تباينت آراء محللين سياسيين، إزاء بقاء رئيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، في مواقعهما الحركية، وعودة رئيس مكتبها السابق، خالد مشعل، لصفوف القيادة.
ويرى البعض أن هذه النتائج طبيعية لانتخابات “نزيهة”، في حين ربطها آخرون بسعي الحركة نحو الحفاظ على تحالفاتها الإقليمية مع المحور الذي تقوده إيران بالمنطقة، وسعيها في الوقت ذاته لتحسين علاقاتها مع المحور المناهض الذي تقوده السعودية.
والإثنين 2 أغسطس/آب 2021، أعلنت حركة حماس، أن هنية ونائبه العاروري قد أُعيد انتخابهما، لدورة جديدة تستمر حتى عام 2025.
وسبق أن انتخبت الحركة كلاً من: خالد مشعل رئيساً لإقليم الخارج بـ”حماس”، في أبريل/نيسان الماضي، خلفاً للقيادي ماهر صالح، والعاروري رئيساً لإقليم الضفة الغربية في يوليو/تموز (إضافة لشغله منصب نائب الرئيس)، ويحيى السنوار رئيساً لإقليم قطاع غزة في مارس/آذار.
وتُجرِي “حماس” انتخاباتها الداخلية كل أربع سنوات، في ظروف مُحاطة بالسرية؛ نظراً إلى اعتبارات تتعلق بالملاحقة الأمنية من قِبل إسرائيل.
اختيار قيادة “حماس” والتوازنات في المنطقة
في السياق، يرى طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، أن مجلس شورى “حماس” راعى انتخاب هنية والعاروري لقيادة الحركة؛ لكونهما يملكان علاقات جيدة مع إيران ومصر.
وأضاف في حوار مع وكالة الأناضول: “حماس حريصة على متانة العلاقة مع إيران؛ نظراً إلى الدعم الذي تقدمه للمقاومة، وفي ظل علاقتها غير الجيدة مع السعودية”.
وتابع: “من حق حماس أن تحافظ على العلاقة مع إيران، حيث إنها عنصر أساسي في محور المقاومة، وحماس لا تنكر الدعم الإيراني”.
وأضاف عوكل: “قيادة حماس نجحت في إقامة علاقة متوازنة مع مصر وإيران، خلال الفترة الماضية، ولذلك حصلت على فرصة ثانية؛ بقاء هنية رئيساً للمكتب السياسي ونائبه العاروري، جاء بعد تجربة ناجحة في قيادة الحركة على مدار 4 سنوات”.
خالد مشعل يعود للقيادة مجدداً
وفيما يتعلق بعودة خالد مشعل لصفوف قيادة الحركة، بانتخابه رئيساً لإقليم “خارج فلسطين”، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أنه “لم يكن وليد الصدفة، بقدر ما أهَّلته قدرته وكفاءته وعلاقاته الطيبة مع جميع الأطراف ليكون الأكثر قدرة على تنفيذ سياسة الحركة وهي الانفتاح على جميع الدول”.
ويضيف حبيب لوكالة الأناضول: “مشعل له علاقة جيدة مع جميع الأطراف والدول، وضمن ذلك السعودية التي تسعى حماس لتحسين علاقاتها معها”.
ويتابع: “حماس تتأثر بالأوضاع الإقليمية والدولية، قيادة الحركة في سياستها مع الأطراف الإقليمية حريصة على لعبة التوازن بين المحاور، لكي تكون أكثر تأثيراً وأقل تأثراً بمواقف الأطراف الأخرى، ولا تكون طرفاً بالمحاور قدر الإمكان”.
وفي يوليو/تموز الماضي، أجرى مشعل، بعد توليه قيادة الخارج، لقاءً تلفزيونياً مع قناة “العربية” السعودية، دعا خلاله الرياض إلى فتح “أبواب العلاقة” مع حركته.
ووفق تقارير فلسطينية، وصلت العلاقات بين السعودية و”حماس” لأسوأ مراحلها، بعد إعلان الأخيرة أن الرياض تحتجز أحد قادتها، إلى جانب العديد من الفلسطينيين.
“حماس تسير وسط رمال متحركة”
ومتفقاً مع سابقيه، يرى سليمان بشارات، مدير “مركز يبوس للدراسات” ومقره مدينة رام الله، أن إعادة انتخاب هنية لدورة ثانية له علاقة بمحاولة الحركة “الحفاظ على علاقات متوازنة بين توفير الدعم والتمويل والمتمثل في إيران، وكذلك مقبوليَّته لدى القاهرة”.
وبالتالي فإن حماس “تحاول الحفاظ على هذا التوازن في ظل متناقضات سياسية وحالة تشبه السير وسط الرمال المتحركة”.
ويرى أن التغيير الأبرز في نتائج الانتخابات كان “انضمام خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي سابقاً، إلى تركيبة القيادة السياسية من خلال ترؤّسه الجناح الخارجي للحركة”.
ومع أن مشعل “لم يغِب عن الإطار التنظيمي وصناعة القرار” في الحركة، يرى بشارات أن ثمة “العديد من الدلائل” لعودته.
ويضيف أن “حماس” تولي أهمية كبيرة لمفهوم الانفتاح وبناء العلاقات الخارجية، معتبراً أن خالد مشعل “من الشخصيات التي عُرفت بقدرتها على التوازن في هذا الملف، وقدرتها على فتح العديد من العلاقات”.
وكان مشعل قد شغل منصب رئيس حركة “حماس” منذ عام 1996 وحتى 2017، حيث حلّ مكانه الرئيس الحالي، إسماعيل هنية.
ويتابع بشارات أن نتيجة الانتخابات الداخلية تعكس وعي الحركة “لأهمية العلاقات الخارجية، وتأثيراتها خصوصاً المحيط العربي والإقليمي الذي يمكن أن يتناغم معه الواقع الدولي”.
أما عن إعادة انتخاب رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، فيرى بشارات أن الرجل “استطاع ضبط إيقاع المواجهة مع إسرائيل وفقاً لرؤيةٍ أكثر شمولية ووضوحاً”، وهو ما ظهر واضحاً خلال المواجهة العسكرية الأخيرة في مايو/أيار الماضي.
ومن خلال إعادة انتخاب ابن الضفة صالح العاروري نائباً لقائد الحركة وقائداً لها في الضفة الغربية، يوضح بشارات أن الحركة تسعى “لإبراز نفسها مجدداً كحركة مقاومة لديها قدرة على الحفاظ على خارطتها القيادية السياسية في كافة الميادين”.
أسماء معلنة في هيئات ومكاتب “حماس”
ويختلف الكاتب الصحفي مصطفى الصواف، من غزة، مع سابقيه، حيث لا يرى أي دلالات لإعادة انتخابات قيادات الحركة. ويضيف في حديثه لـ”الأناضول”: “ما جرى تم بشكل انتخابي شوريٍّ، وبنزاهة عالية”.
ويقول إن “كل أعضاء اللجنة التنفيذية (المكتب السياسي) كانوا مرشحين لأن يكون أحدهم رئيساً للمكتب السياسي أو اللجنة التنفيذية”. ويتابع: “جرت انتخابات، وما أفرزته صناديق الاقتراع أظهر النتيجة: هنية رئيساً لحماس، ومشعل للخارج، والعاروري للضفة”. ويرى أن “الفرصة أعطيت لهنيَّة –كما كان متوقعاً- كي يكمل المشروع الذي بدأ به”.
أما عن انتخاب مشعل لقيادة الحركة في الخارج، فيرى أن لدى الرجل “رؤية حول العلاقة مع الخارج، وقد يكون الأنجحَ في ترتيب العلاقة مع العالم”.
من جهته، يرى الصحفي نواف العامر، أن أبرز تغيير أحدثته انتخابات الحركة هو “استحداث أسماء معلنة في هيئات ومكاتب الخارج والضفة الغربية، خلافاً للسابق”. ويرى أن الحركة تسعى لإحداث نوع من التوازن بين مواقعها، على اعتبار أنها حركة تمثل حضوراً وقبولاً خارجياً.
وقال إن “حماس” أولت أهمية كبرى لساحة الخارج؛ لـ”كون فلسطينيي الشتات يشكلون النسبة الأعلى من حيث أماكن انتشار الفلسطينيين”.
ويرى العامر أن 4 سنوات لكل هيئة قيادية لا تكفي لإكمال برامجها، خاصة عندما يتعلق الأمر بحركة مقاومة. ويضيف: “بقاء شخصيات وتحديداً السنوار، بموقعها، يدل على قوة تأثر المقاومة في قطاع غزة، خاصةً أن الرجل ذو خلفية عسكرية ويحظى بحضور شعبي”.