لم يمرّ أسبوعان على اعتذار رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عن تشكيل الحكومة في لبنان، حتى تم تكليف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بتأليفها.
ووصف الإعلام اللبناني مهمة ميقاتي بـ “الانتحارية” الذي أكد بدوره أنه لا يملك “عصا سحرية” لحل الأزمة، فهو لا يستطيع “فعل العجائب” في ظل ظروف صعبة جدا يمر بها البلد.
إلّا أنّ اللافت في حديثه من قصر بعبدا، فور تكليفه، أنّه “مطمئن”، وأنه “لو لم تكن لدي الضمانات الخارجية المطلوبة، لما كنت أقدمت على ذلك”.
وميقاتي، نائب عن مدينة طرابلس (عاصمة الشمال)، وسبق أن ترأس الحكومة مرتين، الأولى عام 2005 والثانية في 2011، ومعروف عنه بأنه أتى إلى السياسة من صفوف رجال الأعمال.
ومنذ عام ونصف، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية.
حظوظ ميقاتي بالتشكيل
الجو الإيجابي الذي أطلقه ميقاتي، لم يلاحظه المحلّل السياسي والصحافي طوني عيسى، الذي رأى أن الفرصة المتاحة أمام ابن طرابلس بتشكيل الحكومة تساوي سابقتها للحريري.
وقال عيسى إن الحريري أضاع 9 أشهر، وميقاتي سيكمل المسيرة ذاتها، غير أن العنصر الوحيد الّذي قد يغيّر هذه المسيرة هو كلام ميقاتي عن “ضمانات دوليّة”.
وأردف: “لا أتوقّع أنّ الإنقاذ الكبير والإصلاح في البلد ممكنان في هذه المرحلة”.
كلام عيسى تعارض مع كلام الكاتب والمحلّل السياسي إبراهيم بيرم، الّذي رأى أنّ المعطيات تدلّ على أنّ ولادة الحكومة قريبة.
وقال بيرم، إنّ هناك اتفاقًا كبيرًا ترعاه فرنسا عنوانه “إنقاذ ما يمكن إنقاذه في لبنان”، وستكون المرحلة المقبلة على صعيد الاقتصاد والمال تحت إشراف البنك الدولي.
ولفت إلى أنه “لولا وجود ضمانات خارجيّة لما قبل ميقاتي بالتكليف”.
واعتبر أنّ “الفرق بين الحريري وميقاتي، هو أنّ الأوّل لديه مشكلة مع السعودية، الّتي أبلغت المعنيّين في لبنان مباشرةً أنّها لا تريد الحريري رئيسا للحكومة”، وفق تعبيره.
أمّا الصحافي والمحلّل السياسي محمد نمر، فقال: “حتّى اليوم، لم نشهد من الطرف المعطّل (يقصد به رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل) أيّ إشارة إلى أنّه يسعى إلى تشكيل حكومة، أو أنّه سيسهّل الأمر”.
وشدّد نمر على أنّه “في حال لم تتشكّل الحكومة، وبدأنا نشهد عمليّة تعطيل، فسيكتشف اللبنانيّون والمجتمع الدولي والرأي العام أنّ المعطّل الحقيقي هو رئيس الجمهوريّة وصهره”، على حدّ قوله.
عقبات التأليف
تركّزت خلافات الحريري وعون حول من يمتلك الحقّ بتسمية الوزراء المسيحيّين، بالإضافة إلى اتهام الأول رئيس الجمهورية بالإصرار على الحصول لفريقه، ومن ضمنه “حزب الله” (حليف إيران)، على “الثلث المعطّل”، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكّم بقرارات الحكومة؛ الأمر الذي كان ينفيه عون مرارًا.
وهذا ما أكّده نمر، موضحًا أنّ “رئيس البلاد يريد تسمية الوزراء المسيحيّين، وباسيل يريد وزارات الداخليّة والدفاع والعدل، لكي يسيطر على عمل الانتخابات النيابية السنة المقبلة”.
ورأى أنه “إذا بقي هذا الطرف يطالب بالثلث المعطّل، فلن تتشكّل الحكومة”، معتبراً أن “العقبات ذاتها لا تزال موجودة أمام ميقاتي”.
وأضاف نمر: “ليس هناك قرار بتأليف حكومة، لذا يتمّ خلق ذرائع، مثل الخلاف بين الحريري وفريق رئيس البلاد”.
واعتبر أن “غياب قرار التأليف سببه أنّ حزب الله لا يريد حكومةً، كون الصفقة في الشرق الأوسط بين الأمريكيين والإيرانيّين لم تنضج بعد”.
وأردف: “لهذا السبب لا يعرف حزب الله أيّ اتجاه يجب أن يسير فيه”، مضيفاً: “عندما تتمّ الصفقة، يفرج حزب الله عن حكومة الحل، أمّا الآن فهناك تضييع للوقت”.
مهلة لتشكيل الحكومة
لا ينص الدستور اللبناني على مهلة محدّدة لرئيس الوزراء لكي يشكّل حكومته، لذا تأخذ الحكومات في لبنان أشهرًا عدة لكي تتشكّل، ما يزيد من أزمات البلد.
إلّا أنّ ميقاتي وضع مهلةً لنفسه لإنجاز التشكيلة الحكوميّة، وهي شهر.
ورأى نمر أنّ “ميقاتي وضع المهلة لنفسه ليتأكّد إن كانت هناك نيّة بالتعطيل أو بالانفراج، وعلى أساسها يتصرّف”.
في هذا الإطار، رأى بيرم أنّ “القوى السياسيّة في لبنان الّتي يمكن أن تشكّل معارضةً، هي في حال إنهاك، بما فيها حزب الله، ولا بدائل لديها، لذا فهي مضطرّة أن تقبل بالحلّ الّذي يُفرض عليها”.
تختلف التوقّعات حول حظوظ ميقاتي بتشكيل الحكومة، لا سيما أنه ورث العقبات ذاتها من الحريري، ولأن لبنان “بلد العجائب”، كما يطلق عليه أبناؤه، فإن الأنظار ستكون موجّهةً نحو الساعات والأيّام المقبلة.