بايدن الذي يأمل في إقامة “بناء دولي جيد” عليه إجراء “تحول في النظام السياسي والاقتصادي الأميركي”
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
الرئيس جو بايدن يستعيد الرهان الأميركي على “تحالف الديمقراطيات”، بعد أن حذفه الرئيس دونالد ترمب من قاموسه، لكن الظروف داخل الولايات المتحدة، وفي العالم، لا تخدم بايدن بمقدار ما خدمت ترمب. فالرئيس السابق غازل السلطويين، وحاول أن يحكم كسلطوي. لا، بل وصل جنون العظمة عنده إلى حد القول إنه لو ترشح على لائحة واحدة ضده واشنطن ولينكولن، قبل كورونا، لفاز هو، كما جاء في كتاب جديد لمراسلي “واشنطن بوست” تحت عنوان “أنا وحدي يمكنني إصلاحه: السنة الأخيرة الكارثية لدونالد ترمب”. وهو، حسب الكتاب، كان يراقب عبر التلفزيون هجوم الغوغاء على الكونغرس. ولم يكن خيالاً تخوف رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، من أن “يستغل ترمب أحداث الكابيتول، كما فعل هتلر في حريق الرايخستاغ لبدء ديكتاتورية نازية”. ولا تحذيره من ظهور شيء في الشارع، مثل “القمصان البنية” على غرار تلك التي كانت تحمي التجمعات النازية. حتى وزير العدل السابق، فإنه لفت نظر من يجب إلى أن ترمب يبحث عن “انقلاب عسكري” لإعلان النصر.
والتحدي أمام بايدن في الداخل يبدأ من الانقسام السياسي الحاد. فقد انتهى “المبدأ” الذي أعلنه السيناتور الجمهوري النافذ في السياسة الخارجية آرثر فاندنبرغ أيام روزفلت وترومان، وهو “السياسة تتوقف عند حدود المياه الزرقاء”. وبايدن الذي يأمل في إقامة “بناء دولي جيد” عليه إجراء “تحول في النظام السياسي والاقتصادي الأميركي”، كما يقول تشارلز كوبتشان وبيتر تروبوفيتز في “فورين أفيرز”. وهذا ما فعله روزفلت وجعله رئيساً عظيماً. فهو، إلى جانب استخدام الدبلوماسية والقوة في الخارج، قرأ جيداً “الجيوبوليتيك وميز بين المصالح الحيوية والهامشية وبين الأصدقاء والأعداء كما بين القدرات والرغبات، وعرف أين الخطوط الحمر وكيف تبني دعماً سياسياً ثابتاً لأجندة دولية خلال زمن الأزمة”.
والتحديات في الخارج ليست أقل، حيث يزداد “إغراء السلطوية” بسبب النجاح الاقتصادي للصين تحت السلطة المتشددة للحزب الشيوعي والأمير العام شي جينبينغ. كذلك الحال لأسباب أخرى في نماذج فلاديمير بوتين الروسي، وألكسندر لوكاشنكو البيلاروسي، وأوربان المجري، وأندريه دودا البولوني، ودوترتي الفيليبيني، وأورتيغا النيكاراغوي، ورجب طيب أردوغان التركي، وجاير بولسونارو البرازيلي، وآخرين، إذ بعد عشرين سنة من الغزو الأميركي لأفغانستان وإسقاط نظام “طالبان” وضرب “القاعدة” وإقامة نوع من الديمقراطية الانتخابية تنسحب أميركا وتعود “طالبان” إلى السيطرة على الريف والمحافظات، ويعود “القاعدة” مع ضيف إرهابي جديد هو “داعش”. وبعد عشر سنين من المطالب الشعبية بالحرية والخبز والديمقراطية في ما سمي “الربيع العربي” أمسكت باللعبة حركات الإسلام السياسي التي تقول إن “الديمقراطية كفر”، ثم جاء القمع عبر الأنظمة السلطوية التي نجت. وفي ميانمار عادت الديكتاتورية العسكرية بانقلاب على السلطة الديمقراطية الشرعية قاده الجنرال مين لونغ هلانيغ. وفي هونغ كونغ حل القمع الصيني محل الديمقراطية على الرغم من التزام بكين شعار “بلد واحد بنظامين” عند استردادها من بريطانيا عام 1997.
وعلى العموم، فإن “الموجة الثالثة من الديمقراطية” انحسرت، كما يسجل ستيبارد هاغارد وروبرت كوفمان في كتاب “نكوص ديمقراطي في العالم المعاصر”. وهي الموجة التي بدأت في إسبانيا والبرتغال واليونان خلال السبعينيات من القرن الماضي، وفي أميركا اللاتينية خلال الثمانينيات، وفي أوروبا الشرقية خلال التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
والسؤال هو إلى أي حد يستطيع بايدن إجراء تحولات في “النظام السياسي والاقتصادي” الأميركي لنجاح الرهان على استعادة المد الديمقراطي في العالم؟ والجواب، حتى إشعار آخر، أن الانقسام في أميركا يتعمق، وسيطرة ترمب على الحزب الجمهوري تزداد قوة، على الرغم من فضائحه. أما في الخارج، فإن أقصى الطموح لدى القوى الديمقراطية ليس التوسع، بل الحفاظ على ما بقي من الديمقراطية في أميركا وأوروبا واليابان والهند وكوريا الجنوبية. وليس سراً أن المرشد الأعلى علي خامنئي يرى أن “الديمقراطية في الغرب ستلقى مصير الماركسية في الشرق”.
ولا أحد يعرف إلى متى يستمر “الشتاء السلطوي” ومعه إرهاب لكل الفصول بعد انكسار الأحلام وتعاظم الكوابيس في “الربيع العربي”.