أزمة مياه تخلق ظروفا مروعة في الشرق الأوسط


من الضروري اتخاذ إجراءات عالمية ملموسة لإصلاح المشكلات التي يواجهها الناس في المنطقة بدءاً من برامج الصرف الصحي والنظافة العامة

بيل ترو مراسلة شؤون الشرق الأوسط @Beltrew

“ستنشب حروب المستقبل على المياه بدلاً من النفط”، هو قول مأثور يبدو وكأنه يتحول مع مرور كل عام إلى حقيقة مرعبة بشكل متزايد، خصوصاً على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مناطق تقع على الخطوط الأمامية في مواجهة أزمات المناخ في العالم.

هذا العام على وجه الخصوص، أصبحت المياه مورداً نادراً [شحيحاً] بشكل مثير للقلق، حيث أدت الحروب والبنية التحتية المتداعية، وفي بعض الحالات، الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، إلى موجة من انقطاع متكرر في الكهرباء صارت كارثية عند اقترانها بارتفاع قياسي في درجات الحرارة.

لقد أثار ذلك اضطرابات في دول تمتد من السودان إلى إيران، وولد صراعاً عبر الحدود. سيزداد الأمر سوءاً ويتفاقم طوال الصيف ومع تواصل المصاعب والبؤس.

ولطالما دقت “اندبندنت” ناقوس الخطر في شأن هذا الأمر منذ فترة طويلة، ولكن مع بروز ظواهر مناخية متطرفة في جميع أنحاء العالم الواقع في براثن جائحة كورونا، فإن القضية صارت أكثر إلحاحاً بكثير، ففي حال فقد الناس إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب فسيصبح كبح تفشي الفيروس أصعب أكثر فأكثر.

مع انتشار الموجتين الثانية والثالثة من الفيروس القاتل على مستوى العالم، لم يعد من الممكن مواجهة برامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (WASH) باستخفاف وتجاهل. وفي عديد من البلدان، حيث لن يبدأ توزيع اللقاحات إلا في عام 2022، أو بعد ذلك، غالباً ما تكون هذه البرامج هي السلاح الوحيد ضد المرض.

قد تستغرب أن لبنان، الواقع على البحر الأبيض المتوسط والغني بالجبال والغابات والبحيرات والجداول، هو أحدث دولة تتعامل مع أزمة مياه. فقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) يوم الجمعة من أن شبكة إمدادات المياه في لبنان على وشك الانهيار التام. ففي غضون أسابيع قليلة، سيتعرض أربعة ملايين شخص، من بينهم مليون لاجئ، لخطر فقدان إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، لأن ضخ المياه سيتوقف تدريجياً في جميع أنحاء البلاد.

إذا انهار نظام إمدادات المياه العامة، تقدر منظمة “اليونيسف” أن تكاليف المياه قد ترتفع بنسبة 200 في المئة شهرياً، وستضطر العائلات إلى اللجوء إلى موارد بديلة أو موردين خاصين. وبالنسبة إلى عديد من الأسر الشديدة الهشاشة والفقر في لبنان، ستكون هذه التكلفة باهظة للغاية، إذ إن المياه ستكلف ما يعادل مرتين ونصفاً متوسط الدخل الشهري، وهو أمر صادم وصاعق.

وفي قلب أزمة المياه في لبنان مشكلة من صنع الإنسان: الانهيار الاقتصادي للبلاد، والذي، وفقاً للبنك الدولي، هو من بين الأسوأ في العالم خلال الـ150 عاماً الماضية. فقد أودى بالدولة إلى الإفلاس لدرجة أن أجزاءً من البلاد لا تملك طاقة كهربائية. حتى أولئك الذين يملكون قدرة شراء كهرباء المولدات الخاصة، فالطاقة المتوفرة لهم قليلة وسط النقص الهائل في الديزل اللازم لتشغيلها. وما يزيد الضغط على نظام المياه هو نقص التمويل لإصلاح البنية التحتية المتهالكة في لبنان، ونقص الإمدادات الأساسية مثل مادة الكلور وقطع الغيار.

لكن نظام المياه ليس على حافة الهاوية في لبنان وحده. ففي إيران هذا الأسبوع، قالت منظمة العفو الدولية إنها تحققت من لقطات تثبت مقتل ثمانية متظاهرين خلال حملة قمع مميتة ضد التظاهرات بسبب النقص الحاد في المياه في مقاطعة خوزستان، جنوب غربي البلاد، موطن الأقلية العربية في إيران. تزعم وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن العدد الإجمالي أقل [من المتداول]، وأن عدد القتلى ثلاثة، وأن “أشخاصاً مجهولين” هم المسؤولون عن ذلك.

نزل الإيرانيون إلى الشوارع في عشرات البلدات بسبب الجفاف المتفاقم، الذي فشلت الدولة في التعامل معه، بحسب خبراء حماية البيئة، مع ارتفاع درجات الحرارة وصولاً إلى 50 درجة مئوية.

وكذلك عبر الحدود العراقية، فإن شح المياه قد دفع الناس أيضاً إلى النزول إلى الشوارع، لا سيما في جنوب البلاد، حيث كانت الأهوار التاريخية تجف بشكل مطرد. كما تسبب نقص المياه في حدوث خلافات متكررة بين إيران والعراق. وهذا يعتمد على نهري دجلة والفرات في الحصول على كل مياهه تقريباً، لكن إيران تقوم ببناء سدود لإعادة تحويل بعض تلك المياه، ما يثير القلق ويتسبب بنقص كبير في المياه في العراق.

واندلعت مشكلات مماثلة بين العراق وتركيا على [مياه] الأنهار. وفي سوريا، حذرت الأمم المتحدة أيضاً من موجات جفاف شديدة لأن مستويات المياه تتدنى، وذلك يعود جزئياً إلى انخفاض منسوب نهر الفرات. وهذا يعني أن سوريا المنكوبة بالحرب تحتل حالياً المرتبة السابعة على مؤشر المخاطر العالمي الذي يشمل 191 دولة الأكثر عرضة لخطر مواجهة “كارثة إنسانية أو طبيعية قد تتجاوز القدرة على الاستجابة [المعالجة]”.

وبالطبع، فالسبيل الوحيد للخروج من هذا الكابوس هو حل شامل لتقليص تأثير أزمة المناخ وحل النزاعات وإنهاء الفساد، ولكن في غضون ذلك، مع استمرار تربص فيروس كورونا بالناس وانتشاره في أنحاء المعمورة، نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الاستثمار في برامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (WASH) قبل فوات الأوان .

© The Independent