حركة سياسية نشطة على خط إقناع المقاطعين بالعدول عن قرارهم وفي مقدمهم التيار الصدري
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8
وردت فكرة الانتخابات المبكرة في العراق إبّان فترة الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، كمحاولة لتخفيف حالة الاحتقان التي شهدتها البلاد، حيث وصلت مطالبات الناشطين حينها إلى حدود الدعوة إلى إسقاط النظام السياسي، إلا أن التساؤلات باتت تدور في الفترة الحالية عن مدى إمكانية أن تسهم الانتخابات المبكرة في تحقيق إصلاح سياسي في ظل استمرار نفوذ الميليشيات وعدم تحقق مطالب الانتفاضة. وعلى الرغم من تماهي قوى الانتفاضة مع فكرة الانتخابات المبكرة، إلا أن تلك القوى وضعت اشتراطات يجب تحقيقها قبل إجراء الانتخابات، وعلى رأسها “محاسبة قتلة المحتجين وحصر السلاح بيد الدولة، وحل الميليشيات، فضلاً عن إنهاء حالة الإفلات من العقاب الذي تعيشه البلاد منذ عام 2003”.
ولعل ما يعزز إمكانية أن تزيد الانتخابات المقبلة من حالة الغليان التي يعيشها الشارع العراقي منذ أكتوبر 2019، أنها لم تُحقق أي من اشتراطات الانتفاضة الشعبية، الأمر الذي دفع الأحزاب الرئيسة المنبثقة عن الانتفاضة وعلى رأسها “حزب البيت الوطني”، إلى اتخاذ خيار المقاطعة.
ويبدو أن ما زاد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى إجراء الانتخابات المبكرة، هو انضمام كتل سياسية وازنة في المشهد السياسي العراقي إلى سياق المقاطعة، وعلى رأسها التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وكتلة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، إضافة إلى الحزب الشيوعي العراقي وأحزاب أخرى.
حراك سياسي محموم
ومع تصاعد حملات المقاطعة والانسحابات التي تشهدها الانتخابات المقبلة، بدأ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بقيادة حراك محموم، لإقناع القوى السياسية التي اتخذت خيار الانسحاب بالعدول عن رأيها، في إطار مساعيه لإنجاح العملية الانتخابية، التي يفترض أن تجرى في العاشر من أكتوبر المقبل.
ويبدو أن القوى السياسية الراغبة بشدة بإجراء الانتخابات ومن بينها رئيس الوزراء، تتخوف من اتجاهين في سياق المقاطعة، يتمثل الأول بإصرار زعيم التيار الصدري على موقفه، ما قد يؤدي إلى دفع أتباع التيار الصدري إلى تصعيد يعرقل إجراء الاقتراع في موعده، أما الاتجاه الثاني، فيتعلق بالتحركات المستمرة من قبل ناشطين وصحافيين لإقناع المجتمع الدولي بعدم شرعية الانتخابات المقبلة، فضلاً عن أن المضي بها قد يحفز موجة احتجاجات كبيرة بعدها تضع النظام السياسي أمام مأزق كبير.
ورعى الكاظمي يوم السبت 7 أغسطس (آب) الحالي، اجتماعاً للقوى السياسية أجمعت فيه على أن الانتخابات ستجري في موعدها.
وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بياناً جاء فيه، “عُقد في القصر الحكومي برعاية رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، اجتماع القوى الوطنية بحضور رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ومفوضية الانتخابات، وبعثة الأمم المتحدة في العراق، حيث عرضت المفوضية شرحاً مفصلاً، عن استعداداتها الفنية وقدرتها على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في العاشر من أكتوبر المقبل”. كما أشار البيان إلى أن “القوى السياسية الوطنية أجمعت على إجراء الانتخابات في 10 أكتوبر، وتمسكها بهذا الموعد”.
وأكد الكاظمي أيضاً على تمسك الحكومة بالأمر ذاته، مشدداً على “قدرتها على توفير الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات وبانسيابية عالية”. وجدد رئيس الوزراء والقوى السياسية “الدعوة للكتل السياسية المقاطِعة للعدول عن قرارها”، فاقترح الكاظمي “تشكيل لجنة من القوى السياسية الوطنية للحوار مع الكتل المقاطعة، وإقناعها بالعدول عن قرارها، من أجل توحيد الجهود خلال المرحلة المقبلة”.
محفز لانتفاضة جديدة
وباتت المتغيرات على الساحة العراقية تثير تساؤلات عدة بشأن جدوى إقامة الانتخابات والنتائج التي ستخرج بها، حيث يرى مراقبون أنها لن تشكل بادرة إصلاح للعملية السياسية، فيما يذهب آخرون إلى أكثر من ذلك، بالقول إنها ستزيد احتقان الرأي العام العراقي. ويبدو أن الانتخابات التي أُريد لها أن تمثل استجابةً لمطالب الانتفاضة العراقية، ستكون بادرة لإثارة احتجاجات ربما أوسع مما شهدته البلاد في أكتوبر 2019، نتيجة استمرار عدم الثقة من قبل الشارع بخطوات الحكومة في تحقيق اشتراطات الانتفاضة قبل الانتخابات المبكرة.
ويرى رئيس “المجموعة المستقلة للأبحاث” منقذ داغر، أن “خوض العراق الانتخابات في ظل الوضع الراهن بعد مقاطعة التيار الصدري ،وأجزاء كبيرة من قوى الانتفاضة، وتصاعد حملات المقاطعة في الشارع، ومؤشرات الثقة المتدنية بالحكومة ومفوضية الانتخابات واستمرار نفوذ الميليشيات، يمثل مغامرة غير محسوبة المخاطر”.
ورأى داغر أن “كل المؤشرات تشير إلى أن الانتخابات المقبلة لن تحقق أي إصلاح، على الرغم من جهود الحكومة والمجتمع الدولي لإنجاحها، الأمر الذي يعني أن الإصرار على إجرائها في موعدها يمثل محاولة لإنجاز فرض لا أكثر”. وحدد داغر إشكاليتين تمثلان العقبة الأكبر أمام الانتخابات المقبلة، تتمثل الأولى في أن “النظام السياسي في العراق ما يزال مرهوناً بيد القوى الرئيسة الممسكة بالسلطة”، أما الإشكالية الأخرى، فتتعلق بـ “كون انتفاضة (تشرين) لم تستطع تطوير قوى موازية للدولة العميقة في العراق”.
انتخابات قد تطيح بالنظام
ومثلت الأشهر الأخيرة محطة الاختبار الأكبر بالنسبة إلى حكومة الكاظمي، حيث تزايدت عمليات الاغتيال وحالة الإفلات من العقاب، ما حفز الأحزاب التي انبثقت من الانتفاضة على اتخاذ خيار المقاطعة.
ولعل عدم إحداث أي متغيرات في موازين قوى السلطة، واستمرار توسع نفوذ المليشيات الموالية لإيران جعل المحتجين العراقيين ينظرون إلى الانتخابات المقبلة بوصفها “حدثاً مفرغاً من محتواه”، الأمر الذي يدفع المراقبين إلى ترجيح إمكانية حدوث “انفجار احتجاجي كبير” قد يطيح بالنظام السياسي.
وصرح رئيس “مركز التفكير السياسي”، إحسان الشمري، أن الانتخابات المقبلة “لن تمثل بادرة إصلاح للعملية السياسية، خصوصاً مع استمرار مؤشرات سيطرة القوى التقليدية على النظام السياسي في البلاد”. وأوضح أن “تمكن أدوات القوى التقليدية من السيطرة على مؤسسات الدولة، وعدم صعود قوى الانتفاضة وبقية القوى المستقلة، يزيد من عدم جدوى إجراء الانتخابات في موعدها المقرر”.
ويبدو أن حالة الانسداد السياسي ستمثل السمة الأبرز لمرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، كما عبر الشمري مشيراً إلى أن، هذا الانسداد “سيتفاقم مع استمرار صعود ذات القوى الممسكة بالسلطة، ما قد يؤدي إلى قطيعة أكبر بين الرأي العام والنظام السياسي في البلاد”.
واعتبر الشمري أن الانتخابات المبكرة مثلت “طوق نجاة للقوى السياسية لكسب الوقت، ومحاولة منها لاستعادة شرعيتها بعدما جرى خلال الانتفاضة”.
وأكد أن نتائج الانتخابات المقبلة ستكون “متوقعة جداً”، مع استمرار مقاطعة قوى الانتفاضة والنخب المستقلة، الأمر الذي يعزز المخاوف من “احتمالية حصول احتقان كبير في الشارع”. وختم قائلاً إن، “حالة عدم الثقة بانتخابات عام 2018، كانت من بين العوامل الرئيسة التي أشعلت فتيل انتفاضة أكتوبر 2019، وهذا الأمر بات متوقعاً بوتيرة أسرع في حال جرت الانتخابات في ظل الظروف الحالية”.
محاولات لإقناع التيار الصدري
ويبدو أن الحراك في الأروقة السياسية في الفترة الأخيرة بات ينصب بشكل رئيس على محاولة إقناع التيار الصدري بالعدول عن موقفه بالانسحاب من الانتخابات.
وقال أستاذ الإعلام غالب الدعمي، إن “الانتخابات المقبلة ستؤجل الصراع في البلاد لكنها لن تنهيه”، مبيناً أن هذا الأمر، “هو ما يدفع الكتل التي كانت معارضة لإجراء الانتخابات إلى الإصرار عليها، في مسعى للحفاظ على أكبر قدر ممكن من وجودها في السلطة”. وأضاف الدعمي أن “كلاً من واشنطن وطهران فضلاً عن قوى إقليمية ودولية أخرى، ترغب بإجراء الانتخابات في موعدها، لإنهاء الاضطرابات التي تعيشها البلاد خلال الفترة الحالية”. وأشار إلى أن عدم اشتراك التيار الصدري في الانتخابات المقبلة يمثل “مشكلة كبيرة”، لأن هذا الأمر يعني “وجود كتلة بشرية كبيرة معارضة قادرة على التحرك لعرقلة الانتخابات”.
أما بشأن مقاطعة قوى الانتفاضة، فرأى الدعمي أنها “لن تكون ذات جدوى”، مبيناً أن قوى الانتفاضة “لم تنجح في إنتاج قوى مؤثرة في المشهد السياسي”.
ورجح أن يكون التيار الصدري أمام خيارين، إما “العدول عن قرار الانسحاب، أو ترك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الخيار لمرشحي التيار بالاشتراك من عدمه، ويوفر لهم الدعم من خلف الكواليس”.
وأشار الدعمي إلى وجود “رغبة إقليمية ودولية لعودة التيار الصدري إلى السباق الانتخابي”، لافتاً إلى أن، “الولايات المتحدة تخشى سيطرة الجماعات الموالية لإيران على المشهد السياسي، فيما ترغب إيران أيضاً بعودة التيار الصدري لتجنب الكتلة البشرية التي يمتلكها، فضلاً عن احتمالية خلقه اضطرابات داخل البيت الشيعي”.
المقالع تعبر عن راي كاتبها