بدأت نحو 200 دولة مفاوضات عبر الإنترنت أمس الإثنين للمصادقة على تقرير علمي للأمم المتحدة سيؤسس لقمم عالمية مرتقبة خلال الخريف تعنى بمهمة تجنيب العالم كارثة مناخية على نطاق الكوكب.
وفي ظل موجات حر وجفاف قياسية وفيضانات اجتاحت ثلاث قارّات في الأسابيع الأخيرة، وفاقمها الاحترار العالمي، يأتي تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الوقت المناسب.
وقال مؤسس «وحدة استخبارات الطاقة والمناخ» في لندن والخبير البارز فيها رتشارد بلاك «لا شك في أن (الاجتماع) سيكون بمثابة جرس إنذار».
وأشار إلى أن التقرير يأتي قبل أسبوعين فقط من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة لمجموعة العشرين و»المؤتمر الـ26 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» الذي تشارك فيه 197 دولة في غلاسكو.
وفي ظل موجات الحر والحرائق، تبددت الشكوك التي كانت سائدة في أن الاحترار يتسارع، أو في أن المصدر بشري بالكامل تقريباً، إضافة إلى المفهوم الذي يعطي تطمينات زائفة بأن تداعيات المناخ هي مشكلات الغد وليس اليوم.
وفي عتبة أخرى منذ التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تم تبني عام 2015 «اتفاق باريس للتغير المناخي» عام 2015، الذي حدد هدفاً جماعياً يقضي بالحد من درجة حرارة الأرض لتكون عند مستوى يتجاوز مستويات أواخر القرن التاسع عشر بـ»أقل بكثير» من درجتين مئويتين.
وكشف تقرير خاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 2018 عن مستوى الدمار الذي قد يتسبب به ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين بالنسبة للبشرية والكوكب.
وقال الاستاذ في جامعة ماينوث، بيتر ثورن، الذي كان من أبرز الشخصيات التي صاغت تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن ارتفاعا بقدر 1.5 درجة مئوية «باتت الهدف بحكم الأمر الواقع» ودليل على تأثير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على تشكيل السياسة العالمية في هذا الصدد.
ووفق حسابات العلماء، يتعيّن خفض انبعاثات غازات الدفيئة (المسببة للاحتباسالحراري) بنسبة 50 في المئة بحلول العام 2030 وأن تنتهي تماما بحلول 2050 ليبقى ارتفاع درجة حرارة الأرض ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية. كما أن العلم نفسه شهد تغييرات في السنوات السبع الأخيرة.
وقال خبير المناخ روبرت فاوتارد، الكاتب البارز أيضا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومدير معهد بيار-سيمون لابلاس «لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقعات المناخية وعمليات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير على التغير المناخي».
ولعل الاختراق الأكبر هو ما يعرف بـ»دراسات الإسناد» التي تسمح لأول مرة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغير المناخي حدثاً شديدا في الطقس أو إمكان حصوله.
على سبيل المثال، تمكّن تجمّع «إسناد الأحوال الجوية العالمية» بعد أيام قليلة من موجة الحر الشديدة التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة الشهر الماضي، من التوصل حسابياً إلى أن حدوثها كان أمراً مستحيلاً تقريباً لولا الاحترار الذي تسبب به الإنسان.
لكن التحليل بعد الوقائع مختلف عن التوقعات المسبقة فيما تعرّضت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التي أسست عام 1988 لتوفير المعلومات الضرورية للمفاوضات المرتبطة بالمناخ في الأمم المتحدة، إلى انتقادات من قبل بعض الجهات التي اعتبرت أنها قللت من أهمية الخطر، وهو نمط اعتبرت مؤرخة العلوم في جامعة هارفارد نعومي أوريسكيس أنه يهدف للبقاء في الجانب «الأقل دراماتيكية» للأحداث.
وسيقوم ممثلو 195 بلداً بمساعدة علماء بتنقيح «ملخّص لصُنّاع القرارات» مكون من حوالي 20 إلى 30 صفحة، سطرا سطرا وكلمة كلمة.
سيستغرق الاجتماع الافتراضي المخصص للجزء الأول (المعني بالعلوم الفيزيائية) من التقرير المكون من ثلاثة أجزاء، أسبوعين بدلا من أسبوع كما جرت العادة، فيما يتوقع نشر الوثيقة في التاسع من آب/اغسطس.
ويغطي الجزء الثاني من التقرير الذي سيتم نشره في شباط/فبراير 2022، التداعيات.
وحذّرت مُسوَدة تم تسريبها واطلعت عليها فرانس برس من أن التغير المناخي سيعيد تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة وإن تمّت السيطرة على التلوّث الكربوني المسبب للاحترار، ودعت إلى «تغيير جذري» لتجنيب الأجيال المقبلة مواجهة وضع أسوأ بكثير.
أما الجزء الثالث، الذي سيكشف عنه الشهر التالي، فيدرس الحلول لخفض الانبعاثات.
وبناء على أبحاث منشورة، قد يتوقع التقرير الذي تجري مراجعته الأسبوع الحالي (حتى وفق السيناريوهات المتفائلة) «تجاوزا» موقتا لهدف 1,5 درجة مئوية.
كما سيكون هناك تركيز على أحداث بـ»احتمال ضئيل وخطر كبير» مثل ذوبان الصفائح الجليدية التي قد ترفع منسوب مياه البحار بأمتار وتآكل التربة الصقيعية المحمّلة بغازات الدفيئة.
وقال مدير معهد الأنظمة العالمية في جامعة إكستر تيم لنتون إن «التفاعلات التي تضخّم التغيير أقوى مما اعتقدنا ولربما نقترب من نقطة تحول ما».