المغرب والجزائر: صراع الصحراء والقبائل!

الخلاف بين سلطات المغرب والجزائر من قضايا السياسة المعروفة في المغرب العربي، ومعلوم أن هناك أسبابا عديدة له، منها التاريخية، ومنها المتعلقة بالجغرافيا السياسية، ومنها ما يخص الطبيعتين المختلفتين للنظامين الملكي والجمهوري، وما يتفرع عن ذلك من طرق إدارة الحكم والرؤية إلى القضايا الداخلية والخارجية.
يعتبر موضوع الصحراء المغربية، ودعم الجزائر العسكري والسياسي والمالي لجبهة «بوليساريو» أحد أهم القضايا التي تسهم في تأجيج النزاع وإعطائه سياقا لأشكال أخرى من الخلافات، كما حصل في آذار/مارس الماضي حين أخلى الجيش الجزائري منطقة في إقليم فجيج الحدودي من فلاحين مغاربة كانوا مقيمين هناك منذ سنوات.
دخل هذا الخلاف منعطفا جديدا وذلك بعد مبارزة دبلوماسية حصلت بين البلدين خلال اجتماع افتراضي لمنظمة دول عدم الانحياز في منتصف الشهر الجاري، فبعد قيام رمطان لعمامرة الذي تحدث عن «حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره» تصدى له الممثل الدائم للمملكة المغربية في الأمم المتحدة، عمر هلال، الذي قال إن الوزير الجزائري الذي «يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في أفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي». قامت الخارجية الجزائرية، بعد ذلك، بالرد على تصريحات السفير المغربي للأمم المتحدة، وبدا الرد، في مجمل فقراته، نسخة مقلوبة من الخطاب الذي ألقاه السفير المغربي، فردا على وصف سفير الرباط الدائم «البوليساريو» بـ«الجماعة الانفصالية المسلحة» اعتبرت الخارجية الجزائرية أن الرباط تقدم «دعما متعدد الأوجه لجماعة إرهابية معروفة» (المقصود هو «الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبايل» التي يتزعمها فرحات مهني) وردا على اعتماد الأول على القرارات الأممية في تبرير موقف المغرب من الصحراء، ردت الخارجية الجزائرية بالقول إن التصريح المغربي «يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الافريقي».
يعتبر موقف الجزائر من «بوليساريو» وقضية الصحراء أحد الثوابت التاريخية في السياسة الجزائرية، فهو يعود إلى قرابة نصف قرن، أما الموقف المغربي فهو مستجد بشكل فاجأ أصدقاء وأعداء الطرفين، لكنه لم يتجاوز عمليا، حتى الآن، إطار الدبلوماسية الاستفزازية الكلامية.
قوبل هذا الهجوم الدبلوماسي برد عنيف من الخارجية الجزائرية، ومن الصعب – إذا لم تتطور الأمور نحو الأسوأ – تحول الكلام الاستفزازي إلى دعم حقيقي مغربي لدعوى انفصال القبائل في الجزائر، وبالتالي لا يمكن أخذ اتهام الخارجية الجزائرية للمغرب بـ«الاعتراف بالذنب» على محمل الجد، وينسحب الأمر على اتهام الرباط بدعم «الجماعات الإرهابية التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين خلال العشرية السوداء».
يمكن تلمس جذور هذا التصعيد اللفظي المغربي غير المسبوق في عدة عناصر.
أحد هذه العناصر رغبة الرباط في الاستثمار دوليا بالموقف الأمريكي الذي حصلته من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يعترف (ضمن تفصيلات وشروط يعرفها الضالعون في معرفة جذور المسألة) بسيادة المغرب على الصحراء، والذي لم تحاول إدارة جو بايدن الانقلاب عليه لأسباب تتعلق بملفات اقتصادية وأمنية تتعلق بالمصالح الأمريكية في المنطقة الأفريقية، وسياسية، منها ملف التطبيع مع إسرائيل، وبالاندفاعتين الروسية والصينية في أفريقيا.
عنصر آخر في المعادلة يتمثل بقرار مغربي باعتماد سياسة هجومية في موضوع الصحراء، وهو ما تجلى بوضوح بخوض معركة مع إسبانيا بعد استضافتها لزعيم بوليساريو إبراهيم غالي، وقد أسفر الاشتباك السياسي عن تصعيد كبير مع مدريد استخدمت فيه قضيتا سبتة ومليلية المحتلتين، عبر السماح لآلاف الأشخاص بالعبور إلى سبتة سباحة (ودخول حوالى 200 شخص إلى مليلية مؤخرا).
أدت الضغوط المغربية المتصاعدة إلى إقالة وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس التي قادت المعركة ضد الرباط، ولابد أن المؤسسة السياسية المغربية لاحظت تشابها بين شخصية غونزاليس التصعيدية ضد المغرب، مع شخصية لعمامرة، الذي تعتبره الأوساط المغربية «معاديا» للمملكة ومناصرا شديدا لمنظمة بوليساريو ومطالبها باستقلال الصحراء الغربية.
ترتبط التوترات الخارجية، دائما، بتوترات داخلية، وتظهر مؤسستا البلدين السياسية والأمنية، رغم الفوارق الكبيرة بين النظامين، عسفا بالمعارضين لها، وانتهاكات حقوقية تنتقدها الجهات الأممية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وتساعد التوترات الخارجية في «تصريف» حيز كبير من التوترات الاجتماعية والاحتقان الداخلي، والعكس صحيح.