حواجز “التساكن” المحلي و”التعايش” الإقليمي والدولي


الدائرة مغلقة على لبنان والمعادلة محددة: لا حكومة يهيمن عليها “حزب الله” ولا حكومة من دونه

رفيق خوري كاتب مقالات رأي 

تعددت المحاولات والمشكلة واحدة: جمع النقيضين. كل رئيس مكلف تأليف الحكومة في لبنان يجد نفسه في طريق مسدود، من السفير مصطفى أديب المعتذر سريعاً، إلى الرئيس سعد الحريري المعتذر بعد تسعة أشهر، وصولاً إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال في بداية الطريق. وكل بحث عما سماها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “حكومة مهمة” إصلاحية إنقاذية يتحول إلى بحث عن مهمة صارت مستحيلة هي إنقاذ شخصيات فقدت مستقبلها. أبسط ما يتطلبه تأليف حكومة في محنة لبنان الحالية هو أمران مترابطان: أولهما ضمان القدرة على “التساكن” بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة متناقضين في أمور عدة: شخصية وسياسية وضمن تحالفات كل منهما. وثانيهما تأمين الرغبة والمصلحة في “التعايش” بين بقايا مشروع الدولة والدعم العربي والدولي للبنان، والمشروع الإيراني الذي تزداد سيطرته على البلد من خلال “حزب الله” وتحالفه مع رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، الذي أنشأه وقاده ثم سلّمه إلى صهره. وأقل ما على الحكومة العتيدة القيام به هو إجراء إصلاحات بنيوية والحد من الفساد والهدر والسطو على المال العام والخاص، بما يفتح الباب للمساعدات والاستثمارات وتنشيط الاقتصاد.

لكن هذا لم يعد سهلاً، بعدما كان بعضه ممكناً خلال السنوات الماضية. فالأوضاع والحسابات في لبنان وحوله تجاوزت مرحلة “التعايش” مع المشروع الإيراني. و”التساكن” الذي بدا مستحيلاً بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري سيكون أمام امتحان جديد لا أحد يضمن نتائجه مع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي دعمه الحريري ولم يرشحه “التيار الوطني الحر” ولا “القوات اللبنانية”. أما الإصلاحات، فإن المعارضين لها والخائفين منها يشكلون جبهة واسعة تضم الخصوم في مسائل أخرى. جبهة من محورين: “محور الممانعة والمقاومة” بقيادة طهران الرافض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والتوجه غرباً، والخائف من الإمساك بالمرافق الشرعية وإغلاق المعابر غير الشرعية للتهريب كوسيلة للتمويل. والمحور الآخر الذي هو “ممانعة ومقاومة” للإصلاح وضبط الإدارة ومنع “السلبطة” على موارد البلد. فالولايات المتحدة الأميركية تقول بألسنة عدة إن ما يضمن المساعدات والإنقاذ هو “حكومة اختصاصيين” لا دور فيها لـ”حزب الله”. ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، المحذر مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، من “زوال لبنان” يعلن بوضوح: “نحن مستعدون لمساعدة لبنان على التغيير، لكننا نحتاج إلى قيادة حقيقية في بيروت”.

ووزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، يقول بحسم “الوضع لم يعد قابلاً للتطبيع، ولا ترى المملكة فائدة من الاستمرار في دعم الوضع الحالي الذي قدّم لاعباً غير حكومي، هو حزب الله، يتمتع بحكم الأمر الواقع وقوة الفيتو بالسيطرة على كل ما يجري في البلد. فالطبقة السياسية لا تفعل سوى القليل للتعامل مع التحديات التي يواجهها الشعب اللبناني. ولبنان يملك مقومات للنجاح، لكنه يحتاج إلى الإصلاح ولن يزدهر بلا إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات حزب الله”. وفي المقابل، فإن وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، ينظر إلى الحراك في لبنان والبحث عن الإصلاح والإنقاذ، فيرى “مؤامرة لإضعاف إيران”. وترجمة ذلك أن الأساس هو ما يفيد الملالي، ولو أضر بلبنان واللبنانيين. والأولوية للمشروع الإيراني الذي يلغي أي مشروع لبناني يعرقل مساره.

وبكلام آخر، فإن الدائرة مغلقة على لبنان. والمعادلة محددة: لا حكومة يهيمن عليها “حزب الله”، ولا حكومة من دون “حزب الله”. لكن سياسة الفراغ والدوران في المأزق التي خدمت مشروع “الممانعة والمقاومة” صارت تضع تحديات أمام المشروع. فلا الوقت المحلي والإقليمي والدولي يلائم اندفاع “حزب الله” للإمساك الكامل بلبنان، إذ مخاطر الحرب الأهلية والحرب الإقليمية كبيرة. ولا من مصلحة هذا الحزب حالياً أن يحكم لبنان مباشرة، بدل التحكم المريح والمربح له، لأن أثقال الأزمة أكبر منه. ولا الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليون يتركون الانهيار يكتمل من دون أن يفعلوا شيئاً لوقفه. فهل تحدث معجزة هي ظهور “نافذة فرصة” مفتوحة في الجدار المغلق؟ وهل يحقق الخوف ما لم يحققه الأمل؟ الحكومة هي مجدداً المادة الأساسية في الامتحان. ولا وقت لكي يطول الامتحان مع الرئيس ميقاتي كما طال مع الرئيس سعد الحريري. والانتخابات النيابية ونهاية العهد الرئاسي على الأبواب.