تستعيد سوزان وجسيكي الرئيس التنفيذي لموقع يوتيوب عقدة الرقيب في تاريخ أسرتها وهي تدافع عن حرية الرأي بما ينشر على المنصة.
السيدة وجسيكي تنحدر من أم روسية ووالدها أميركي من أصول بولندية، وتعلمت منذ صغرها ماذا تعني مراقبة الرسائل المكتوبة في الأنظمة الشيوعية السابقة، لتتخذها مسوغا وهي تعرض أفكارها بشأن التعايش بين حرية التعبير ومسؤولية الشركات التكنولوجية الكبرى.
تستذكر المدير التنفيذي للموقع الذي سرق جمهور التلفزيونات وكشف لنا الشغف بمقاطع الفيديو بين الملايين من المستخدمين لمجرد أن نعرف أن مليار ساعة من المحتوى تتم مشاهدتها يوميا على يوتيوب، كيف أنها كانت تخشى أن تخضع رسائلها إلى جدها للرقابة، بعد أن فر والدها من بولندا الشيوعية آنذاك إلى الولايات المتحدة، بينما بقي جدها خلف الستار الحديدي، وفق تعبيرها.
لذلك تعتقد أن مجرد وصول الحكومة البولندية الشيوعية إلى رسائل الطفلة التي تكتب من الولايات المتحدة يشكل خطرا على جدها.
بالنسبة إلى وجسيكي تلك مقدمة ملائمة جدا للجمهور الغربي، وهي تكتب في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال هذا الأسبوع، مدافعة عما أسمته تحقيق التوازن بين الاهتمامات المتنافسة ومطالبة الحكومات بوضع قواعد واضحة ومرنة بشأن التعامل مع مفاهيم حرية التعبير عند نشر مقاطع الفيديو.
ولأن الاتفاق على مفاهيم واضحة وقاطعة عن حرية التعبير، نسبي للغاية بين دول العالم الديمقراطية منها والدكتاتورية، فإن يوتيوب بدوره يجد صعوبة تتزايد يوما بعد آخر بشأن القضايا المتعلقة بذلك، لذلك يطالب الحكومات الديمقراطية بتزويده بمبادئ توجيهية واضحة حول ما هو غير قانوني ليساعده على إزالة المحتوى بسرعة وكفاءة أكبر. وكأنه في ذلك يرمي كرة المحتوى الضار في مرمى الحكومات، في الوقت الذي يشدد الموقع فيه على أن تستند تلك التوجيهات والقوانين إلى المعايير الدولية، حيث يوازن المسؤولون بين الحق في الحصول على المعلومات وخطر الضرر.
وبطبيعة الحال لا يوجد بين الأفراد في كل دول العالم من يثق بالحكومات، حتى الديمقراطية منها، عندما يتعلق الأمر بما تريد أن تمنعه عن الشعوب. على نفس المستوى الذي يرتفع فيه منسوب عدم الثقة بالشركات التكنولوجية الكبرى، بوصفها نوعا آخر من الحكومات الجديدة في العصر الرقمي تفتح صناديقها السوداء كي يضع الناس فيها المزيد من الأموال.
وفي كل ما عرضته السيدة وجسيكي، لا يعفي يوتيوب من مسؤولية ما يحصل اليوم من تشهير وتلفيق والحط من قدر الأشخاص في كم مخيف من المحتوى المتطرف والمضلل، بينما إدارة الشركة لا تتوقف عن الإدعاء بدقة خوارزميتها العالية لمنع الخطاب السام.
هذه ليست المرة الأولى التي تعيد فيها وجسيكي تعريف نفسها للجمهور بالقول “أولويتي القصوى هي التحلي بالمسؤولية”. وهي تواجه ما يقدمه النشطاء والمشرعون الحكوميون المزيد من الأسباب للهجوم على نموذج يوتيوب الاقتصادي القائم على منح المستخدمين أكبر قدر من الحرية في نشر فيديوهاتهم.
محاولة يوتيوب تحقيق توازن شبه مستحيل بين رعاية مجتمع رقمي سريع النمو من النشطاء والمشاهير الذين يبثون مقاطع الفيديو عبر الموقع، والتعهد في الوقت نفسه بمراقبة الفيديوهات المسيئة وحماية الملايين من المستخدمين. فلم ينتصر أو يسعد أحد تقريبا في خضم معركة سياسية مستمرة بشأن حماية الخصوصية وحقوق الملكية الفكرية ومراقبة المحتوى على المنصة التي تتصارع فيها الفائدة مع الأضرار التي تسببها.
كما يبدو لي أن التحديات غير المسبوقة، مشتركة بين المنصات الرقمية والحكومات لفرز الأسئلة المعقدة وتحديد مكان رسم الخطوط على الخطاب المنشور.
فبينما يقدم صانعو السياسات ومدونو القيّم في جميع أنحاء العالم مقترحات تنظيمية للشركات التكنولوجية العملاقة، يجادل البعض بأن الكثير من المحتوى الضار مازال متاحا ومستمرا على المنصات. ولا تعمل الشركات ما يكفي لمنعه.
لذلك تقترح الرئيس التنفيذي لموقع يوتيوب مجموعة مبادئ للاتفاق على ما ينشر من دون التراجع عن فكرة الإنترنت المفتوح وأهميته في تغيير المجتمعات نحو الأفضل. والقبول بمبدأ الفضاء المفتوح مع أنه يعني بالضرورة أن الأشرار والسيئين سيتخطون الحدود فيه!
وتتذرع وجسيكي باحتمال إسكات الأصوات المبدعة وإلغاء الأفكار الملهمة بمجرد تبني قرار حذف كل منشور مثير للجدل.