كان تحالف الشيوعيين العراقيين مع تيار سياسي ديني متخلف وطائفي سبق له وأن ارتكب جرائم ضد الإنسانية يقوده رجل دين اسمه مقتدى الصدر صادما بالنسبة للكثيرين ممن لم يتعرفوا من قبل على تفاصيل الفشل السياسي الشيوعي في العراق.
تسعون سنة من الفشل من غير مراجعة أو مساءلة أو نقد ذاتي.
“ليس كافيا أن تكون شيوعيا لكي تكون تقدميا” عبارة هي خلاصة تلك التسعين سنة من النضال السلبي. ومن أجل أن نتحاشى الخوض في تفاصيل يمكن أن تملأ الاف الصفحات بالألم المستفهم والحيرة المعذبة يكفي القول إن تواطؤ الحزب الشيوعي العراقي مع أعدائه من قوى اليمين والرجعية قد أدى إلى وقوع مجازر عديدة، راح ضحيتها الالاف من الشيوعيين الذين لم يكن لديهم ذنب سوى أنهم وثقوا بنزاهة قيادتهم التي كانت تمارس استبدادا مغلقا على سلوك ذرائعي لا يمت إلى مبادئ الشيوعية بصلة.
أحيانا كانت القيادة الشيوعية تضحي بقواعدها وتنجو بنفسها ومَن هو مقرب منها كما حدث عام 1979 وأحيانا أخرى كانت لا تجد الوقت للهرب فتُذبح كما حدث عام 1963.
وبالرغم من كل الهزائم التي مني بها الحزب الشيوعي العراقي وبالرغم من أن الأحياء من المنتسبين إليه قد قضوا الجزء الأكبر من حياتهم خارج العراق فإن كل ذلك لم يدفع القيادات إلى النظر إلى دورها التوعوي بقدر من النزاهة والتعفف والمبدئية بحيث يكون الشيوعي نموذجا يُحتذى به على مستوى تمسكه بالدولة المدنية والمجتمع المتنور والقيم الحضارية التي تتيح للمواطن العراقي فرصة الانفتاح على العالم وانفتاح العالم عليه.
كان أسوأ ما فعلوه بعد 2003 أنهم انضموا إلى موكب الحشود الرجعية التي رحبت بالمحتل. كان ذلك حدثا كارثيا استسلم له الشيوعيون بألفة ويقين كما لو أن شيوعيي العالم لم يكونوا عبر السنوات في مقدمة الصفوف المقاومة للاحتلال. لقد وضعوا التاريخ على الرف وصاروا ينظرون بإعجاب إلى زعيم حزبهم وهو يلتقط الصور مع ممثلي سلطة الاحتلال. كان أعظم انجاز لهم في تلك المرحلة أن يُعين واحد منهم وزيرا للثقافة. فالثقافة مهنتهم كما أوهموا الكثيرين بذلك.
في ذلك الوقت كانت مكاتبهم تُحرق بمَن فيها من قبل أنصار مقتدى الصدر. يومها توهم الصدر أنهم تقدميون ولأن كل تقدمي هو كافر من وجهة نظره كما أن هناك فتوى “الشيوعية كفر والحاد” فقد أمر أتباعه بتصفيتهم ولم يكن يخطر في باله أنهم سيركعون في حضرته بعد سنوات معلنين عن ايمانهم بخطه “الثوري”.
وهكذا تحالف الشيوعيون العراقيون مع قتلتهم. خليط من خيانة التاريخ والتنكر للمبادئ والصلافة في مواجهة الحقيقة التي ابتذلوها تحت شعارات التكتيك والحتمية التاريخية التي وضعوها على الميزان في المزاد.
مَن تابع مسيرة الخيبة والتخاذل والنفعية التي مشى فيها الحزب الشيوعي لابد أن يفهم السبب الذي يدعو بعض قوى اليسار التونسي إلى الدفاع عن حركة النهضة والوقوف ضد الإجراءات القانونية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد من أجل إيقاف الانهيار الاقتصادي الذي سببه فساد الطبقة السياسية من الأحزاب الحاكمة وفي مقدمتها حركة النهضة.
من خلال ردود أفعال أحد زعماء اليسار التونسي المنفعلة اكتشفت أن الأخوة اليساريين في تونس يصدقون أن مجلس النواب الذي حولته حركة النهضة وأنصارها من الأحزاب الأخرى إلى سيرك غلب التهريج فيه على تشريع القوانين هو عنوان الديمقراطية وأن رفع الحصانة عن أعضاء مجلس النواب من أجل تقديم الفاسدين منهم إلى القضاء هو جريمة في حق الديمقراطية وأن قيام الرئيس بواجباته الدستورية استجابة لنداء الشعب هو خرق للدستور.
ما الذي ترغب فيه قوى اليسار فيه وهي تدافع عن التيارات الرجعية التي أغرقت البلد عبر عشر سنوات في بحر من الظلام؟