انتقاد أي شيء يقوم به الرئيس الأميركي الأسبق يعتريه خطر التعرض لحملة محمومة مضادة. وقد يرمى بكم في عرين الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي وتصنفون ضمن نفس المجموعة المتشددة مثل مارجوري تايلور غرين، و”رجل الوسادة”، لكن علينا أن نكون صادقين في هذه القضية
ستيفان لايونز – إيليوي
في ذكرى ميلادي الستين أهدتني زوجتي صورة ضفدع وضعتها في إطار. لكن انتبه، لم تكن صورة أي ضفدع، بل صورة ضفدع متضخم (ثؤلولي warty) من النوع البرمائي الذي يحتل باحتنا الخارجية هنا في ولاية إيلينوي. بالإضافة إلى ذلك، اتصلت ابنتي الرائعة من ولاية واشنطن (ليس واشنطن العاصمة) وأرسل والدي وأصدقائي كلمات المعايدة بواسطة الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، كما وصلتني بعض التهاني الهاتفية من مناطق بعيدة للغاية مثل السويد وواشنطن العاصمة.
لقد قدرت كل الانتباه الذي لقيته خلال دخولي مرحلة الستينيات من عمري، ولكنني للحقيقة لم أكن أرغب كثيراً في إعلان الحدث للعالم بأنني استفدت ثلثي حياتي (أو ربما أقل) دون أن أصبح مشهوراً أو غنياً.
الرئيس الأسبق باراك أوباما ينظر إلى بلوغه عيد ميلاده الستين بشكل مختلف للغاية. فإذا أخذنا في الاعتبار المخطط الأساسي للاحتفال بالمناسبة في منزله الخاص المطل على المحيط في “مارتاز فينيارد” Martha’s Vineyard، وهو ملك يضم أكثر من 30 فداناً قيمته اثنا عشر مليون دولار أميركي، الذي كانت الأخبار المتناقلة تقول إنه سيكون حدثاً سيشهد مشاركة 475 من الشخصيات المميزين (من علية القوم) وفرقة بيرل جام Pearl Jam الغنائية، ونحو 200 موظف للاعتناء بكل ما يطلبه الضيوف المشاهير، فبالإمكان مسامحتنا لو ربطنا ذلك مع حدث آخر يقيمه رئيس سابق آخر بغرض جمع التبرعات في مارا لاغو Mar-a-Lago.
لكن اليوم، وردت أنباء عاجلة أنه وفي آخر لحظة قلص أوباما حجم هذا الاحتفال المسرف ليشمل فقط أفراد العائلة وأقرب الأصدقاء. ووفقاً لما نشرته صحيفة “النيويورك تايمز”، نقل عن مدير أعمال أوباما ديفيد أكسلرود قوله “لقد كان (الرئيس) قلقاً منذ البداية بسبب الفيروس، وألحوا في سؤالهم المدعوين إن كانوا قد تلقوا اللقاح، كما طلبوا منهم إجراء فحص مع اقتراب موعد الحفل (للتأكد من خلوهم من كورونا). فعندما نُظمت المناسبة كانت الأوضاع مختلفة للغاية، وهم استجابوا لتغير الظروف”.
قل ما شئت يا ديفيد. فالأقرب إلى الحقيقة، بالطبع “تغير الظروف” هذا تضمن تعرض (أوباما) للنقد اللاذع لقراره إقامة حفل كبير بالتزامن مع استمرار انتشار متحور “دلتا” من الفيروس.
حفل الاستقبال الصغير هذا، وكما أكدوا لنا، ما كان ليكون مثل المناسبات التي اعتبرت بمثابة الناشر الأكبر (للفيروس) التي يقيمها جمهور الحزب الجمهوري من البيض البسطاء knuckle-dragging. آل أوباما في المقابل -يختارون القيام دوماً بما هو صواب تماماً كالديمقراطيين المعروفين بوعيهم تجاه القضايا الحساسة في المجتمع woke- وكانوا (آل أوباما) قد استعانوا بمنسق لشؤون “كوفيد” للسهر على أن المشاهير مثل جورج كلوني و(المخرج) ستيفن سبيلبيرغ (والإعلامية الشهيرة) أوبرا سيكونون بأمان.
على الرغم من ذلك فإن فكرة إقامة حفل فاره ومكلف بهذا المستوى في زمن يبدو خلاله أن فيروس “كوفيد” يواصل انتشاره، والأميركيين في حالة حزن على ما خسروه من الأحبة، ووظائفهم ومنازلهم تعكس تقديرات سيئة للغاية للأمور.
إن انتقاد أي شيء يفعله الرئيس أوباما يعتريه خطر التعرض لحملة محمومة مضادة. وقد يرمى بكم في عرين أسد (جائع) على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصنفون ضمن المجموعة المتشددة نفسها، مثل مارجوري تايلور غرين، ورجل الوسادة (وهو رجل أعمال من الحزب الجمهوري الداعم لترمب يدعى مايكل جيمس ليندل) وآخرين من المصنفين حثالة القوم من المؤيدين لشعار “اجعلوا أميركا عظيمة من جديد” MAGA scum.
الليبراليون، وأنا أعتبر نفسي واحداً منهم -رغم كوني طيلة عمري أنتمي إلى يسار الحزب الديمقراطي- كانوا قد رفعوا شأن رئاسة أوباما إلى حد تأليهها. إنه يسير على الماء! لكن لنضع سنوات عهده الثماني في موقع المسؤولية في سياقها. خذوا في الاعتبار المدى الذي آلت إليه السياسة (في بلادنا) بعد تحملنا ثماني سنوات من حكم داعية الحرب جورج دبليو بوش وما تلاها أي السنوات الأربع من حكم النصاب الأكبر دونالد ترمب. وللوقت خاصية إخفاء العيوب خلال تعظيمنا حتى أبسط الإنجازات. وكما قال لاعب الغولف الشهير لي تريفينو Lee Trevino في أحد الأيام، “كلما تقدمت في العمر، يظهر كم كنت أفضل في الماضي”.
إذاً، فأصدقائي الليبراليون سيصرخون مستائين، بعد كل ما أنجزه أوباما، ألا يحق له حفل؟ كأن الزمان هو 2008 من جديد، الحقيقة لا.
فامتياز البذخ المتزايد الذي أصبح اليوم جزءاً من حياة السياسيين الأميركيين كان شيئاً لطالما أزعجني. لماذا يصبح عضو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب أو الرئيس مع الوقت فاحش الثراء؟ هذا بغض النظر عن مسألة أنه عليك أن تكون غنياً في الأساس ليتاح لك المنافسة للفوز بهذه المناصب. ثم تطلع إلى الثروات التي ستتكدس مع الوقت. (مال مقابل) نشر كتاب، عقود (استشارية)، صفقات سينمائية، مناصب في مجالس إدارة (شركات)، استحواذ من الداخل على أسهم (رائجة) وبيعها بأرباح مشبوهة. حياة السياسي مطلية ذهباً وتتضمن الحصول على فريق حراسة أمنية دائم مدعوم من دافعي الضرائب، ومنزل ثانٍ وثالث، وأفضل الطاولات في المطاعم، وأولية في عبور نظام التفتيش في المطارات خلال عملية الهروب إلى منتجع كانكون (المكسيكي)، والمزيد والمزيد. ويبدو أنه عندما تتبوأ منصباً سياسياً هذه الأيام فالأمر لا يتعلق بمجرد تحسين حياة المواطنين العاديين، بل يتعلق الأمر بتأسيس علامة تجارية. من يسعى للمثالية، عندما يكون متاحاً أن يتوفر لك مدير أعمال على صلة بمواقع (القوة والنفوذ).
آل أوباما هم من دون شك [في مصاف] علامة تجارية. إنهم جذابون، أذكياء بشكل لاذع، واليوم بالغو الثراء. بحسب دورية “بيزنس تايمز الدولية” عندما تجمع المقدم المالي لقاء كتابة كتاب بملايين الدولارات، وعقد إنتاج تلفزيوني لصالح مؤسسة نتفليكس )للبث التدفقي(، وإلقاء الخطب مقابل أجور مجزية، تبلغ ثروة آل أوباما الفعلية نحو سبعين مليون دولار أميركي. مطبوعات أخرى تقدر قيمتها بنسبة أعلى بكثير. قناة “سي أن أن المالية” قالت إن آل أوباما دخلوا البيت الأبيض في 2008 وفي جيبهم ما قيمته 1.3 مليون دولار أميركي.
أهم ما يميز آل أوباما هو أنهم محل إعجاب الكثيرين، والأهم أنهم مصدر إلهام للكثير من الشباب، وأتمنى أن يقدموا مع الوقت ثروتهم ويستخدموا موقعهم لصالح وطننا المأزوم. “فمن ينجح في أن يقدم له الكثير مطلوب منه تقديم الأكثر” حسبما قال جون كينيدي. لذلك أغاظتني تلك الحفلة الفارهة. فأنا أضع آل أوباما في مكانة أرفع من أمثال جيف بيزوس. وأتوقع منهم أن لا يتصرفوا مثل أي مليونير آخر. وأن لا يفيئوا إلى cozy up صحبة فئة الواحد في المئة (من أغنياء المجتمع) والطبقة المخملية كثيراً. وأن لا يستعرضوا حجم ثروتهم خلال الجائحة فيما نيران الفيروس القاتل مستعرة. عليهم أن يكونوا نموذجاً أفضل.
وإليكم هذا القول “التركيز في حياتكم فقط على ربح دولار آخر، يظهر فقراً لديكم في الطموح. فالسعي للربح المادي لا يمثل انتظار الكثير من ذاتكم. فقط عندما تربطون مصيركم بشيء أكبر من ذاتكم تدركون حينها حقيقة قدراتكم”. هذا ما قاله الرئيس أوباما عندما كان في سن الأربعين. كان ذلك مليون أو سبعين مليون سنة مضت.
*ستيفن جي لايونز هو كاتب نشر خمسة كتب لمقالات صحافية. كتابه الجديد عنوانه “غرب الشرق”
© The Independent