“يبدو أن كورونا أو الإيدز أو غيرهما من شبيه قد أُنتجت في المختبرات لكن على غير قصد تحولت إلى قنبلتَي نغازاكي وهيروشيما”
أحمد الفيتوري كاتب
الهدر هو العنوان للحضارة الإنسانية منذ القرن التاسع عشر، حيث الرأسمالية، مشروع ربحي لا نهائي، وحتى دون غاية غير الربح. وهدر طاقة الأرض والبشر هي المسألة الرئيسة سواء في الحروب الكبرى والصغرى، أو في الاستعداد لهذه الحروب المؤجلة. ومن نتائج هذا الهدر، اللعب بميزان الأرض والإنسان، بحيث غدا اليوم، لا غد له ممكن ومعروف، فاليوم غامض المستقبل. وكل الاحتمالات والترجيحات، تؤشر إلى أنه لا مستقبل ممكن، لأن سيد الموقف المجهول، والمعلوم أننا دخلنا العصر السيبراني، بعقلية القرن التاسع عشر، عندما كان الإنسان طفلاً يلعب بالنار، والغرب الرأسمالي استحوذ على الأرض.
فلسفة الرأسمالية، مبنية على الظن والشك. لهذا عندها كل شيء قابل للبيع والشراء، وفي الأساس “الأوكسجين”، الذي بات يُباع في قناني. والربح يعني التسابق والحروب، لأجل الاستحواذ والفوز الأكبر، وفي حمى الفوز لا تُحسب الخسائر، على الرغم من أن الرأسمالي وسواس ومتشكك، لكن الربح يجبُ ما قبله.
لهذا كان التقدم يُعنى بالنظر إلى خلف بغضب، هكذا كانت نظرة الغرب الفائز في الحرب الكبرى الثانية. الغرب وتوابعه قلب الصفحة، فمثلاً لم يتم البتة حسبة “نغازاكي وهيروشيما”، لكن كنتيجة تم ابتداع اسم آخر للحرب، التي أمست الحرب الباردة، التي أيضاً لم تُحسَب تكاليفها. فـ”شايلوك” يهودي شكسبير، يريد رطل اللحم، ولا يهمه الدم الذي سيُهدَر، ولا الأثر على جسد الأرض.
هذه الفلسفة، هذه البراغماتية، كثيراً ما صرخت الآداب والفنون في وجهها، لكنها صرخة في واد. لأن ما يتم إنجازه، في المحصلة، يعمي البصر والبصيرة. فعقب الحرب الكبرى الثانية مثلاً، قام المقاول، الفائز بعطاء إدارة العالم، بإطلاق مشروع “مارشال”، فجلب لغرض إنجازه هذا، “مهاجرين” من المستعمرات، لإعادة إعمار القارة العجوز! وقامت زعيمة العالم الحر، بإقامة الستار الحديدي، حول إمبراطورية الشر “الاتحاد السوفياتي”، الذي هو نتاج الحرب الكبرى الثانية مثلها، والذي دخلت معه في سباق تسلح، وحرب توازن نووي، استهلكت أوكسجين الأرض، فأُعيد إنتاجه كملوث للفضاء.
منذ القرن التاسع عشر، خرج الرومانتيكيون في الغرب، ضد هذا الهدر. لكن نظرتهم شابها التقصير، فكانت تنظر إلى العالم، كغرب متطور وعالم آخر قاصر عن التطور، ولهذا لا بُد من تطويره قسراً. هذه النظرة العوراء، جعلتهم يساهمون هم أيضاً، في الهدر، ومن ذلك كان ماركس “نبي القرن العشرين”، و(كتابه) “رأس المال” إنجيله. لقد انقسم الغرب منذ ذاك، لكنه انقسام حول ملكية الكرة الأرض، ومَن يكون المالك؟
هذه في تقديري، الأرضية: قرن الثور، ما يحمل الأرض الآن وهنا. الأرض التي تم هدر دمها، فهُدرت طاقة الإنسان، لأجل ذلك الهدر، وتبِعَة ذلك، تضييع الجهد والوقت والمال. واليوم تُلم كل الأخطار بالكرة الأرضية، والأقوياء القدامى والمستجدون، في غيهم يعمهون. فما زال التقدم عجل القرن التاسع عشر، وثن الرأسمالي الحالي، حتى وإن كان الحزب الشيوعي الصيني، الذي كي يلحق بعدوه الإمبريالي الأميركي، اعتمد شعار “من شابه عدوه ما ظلم”. وقد فاقمت حالة هؤلاء العاديات ضبحاً، بهذا السبق، كل الأوضاع على الكرة. الأوضاع التي كان المتسابقون وما زالوا، يعرفون جيداً الوشائج التي بينها.
لذا فإذا كان الأمر يخص الفيروسات، فإن مزرعتها في دول السباق، ووهان أو غيرها. وإن الحال من أثر ثقب الأوزون، فإن الثقب ناتج مفاعيلهم، تنبعث منه حرارة، تؤدي إلى “الهجرة غير الشرعية”، من أفريقيا المدمَّرة ومن شبيهها، أو سيول وعواصف، تدك معاقل ألمانيا الأقوى وجيرانها.
كما يبدو أن كورونا أو الإيدز أو غيرهما من شبيه، قد أُنتجت في المختبرات، لكن على غير قصد تحولت إلى قنبلتَي نغازاكي وهيروشيما، مع فارق أن هذه الفيروسات، مثلما القنابل الصديقة. وأن الانبعاثات التي سبّبت الثقب، من ذات المصدر، لكن مصائبه كـ”فرانكشتاين”، خارجة عن السيطرة.
تسونامي الكورونا المتطورة تعم العالم، تسونامي الحرارة والعواصف تعم العالم، تسونامي السيبراني تعم العالم، تسونامي العجز والارتباك تعم العالم، من قرصنة سفن، فقرصنة سيبرانية، وضرب حواسيب وتعطيل حسبات، وتفجير نووي لعاصمة، دون قنبلة ذرية. ومن هذا وما أعيش، سأختم المقالة عجزاً بقولة، عقب الحرب الكبرى الأولى، للإيطالي أنطونيو غرامشي “القديم يحتضر، والجديد لم يستطع أن يولد بعد، وفي هذا الفاصل، تظهر أعراض مرضية كثيرة، وعظيمة في تنوعها”