ولكنها هشة بفم من دون أسنان!


لا أحد يهتم بالديمقراطية ويعتبرها الحل الأمثل الذي توفر حتى الآن لمشكل الحكم

أحمد الفيتوري كاتب 

لي صديق لا يقبل أن يغلب في أي لعبة، وكان لاعباً مهووساً بلعبة الشطرنج، ولهذا كثيراً ما يدرك أن الهزيمة على الطاولة، وفي هذه الحالة، يخترع طريقة ما لإنهاء اللعبة، وإن عجز خبثه يقلب الطاولة. وهكذا حاله عند أي حوار، حيث كثيراً ما يرمى قفاز ملاكم في وجه من يحاور، وذلك عند انسداد مسار الحوار عنده، وهو في هذه الحالة، دائماً على عجلة من أمره، ولهذا سرعان ما يمل من أي إسهاب، مهما كان ضرورياً.

كنا نتابع معاً، الانتخابات الأميركية الأخيرة، حين رمى قفازه، على عجل وبقوة، في وجه جو بايدن، من يظهر على شاشة التلفزيون: أنت الهش. جاء ذاك تعليقاً على تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن، عقب التصويت في مجلس الشيوخ، بشأن إدانة سلفه دونالد ترمب، في المحاكمة الثانية غير المسبوقة له: “بينما لم يؤدِ التصويت النهائي إلى إدانة، فإن جوهر الاتهام ليس محلاً للخلاف، ثم وكد جو بايدن، إنّ ذلك الاعتداء يُظهر أنّ (الديمقراطيّة هشّة)”.

لقد تذكرت عندئذ الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وحديثه عن أن لديمقراطيته أنياباً، لم أذكر ذلك لصديقي، من كان على استعداد، أن يغرس أنيابه في رقبتي. لكن بانتباه انغمست، متابعاً الرئيس الأميركي المنتخب، لمعرفة ديمقراطية جو بايدن الهشة، من أضاف: “هذا الفصل المحزن من تاريخنا، ذكّرنا بأن الديمقراطية هشة، يجب الدفاع عنها دائماً، يجب أن نكون على الدوام يقظين”.

لا أحد يهتم بالديمقراطية، ويعتبرها الحلّ الأمثل، الذي توفر حتى الآن لمشكل الحكم، لا أحد لا يعرف أن الديمقراطية فم من دون أسنان، بالتالي لا أنياب لها. ومن هنا هشاشتها، حيث يعرف الكثيرون، أن هتلر جعل من الصندوق دبابته. الصندوق ما هو وسيلة من وسائل الديمقراطية، تحول عند أعداء الديمقراطية، إلى أداة للانقلاب على الديمقراطية.

لكن الديمقراطية، التي يعاب عليها هشاشتها، في هذه الهشاشة تكمن قوتها، تكمن القوة الكاشفة عن معايب المجتمع. ما في اللحظة التي يمارس فيها الديمقراطية، تكون القوة الرادعة، للانزلاق نحو الانفراد بالسلطة، كما رأينا في الانتخابات الأميركية الأخيرة، حيث صححت الديمقراطية الأميركية، الأوضاع الأميركية المتأزمة. وهذا مشروط، بأن القوة الديمقراطية تدرك هذه الهشاشة، ويقظة لسبل الانفكاك، من هذه الهشاشة البنيوية.

ما الذي تعنيه الهشاشة البنيوية، غير أن الديمقراطية، بحاجة دائماً إلى من يذود عنها، سواء كانت سنها، تعادل سن الولايات المتحدة الأميركية، أو كانت ديمقراطية ناشئة، كما في الجمهورية التونسية. وعلى ذلك ليس الأمر مخصوصاً، بالمجتمعات المتقدمة، فالديمقراطية ضربت بقوة في بلاد كألمانيا مثلاً، في حين أنقذت حتى الساعة الهند، من التفكك والحروب الأهلية، الهند الأمية المتعددة الأعراق، تمثل الديمقراطية الكبرى في العالم.

من ناحية أخرى، هددت الديمقراطية بقوة خلال عام 2020، زمن الكورونا في الولايات المتحدة، مما كان يعني ساعتها، خطراً كبيراً في الكرة الأرضية. وقد عقد الكونغرس الأميركي، الثلاثاء الفائت، أول جلسة استماع، لأحداث محاولات اقتحامه، التي جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. ووكد رئيس لجنة الكونغرس بيني طومسون أن المشاغبين “جاؤوا مستعدين للقتال، وكانوا على وشك النجاح”.

وكان بعض الباحثين الغربيين لديهم تشاؤم، من مستقبل الديمقراطية، فالتقرير السنوي لهيئة فريدم هاوس الأميركية لعام 2017، يشير إلى أن: مستقبل الديمقراطية في العالم مظلم، وأن خصوم الديمقراطية يتقدمون باطراد لإقامة النظم السلطوية، مما يجعل الدول الديمقراطية، تواجه أكبر تحدٍ لها، منذ نهاية الحرب الباردة.

وإذا كانت الديمقراطية هشة، وفي خطر في أعرق بلدانها، فكيف تكون حالها وهي ناشئة وفي مقتبل العمر، بفم لا أسنان له؟ لا أحد يشك أنها ستكون أكثر هشاشة، وأن لا أحد يحرسها، حيث قلة من يحرص عليها. لكن كما يبدو في العالم، الذي سدت فيه السبل، ما من مستطاع إليه السبيل غيرها، بهشاشتها وضعف عودها. وإذا أصغينا السمع وتابعنا الأحداث، فإن ما يحدث في تونس، الحدث الجلل كما تُحدثنا كل العواجل، والذي هو شأن، يمس مسألة الديمقراطية الهشة، ما هُددت منذ شهور، في بلاد من بلدان نشأة الديمقراطية.

الكونغرس الأميركي، يعقد أول جلسة استماع، لأحداث محاولات اقتحامه، أيضاً العالم مشغول بالكونغرس التونسي! وهما بغض النظر عن الفروق، درس في الديمقراطية الهشة.