بقلم: د. زيد احمد المحيسن
رأس السنة الهجرية هي مناسبة دينية ينتظر فيه المسلمون اليوم الأول من شهر المحرم، وهو الشهر الأول في التقويم الهجري وذلك للاحتفال بعام هجري جديد.
وقد بدأ التأريخ الهجري أو (التقويم الهجري) عند المسلمين انطلاقا من عام الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى يثرب التي أصبحت بعد ذلك تسمى المدينة المنورة.
لقد شكلت حادثة الهجرة النبوية الشريفه حدثا هاما في التاريخ الانساني القديم والحديث معا، واصبحت الهجرة النبوية مصدر الهام وتبصر وتأمل للاجيال العربية والاسلامية والانسانية بشكل عام .. فادوات الانتاج الحضاري العملاقة كان الرسول اول من دعا لها وقام بتطبيقها على ارض الواقع وقبل فلاسفة العصر الحديث، ومفهوم الدولة والامة والوطن واللسان والرسالة استطاع الرسول العربي الامين علية افضل الصلاة والتسليم وخلال فترة قصيرة من الزمن ان يبرزها كمفاهيم الى المجتمع الجديد.. مجتمع المدينة المنورة فقام اولا – ببناء المسجد الذي يمثل الرمزية الدينية والدنيوية ورمزية الحكم، و دار الادارة الجديدة لهذا المجتمع المتكون والمتشكل حديثا – وكانت السلطات الثلاث تمارس اعمالها بداخله.. التشريع والتنفيذ والقضاء، علاوة على اقامة الواجبات والفروض والشعائر الدينية الاخرى.
بعد ذلك بدأ بالخطوة الثانية في تصليب المجتمع الجديد اجتماعيا وبنيويا، وذلك من خلال عملية المؤاخاة بين الانصار والمهاجرين حتى يأمن ان الجبهة الداخلية من ناحية البنى والعلاقات الاجتماعية متماسة متكافلة وغير متنافرة، وكانت هذه الخطوة اول خطوة في التاريخ الانساني تحدث – بعدها بقليل اصدر وثيقة المدينة ليعلن للجميع ان المواطنة هي اساس هذه الدولة المدنية الحديثة وكخطوة اوليه في مفهوم بناء ثقافة العيش المشترك مع كافة مكونات مجتمع المدينة، ومن خلال الوثيقة تم بناء اول دستور للدولة.
بعدها بادر الى عمل مكمل لهذه الاعمال وهو البحث عن السوق من خلال كلماته “دلوني على السوق”، ومن اجل ان يحرك عجلة الاقتصاد البيع والتجارة لان الاسلام الذي يدعو له رسولنا العظيم – دين ودولة وعبادة واقتصاد واجتماع وحركة وحياة – اعمل لاخرتك كأنك تموت غدا و اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا – فشيد علية السلام عناصر الدولة وانطلق بعد ذلك بكل اريحية يدعو كافة الناس ومن كافة اقطار المعمورة الى الاسلام، دين الرحمة والسلام والمرحمة .
واذا تأملنا بدقة حادثة الهجرة النبوية الشريفه فسوف نرى دقة التخطيط ودقة الاخذ بالاسباب والثقة بالله وبأن عناية الله كانت حاضرة في كل تفاصيل مشهد الهجرة والحركة فيها – من منام الصبي ابن عمه علي في فراشه الى خروجه من امام اعدائه الى حادثة تسيخ فرس سراقة في الارض الى عنكبوت الغار – الى طمأنة صاحبه في الرحلة ابوبكر عندما قال لصاحبه ابو بكر بصريح العبارة: لا تحزن ان الله معنا.
انه في واقع الامر صراع قائم بين الحق والباطل وممتد عبر العصور والتاريخ، لكن الله دائما مع الحق مهما طال الزمن، وصدق الله العظيم حين يقول في محكم التنزيل: “كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله قوي عزيز” صدق الله العظيم.
نسأل الله أن يجعل عامنا الهجري القادم غدا عام خير وبركة وفتح للأمة العربية والإسلامية، وان يفرج الكرب عن اهلنا في فلسطين نصرا قريبا على الصهيونية العالمية، وعلى من سار في ركابها اجمعين .