بقلم: زياد ابو الرب
لا يخفى على احد المعضلة الحقيقية التي تواجهها الاحزاب الفلسطينية، على اختلاف افكارها وتنوع استراتيجياتها وهي فقدان القدرة على التاثير على الناس وخاصة فئة الشباب. فنلاحظ اليوم عدم شعور فئة كبيرة من الشباب بالانتماء للاحزاب ولا ترى في الاحزاب الفاعلة انها تمثلها او تلبي طموحاتها الوطنية و الفردية، بل ما نراه هو فقدان الثقة بما تقدمه هذه الاحزاب من طروحات، خاصة ان جيل الشباب لديه المقدرة على جمع المعلومات وتكوين مواقف بطرق مختلفة. فجيل الشباب اليوم يعيش فترة السرعة و المعلومة الجاهزة والمختصرة وينظر للحاضر والمستقبل ولم يعد يهتم بالادوات والمفردات القديمة. وعليه فان خطاب الاحزاب يجب ان يراعي هذه التحولات المجتمعية ويعمل على استخدام ادوات ومفردات تراعي الحداثة مع الحفاظ على الاطار العام لسبب وجود هذه الاحزاب وهو التحرر و بناء مجتمع فاعل. فلم يعد مقبولا لدى جيل الشباب التغني بالماضي في حين ان الحاضر يعج بالمتناقضات. والا فكيف لشباب بعمر العشرينات او الثلاثينات ان يتجاهل كل ما يقال من احزاب، بل وينقضها بشدة. واذا اردنا ان نفهم اكثر فاننا نجد حالة من الاغتراب بين ما تطرحه احزابنا المختلفة و اهداف و رؤى شبابنا وهم عصب اي حزب و قوته نحو التجديد واستمرار مسلسل نزيف اعداد المؤمنين بالاحزاب والمقتنعين بقدرتها على التغيير.
واذا اردنا ان نقدم نصح للفاعلين في هذه الاحزاب حتى تخرج من هذا المازق و تعود مؤثرة في مجتمعنا فانه يمكننا الاقتراح بالتالي:
اولا: حتى تحقق الاحزاب اهدافها وتزيد من شعبيتها، يجب ان تشكل نموذجا مؤثرا في جيل اليوم وبالتالي تخلق مبررا لابنائنا لمناصرة او الالتفاف حول هذه الاحزاب (علما بانني اقتبس مصطلع قوة النموذج من صديقي المحامي المناضل ربحي قطامش وهو من حفزني لكتابة هذا المقال) . فالحزب يلزمه خلق هذا المبرر من خلال قوة النموذج على التاثير، ولو نظرنا الى الاحزاب نجد انه ينقصها قوة النموذج وهذا ينطبق على جميع الاحزاب من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ومن رفح حتى جنين. وهنا ليس شرطا ان يكون النموذج مقتصرا على قضية واحدة بعينها، كنهج المقاومة مثلا، فقد يكون النموذج لبعض الاطر والكبيرة منها تحقيق العدالة المجتمعية والشفافية و المساواة وتكافؤ الفرص ويمكن ان يكون العمل على بناء جيل متعلم وقوي واحدا من النماذج العظيمة من خلال تطوير التعليم وخلق روح الانتماء الوطني وتعزيزها حيث ان قوة المجتمع من قوة ووعي ابنائه. وقد يكون بناء مؤسسات الدولة العتيدة على اسس صلبة تؤسس لخلق دولة مدنية حديثة مبنية على اساس الحداثة وتكافؤ الفرص واحدا من النماذج البناءة وتنمي روح المواطنة والانتماء. فمثلا تركيا، مع اختلاف الكثيرين مع الحزب الحاكم في عدد من الامور، تشكل نموذجا اقتصاديا واضحا للمجتمع التركي على الرغم من قوة المعارضة هناك. ومهاتير محمد شكل نموذجا للناس في ماليزيا وغيرهم الكثير من النماذج بالاضافة الى نماذج حركات التحرر الوطني في العالم.
ثانيا: يجب معرفة ما يفكر به ويحتاجه هذا الجيل والعمل على تحليله لايجاد حلول واجابات وعدم الافتراض بضرورة اقتناع شبابنا بما يقدم من طروحات، خاصة مع غياب فعل يعزز ما يطرح. فهذا الاعتقاد لم يجدي نفعا بل ويعزز حالة الاغتراب وابتعاد الشباب عن الاحزاب ويضعف فرصها بالبقاء.
ثالثا: ترويج النموذج بشكل فعال لا يقل عن النموذج نفسه بل ان النموذج المؤثر لن ينجح بدون طرحه و ترويجه بطريقة فعالة و جاذبة. فاستخدام مفردات وادوات جديدة تراعي التغيرات المجتمعية وتوصل الفكرة بطريقة سريعة وواضحة باتت ملحة وعدم الجمود باستخدام ادوات وشعارات قديمة لا تخلق تاثيرا. وهذا يتطلب تغيير الاشخاص والاساليب وبالتالي التركيز على التواصل الفعال والمبني على معرفة اراء الناس وتقديم معلومة تلامس همومهم اكثر من مجرد التغني بالماضي او تمجيد واقع هذه الاحزاب والتوقع من الناس تقبله كما هو. فنرى الخطابات و اللقاءات الاعلامية خالية من الاجابات و مقدمي هذه اللقاءات او الخطابات متشنجين واصواتهم مرتفعة وبنبرة حادة احيانا وكأن هذا الاسلوب مناسبا لاقناع الناس وخاصة الشباب لكن للاسف نجد ان كمية النقد لاي خطاب او لقاء اعلامي او حتى نشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تفوق المدح.
رابعا: لا بد من تقييم اداء كل حزب من قبل قياداته و قاعدته و اتخاذ خطوات تصحيحية والتي ربما تكون تغيير الاسلوب و النهج و الاشخاص. فلا يعقل ان يبقى منظروا الاحزاب نفسهم كل هذا الوقت على الرغم من هفواتهم واخطاءهم التي اضرت بالاحزاب و البلد. ولا يمكن تفهم بقاء بعض الاشخاص بمواقعهم على الرغم من تاثيرهم السلبي على حركاتهم، خاصة مع غياب المسائلة او تطوير اداء هذه الاشخاص.
الخلاصة:
الاحزاب الوطنية وجدت لخدمة المجتمع و تلبية طموحاته الوطنية، فيجب على الحزب ان يعمل باستمرار لكسب الاجيال الجديدة وعدم الاكتفاء بما لديه من اعضاء او مناصرين بل ويجب التاكد من استمرار اعضاءه ومناصريه الحاليين مؤيدين قولا وفعلا. فهذا يتناقض مع حقيقة حيوية المجتمعات وتجددها. والاهم انه بات لزاما على كل اطياف العمل الوطني تجدد ادوات الخطاب والتي تراعي تطور اساليب التواصل والعمل على استجابة طرح الافكار و انتقاء المفردات والاشخاص والوسائل بما يلبي طموحات الناس. فقوة النموذج و القدرة على ترويج هذا النموذج باستخدام مفردات وادوات فعالة كفيلة ان تكسب الاجيال و تضمن تحقيق اهداف الاحزاب، وغير ذلك فلا تتوقعوا من الناس ان تلتف حول اي حزب لا يقدم نفسة كقدوة حسنة. كما ان هذا الطرح لا يتناقض مع الاختلاف بين الناس، فالله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين، بل ان الابداع يكمن في الاختلاف. والاهم ان من ميزات المجتمع الفلسطيني انه شاب و لديه راسمال بشري مثقف ومتعلم و حيوي تفتقده الكثير من المجتمعات وكل المطلوب منا هو ايجاد الطرق الفعالة للاستفادة من طاقات هذا المجتمع و تحويلها لخدمة وطننا والعبور بشعبنا الى بر الامان.