تزداد الاشارات الى أنّ منطقة الشرق الأوسط والخليج تبدو مقبلة على احداث كبيرة في ظلّ إصرار ايران على لعب دور يفوق حجمها والذهاب بعيدا في لعبة التصعيد. من الصعب التكهّن بطبيعة هذه الاحداث التي يمكن ان تصل الى مواجهات عسكريّة تتجاوز ما نشهده منذ سنوات عدّة، خصوصا في سوريا حيث تقصف إسرائيل بين حين وآخر مواقع إيرانية. ليس مستبعدا تحوّل لبنان الى جزء من مواجهة شاملة في المنطقة في ظلّ السيطرة التي يمارسها “حزب الله” عليه من جهة والمخاوف الإسرائيلية المتزايدة من الصواريخ والطائرات المسيّرة الايرانيّة من جهة اخرى.
يبدو واضحا ان “الجمهوريّة الاسلاميّة” مصرّة على فرض شروطها على كلّ صعيد وفي كلّ مكان، من العراق، الى سوريا، الى لبنان… الى اليمن. اكثر من ذلك، تعتقد ايران انّ في استطاعتها فرض فصل تام بين ملفّها النووي والعودة الى اتفاق 2015. معنى ذلك غياب أي ربط بين ذلك الملفّ وبين سلوكها في المنطقة. هذا ما شدّد عليه أخيرا “المرشد” علي خامنئي برفضه تضمين ايّ اتفاق جديد مع الإدارة الأميركية فقرة تفتح الباب مستقبلا امام أي بحث في تدخلات ايران خارج حدودها وصواريخها…
ليس سرّا ان أطرافا عدّة عربيّة وغير عربيّة تحذّر منذ فترة طويلة من العودة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني ورفع العقوبات الأميركية عن “الجمهوريّة الاسلاميّة” من دون التطرّق لا الى الصواريخ الباليستية ولا الى الطائرات المسيّرة. كذلك، مطلوب تجاهل وجود الميليشيات المذهبيّة الإيرانية التي تعمل في العراق والتي دمّرت سوريا ولبنان واقامت كيانا خاصا بها في اليمن. تحوّل هذا الكيان الى مجرّد قاعدة لإطلاق الصواريخ والمسيّرات في اتجاه الأراضي السعوديّة، بما في ذلك مطارات مدنيّة ومنشآت نفطية. بكلام أوضح، تحوّل الوجود الإيراني في اليمن الى وسيلة لابتزاز المملكة العربيّة السعودية وكلّ دولة من دول شبه الجزيرة العربيّة.
كان الهجوم الإيراني الأخير على ناقلة نفط يملكها إسرائيلي في بحر العرب قبالة خليج عُمان نقطة تحوّل في الحرب الدائرة على نار خفيفة منذ فترة طويلة بين إسرائيل و”الجمهوريّة الاسلاميّة”. كشف الهجوم امتلاك ايران لتكنولوجيا حديثة تسمح لها بالردّ على إسرائيل في البحار. مثل هذه التكنولوجيا، التي قد تكون وراءها الصين، ستكون في غاية الفعاليّة في حال اضحت في تصرّف الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” والعاملة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. الأخطر من ذلك كلّه، ان ليس امام ايران سوى التصعيد لأسباب داخليّة واقليميّة واميركيّة في الوقت ذاته.
داخليا، تواجه ايران، عشيّة تسلّم الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي مهمّاته، ازمة عميقة. هذه الازمة هي ازمة نظام لا يمتلك خيارا آخر غير الهروب المستمرّ الى خارج حدوده. يلجأ الى ذلك نظرا الى عجز لدى النظام على القيام بعملية نقد للذات من منطلق انّ فشله فشل اقتصادي اوّلا وانّ لا قدرة له على إيجاد أي حل لهذه المشاكل حتّى لو وضع نفسه في الحضن الصيني كلّيا.
كان كافيا فرض إدارة دونالد ترامب عقوبات على “الجمهوريّة الاسلاميّة” كي يتبيّن كم ان اقتصادها هشّ. ما يعيشه اهل الاحواز ليس سوى جزء من المأساة الإيرانية التي يختزلها نظام يعتقد انّ الهرب الى خارج حدوده وتحقيق انتصارات على العراق والعراقيين وسوريا والسوريين ولبنان واللبنانيين واليمن واليمنيين سيجعل منه قادرا على الحصول على اعتراف دولي، اميركي تحديدا، بانّه قوّة إقليمية مهيمنة لا مفرّ من الوقوف على خاطرها والانصياع لشروطها.
عاجلا ام آجلا، سيترتب على النظام في ايران التصالح مع الواقع ومع انّ ايران التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد بقليل على ثمانين مليونا ليست سوى دولة من دول العالم الثالث. معنى ذلك ان ايران تحتاج قبل كلّ شيء الى التصالح مع نفسها بدل متابعة الهروب الى امام… الى خارج حدودها. من شروط تحقيق هذه المصالحة الاهتمام بشؤون الإيرانيين ورفاههم بدل توظيف إمكانات كبيرة من اجل انقاذ نظام سوري يشنّ حربا على شعبه، على سبيل المثال وليس الحصر.
إقليميا، لا تستطيع ايران إيجاد أي علاقة طبيعيّة مع ايّ بلد عربي، اكان قريبا منها او بعيدا عنها. اكثر من ذلك، ليس لديها سوى ميليشياتها المذهبيّة تصدّرها الى هذا البلد او ذاك. حيثما حلّت ايران يحلّ الخراب. هل أسوأ مما حلّ بلبنان الذي فقد أبناؤه الامل بايّ مستقبل افضل والذين بات طموحهم مقتصرا على كيفية إيجاد وسيلة للهجرة؟