاصرة الدوريات الأمنية القطرية لهم.

1960 تاريخ قطر الحديث

ولا يوجد في النظام الانتخابي أو نظام الجنسية سبب واضح لاختيار 1960 تاريخاً تبدأ منه تسمية القطريين كمواطنين أو مجنسين، إلا أن هذا التاريخ يعد مفصلاً في تاريخ قطر الحديث، إذ شهد بداية ثورتها الاقتصادية باكتشاف العديد من حقول البترول في البلاد وبدأ الإنتاج على نطاق واسع، حيث اكتشفت قطر أول حقل بحري في العالم.

:

جموع غفيرة من ال مرة ومطالبة بإنسحاب الدوريات التي تحاصرهم :
لا تحدونا على الصِدام المسلح.#ال_مره_هل_قطر_قبل_الحكومه pic.twitter.com/BMsPS4CZDu

ومع نمو الاقتصاد البترولي في هذا التاريخ استحدثت نظام إداري وتأسست على إثره وزارة للمالية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته لإدارة الثروة المالية المتدفقة على جال الذهب الأسود من 1960.

المكاسب القبلية قبل الكفاءات في الانتخابات

وذكر حسن السيد، أستاذ القانون الدستوري في كلية القانون في جامعة قطر، أن “تقسيم قطر إلى دوائر هو عامل في غاية الخطورة إن لم يبنَ على معايير موضوعية وواضحة بواسطة جهة محايدة، إذ يمكن استغلاله لهندسة العملية الانتخابية والتأثير في نتيجة الانتخابات وإضعاف السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية”.

المعيار الذي تم تبنيه لتحديد هذه الدوائر الانتخابية هو محل إقامة القبيلة أو العائلة، إذ نصت المادة 4 من قانون نظام انتخاب مجلس الشورى على أن يباشر الناخب حقه في الانتخاب في مقر الدائرة الانتخابية التي يقع بها العنوان الدائم للناخب (محل إقامة القبيلة أو العائلة بحسب الأحوال)، ويفهم من ذلك أن العنوان الدائم للناخب يختلف عن إقامته الفعلية، وأن كل الأفراد المنتمين لقبيلة ما أو عائلة معينة يسكنون في مدينة مخالفة لمقر القبيلة الأصلي فلا يمكن لهم التصويت في مقر إقامتهم، وهو ما يراه السيد تقسيماً على أساس قبلي سيؤدي إلى ترجيح المكاسب القبلية على الكفاءات.

كل سكان قطر مهاجرون

وتساءل عبدالله الزوبعي الشمري، الباحث السياسي والتاريخي، “هل تتصوّر أن قطر قبل التنظيم الإداري الذي أدخله الإنجليز إلى المنطقة كانوا مهتمين بتدوين من دخل وخرج إلى بلادهم؟ البلاد كانت مفتوحة، والمهاجرون ينزلونها من كل حدب وصوب، والحكام يرحبون بهم من دون تحسّس، وقدامى أهل قطر من أين أتوا من عمان والعراق وفارس، حيث كان أول تسجيل للداخلين والخارجين من قطر بدأ في عهد علي بن عبدالله تحديداً بداية الخمسينيات كما ذكرت الوثائق”.

لو كانت الكشوف موجودة من تأسيس #قطر كما تقول، فلمَ سُجّل للشيخ يوسف القرضاوي أنه مولود في قطر سنة ١٩٢٦م، وهو قدم إلى قطر أصلًا في الستينيات؟ هذه الحكومات توثيقها حديث، وأول تسجيل للداخلين والخارجين من قطر بدأ في عهد علي بن عبد الله تحديدًا بداية الخمسينيات كما اطلعت في الوثائق. https://t.co/v9Nh6bxwF0 pic.twitter.com/lncxi3PgSq

وأشار الشمري إلى أن كل سكان قطر مهاجرون، “أهل قطر قبل 1930 ليسوا متساوين في تواريخ قدومهم إلى قطر، فهناك من كان في قطر منذ عهد آل مسلم مثل البنعلي والبوكوارة، وهناك من وجودهم في قطر مرتبط بآل خليفة (العتوب) حتى يقول المؤرّخ عبد العزيز آل خليفة إن أردت معرفة أهل قطر الأصليين، فهم من كانوا في عهد آل خليفة الذين وضعوا نواة الدولة في قطر”.

وأضاف “كل من عاش في عهد آل خليفة يحق له المطالبة باسترجاع الجنسية القطرية أصالةً لا بالتجنّس، وإشكال آخر قد تدركه، ويبطل قولك بوجود كشوف موثقة لدى حكومتكم. كثير من الوافدين إلى قطر بعد تاريخ 1930 سجلت لهم حكومة قطر أنهم مولودون في قطر وتجده من مواليد اليمن أو فارس أو البحرين، ثم منحت لهم المواطنة بالأصالة لا التجنس، توجد فخائذ كاملة من قبائل معروفة لم تعرف قطر أصلاً، ومع ذلك عُدت من مواطني قطر أصالةً، فالوضع شائك، ومعقّد وليس كما تتصوّر”.

وقال الشمري إن هذا يدعوك للتفكر في مصدر الكشوفات التي تقول إنها موجودة ومثبتة، فما دام أهل قطر أنفسهم لا يمتلكون سجلاً موثقاً لهجرتهم إلى قطر على وجه الدقة واليقين لا الترجيح والتخمين، فكيف امتلكت حكومتهم ما لا يمتلكون إلا إن كانت على علم بالغيب، وهذه ليست منقصة، ولكن لا يجب محاكمة بالسابق، ويشير إلى أن “الأسلاف كانت حياتهم بسيطة، ومنشغلون في طلب الرزق، واهتماماتهم لم تكن منصبّة في فلان متى جاء وفلان متى رحل، وكلهم يسعون وراء رزقهم، والبحث في هذه المسألة ظهرت مع بناء الدول لتقاسم الثروة على أساس مفهوم الأصالة غير المنضبط أصلاً”.

وذكرت الشيخة مريم آل ثاني في تغريدة لها، أن الحديث عن مواطن “أصلي” و “مجنس” حديث ناقص، وينم عن قصور ونقص ومرض في نفس المتحدث، “فنحن نفتخر بجميع أهل قطر سواء كان مواطناً بالأصل أو التجنيس! لا عيب في ذلك”.

الحديث عن مواطن “أصلي” و “مجنس” حديث ناقص، وينم عن قصور ونقص ومرض في نفس المتحدث!
نفتخر بجميع أهل #قطر سواء كان مواطنًا بالأصل أو التجنيس!
لا عيب في ذلك، جميعنا إخوة في الله، وهذه تعاليم وأخلاق ديننا الحنيف!

وتقول أكثر مواد القانون الانتخابي المثير للجدل “لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية (المتجنس) حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية”، وبما أن هذه المادة لم تربط بأي مدة من الزمن، فهي تعني إلى ما لا نهاية للمتجنس ونسله، وهو ما لا يتوافق مع أنظمة التجنيس في دول العالم التي تعامل أبناء المجنسين الذي ولدوا بعد تلقي والدهم الجنسية كمواطنين كاملي الأهلية.

وحاولت “اندبندنت عربية” الحصول على تعليق رسمي قطري على المستجدات الأخيرة التي تضمنها التقرير، لكنها لم تتلقَ رداً حتى هذه اللحظة، واكتفت الدوحة بالبيان الصادر عن وزارة الداخلية، وتلتزم الصحيفة بنشر الرد فور وروده.

الاندبندنت